Saturday 12th June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,السبت 28 صفر


أجتهد رأيي ، ولا آلو ,, شريعة غرّاء:
أبوعبدالرحمن ابن عقيل الظاهري

ثمة أمور على الإباحة في الأصل، ولكن ليس ذلك بمدلول قوله سبحانه وتعالى: (خلق لكم ما في الأرض جميعاً)؛ لما حررته في السفر الثاني من كتابي من أحكام الديانة ، وإنما ذلك بمدلول النص على الإباحة وهو قوله صلى الله عليه وسلم: وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان ؛ فهذا هو العفو، وهو مباح؛ لتجرده من عهدة النص الشرعي,, إلا أن الإنسان لا يعطل عقله، بل يعمل في العفو بما يرجّحه عقله، وأصل الإباحة متعلق ببراءتنا نحن البشر، لا بالأشياء التي هي موضوع التشريع.
قال أبو عبدالرحمن: واشتراط ترجيح العقل والحس في العمل قبل العلم بالشرع: يكون في دائرة التصور مما علم من الشرع، وليس ذلك جريانا مع دعوى المعتزلة في قولهم: إن العقل يحسِّن ويقبِّح قبل الشرع,, فهذا لا أقول به: لأنه أولاً تصور معدوم؛ لأن الله لم يَكِل الخلق إلى عقولهم لحظة واحدة,, حتى لحظات الفترة كانت محكومة بما سبق من شرائع الله؛ ولهذا فاليهودي، والنصراني، والحنيفي، والمتحنث على خير وهدى من ربه، وليس كذلك عابد الوثن أو الدُّهري.
وثانيهما: أن العقل يهدي سلوك ابن آدم، ولكنه لا يدله على ما يريده ربه منه بالتعيين؛ فالعقل لا يدله على نظام للعبادة يعبد به ربه؛ ولهذا يبين الله عبادته وشرائعه بدينه، ولم يكل ذلك إلى العقول,, وإنما أقول: العقل حجة بعد ورود الشرع ومقتضاه؛ ففرق بين هذا القول وبين قول من يقول: العقل يحكم قبل ورود الشرع؛ فالله سبحانه حرم علينا الظلم، وأوجب علينا العدل، ونهانا عن الاعتداء، ولم يبين لنا جلّ جلاله أعيان كل ما يسمى ظلما وعدلا واعتداءً، بل بيّن لنا بعض الأعيان وترك بيان بعضها لعقولنا؛ ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الاستقامة: من العدل ما بيانه في الشرع، ومنه ما يعرفه العقل,, إذن فمن صادف أمراً تركه ربه عفواً رحمة بنا غير نسيان: فلا يعني ذلك أن نعتبط السلوك كيفما اتفق دون تفكير، بل نرجع بعقولنا وتجربتنا؛ ولهذا لم يقل معاذ رضي الله عنه في العفو: أعمل فيه كيفما اتفق,, وإنما قال: أجتهد رأيي ولا آلو,, ولا ننسى مدلول كلمة آلو ؛ فهي تعني استفراغ الوسع في طلب الحق، والنزاهة في تحرّيه؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله لما يحبه الله .
قال أبو عبدالرحمن: الحديث ضعيف، ولكن معناه صحيح بأدلة حجج العقول المعتبرة شرعا - وقد حققتها في غير هذا الموضع -,, والرأي الصحيح، والاجتهاد فيه غير متعيِّن في القياس الأصولي، بل الرأي أشمل منه,, وبيان بذل الوسع في الاجتهاد: أن ما سكت عنه الشرع - مع العلم بأن نصوص الشرع وفت بكل ما ينبغي العمل به، واعتقاده - يأتي على هذه الأنحاء:
أ - ألا يكون منصوصا عليه بالاسم، ولكنه موجود بالمعنى والوصف؛: فيؤخذ بالاستنباط حيث يتضافر العقل والنقل في استنباط الحكم من عمومٍ وبراهين مركبة.
ب - ألا يكون منصوصا عليه فيما بلغه وسع المجتهد، وليس كل مجتهد يحيط بالنصوص، أو يستلمح دلالتها.
ج - أن يكون متروكاً لاجتهادنا بالنص.
د- أن يكون مسكوتا عنه عفوا غير نسيان كما ورد به النص,, فأي أمر فعلناه في هذا المسكوت عنه فهو عفو، ولكن ليس على الإطلاق، بل نعمل عمل العقلاء بإعمال العقل وترجيحه؛ ليكون ما كان لنا عفوا صادرا عن نظر واجتهاد، ونحن مأمورون باستفتاء العقل وشواهده من الحس,, والحديث أورده الإمام أبو محمد بأسانيده إلى أبي داوود وابن أبي شيبة، ثم علق بقوله: وأما خبر معاذ فإنه لا يحل؛ لأنه من طريق الحارث بن عمرو، وهو مجهول لا يدري أحد من هو؟,, حدثني أحمد بن محمد العذري: ثنا أبو ذر الهروي: نا زاهر بن أحمد الفقيه: نا زنجويه بن محمد النيسابوري: نا محمد بن إسماعيل البخاري - هو مؤلف الصحيح -,, فذكر سند هذا الحديث، وقال: رفعه في اجتهاد الرأي,, قال البخاري: ولا يعرف الحارث إلا بهذا، ولا يصح,, هذا نص كلام البخاري في تاريخه الأوسط,, ثم هو عن رجال من أهل حمص لا يُدرى من هم؟,, ثم لا يعرف قط في عصر الصحابة ]رضي الله عنهم[، ولا ذكره أحد منهم، ثم لم يعرفه أحد قط في عصر التابعين حتى أخذه أبو عون وحده عمن لا يُدري من هو؟,, فلما وجده أصحاب الرأي عند شعبة طاروا به كل مطار، وأشاعوه في الدنيا، وهو باطل لا أصله له (1) , ثم عارضه برواية ابن أبي شيبة - من طريق أبي عون نفسه -؛ إذ جاء فيه: أؤم الحق جهدي ، ولم يقل أجتهد رأيي ,, قال أبو محمد: قوله: أؤم الحق: هو طلبه للحق حتى يجده؛ حيث لا توجد شريعة إلا منه، وهو القرآن الكريم وسنن النبي صلى الله عليه وسلم (2) .
قال أبو عبدالرحمن: وكذلك ما أحالا عليه من حجج العقول بيقين، أو رجحان، ومن أصول أخرى كالحكمين في اختلاف الزوجين؛ لمعرفة صحة الواقعة، ثم إجراء الحكم، أو إنهاؤه صلحاً,, وقال الموفق ابن قدامة عن الحديث: قد رواه عبادة بن نسي: عن عبدالرحمن بن غنم: عن معاذ,, ثم هذا الحديث تلقته الأمة بالقبول؛ فلا يضر كونه مرسلا (3) .
وقال الآمدي: واجتهاد الرأي لابد أن يكون مردودا إلى أصل وإلا كان مرسلا,, والرأي المرسل غير معتبر، وذلك (4) هو القياس (5) ,, واستدل صفي الدين الأرموي: بأن الأمة تلقته بالقبول، وأن مثله من المراسيل حجة، وأنها لا تضر جهالة رواته؛ لأنه روي عن جماعة من أصحاب معاذ,, وأصحابه مشهورون باتباعه في دينه وورعه؛ وذلك يثبت صحته,, ثم تنازل فقال: يفيد ظن الصحة لا القطع بها (6) .
وقال الدكتور عبدالعزيز بن عبدالرحمن السعيد: والحديث معناه صحيح، وقد اشتهر عند العلماء، وتلقوه بالقبول؛ لصحة معناه وإن اختلفوا في سنده,, وفي كلام معاذ هذا ما فيه من الاجتهاد والقياس؛ إذ يلزم (من الاجتهاد في الجزئيات التي ترد إلى ما يماثلها) القياسُ لما لم ينص عليه بالمنصوص عليه بجامع بينهما (7) ,, وقال شيخنا عبدالرزاق عفيفي رحمه الله: رواه أبو داوود والترمذي، ومداره على الحارث بن عمرو (ابن أخي المغيرة بن شعبة الثقفي)، وهو مجهول لم يرو عنه إلا أبو عون محمد بن عبيد الثقفي، ولا يعرف إلا بهذا,, قال البخاري: روى عنه أبو عون ولا يصح، ولا يعرف إلا بهذا,, مرسل,, وقال الترمذي: لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده عندي بمتصل أه,, وفيه أيضا أن الحارث رواه عن أناس من أهل حمص من أصحاب معاذ، وهم أيضا مجهولون لا يدرى من هم؛ ولا تنهض بهم صحبتهم لمعاذ ]رضي الله عنه[؛ فإنه وغيره صحبهم ]رضي الله عنهم[ من روى عنهم الكذب كالحارث الأعور في روايته عن علي ]رضي الله عنه[ الأكاذيب,, ودعوى تلقي الأمة له بالقبول يكذبها ما نقل عن البخاري والترمذي، وغيرهما من عدم قبوله,, فإن أريد بتلقي الأمة له بالقبول تلقي علماء الفقه وأصوله فقط وعلماء السير: فذلك لا مقنع فيه؛ فإنهم يحتجون في كتبهم بالطوام (8) ، وليسوا من أهل الحديث.
ومن العجب دعوى أبي المعالي الجويني: أن الحديث مخرج في الصحيح، وقد وهمه في ذلك ابن حجر - انظر تهذيب التهذيب، ونصب الراية-!.
وما قيل من أن الحديث روي متصلا من طريق عبادة بن نسي: عن عبدالرحمن بن غنم: لا يجدي أيضاً؛ ما دام من دون عبادة مجهولا (9) .
قال أبو عبدالرحمن: ثمة وقفات:
الوقفة الأولى: الحديث صحيح المعنى بالبرهان العقلي.
الوقفة الثانية: أسلفت في كتبي أن الحديث الضعيف - من غير رواية الكذاب - لا يعني البطلان، وإنما يعني التوقف حتى يوجد مرجح.
الوقفة الثالثة: رواة حديث معاذ رضي الله عنه بين مجهول الحال ومجهول العين، وإرسال,, والإرسال جهالة,, وله شواهد عن معاذ وغيره قد ترفعه إلى درجة الحسن,, ولا فراغ لي الآن لتحقيق ذلك، وقد أتفرغ له مستقبلا إن شاء الله (10) .
الوقفة الرابعة: ما ذكره أبو محمد من أن الحديث لم يعرف في عهد الصحابة والتابعين رضي الله عنهم قبل أبي عون - إن لم يتحسن بما أشير إليه في الوقفة الثالثة - ليس بحجة يرضاها أبو محمد؛ لأنها ترد على صحة خبر الواحد عنده، وهو حجة عنده.
الوقفة الخامسة: لا فرق بين أؤم الحق جهدي وبين أجتهد رأيي ؛ فالمراد بالنصين معا نظر العقل؛ لأن كلمة أؤم الحق جهدي وردت في نفس سياق حديث أجتهد رأيي بعد ذكر الكتاب والسنة؛ فلم يبق إلا الرأي قال أبو محمد: - بعد سياقه للحديث من رواية أبي داوود: من طريق شعبة: عن أبي عون (11) - :ثم قد رواه أيضا أبو إسحاق الشيباني: عن أبي عون؛ فخالف فيه شعبة (وأبو إسحاق أيضا ثقة) كما حدثنا حمام، وأبو عمر الطلمنكي,, قال حمام: نا أبو محمد الباجي: نا عبدالله بن يونس,, نا بقي: نا أبو بكر بن أبي شيبة - وقال الطلمنكي: نا ابن مفرج: نا إبراهيم بن أحمد بن فراس: نا محمد بن علي بن زيد: نا سعيد بن منصور - ثم اتفق ابن أبي شيبة، وسعيد كلاهما: عن أبي معاوية الضرير: نا أبو إسحاق الشيباني: عن محمد بن عبيد الله الثقفي (وهو أبو عون) قال: لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن قال: يا معاذ: بم تقضي؟,, قال: أقضي بما في كتاب الله,, قال: فإن جاءك أمر ليس في كتاب الله؟,, قال: أقضي بما قال به نبيه صلى الله عليه وسلم,, قال: فإن جاءك أمر ليس في كتاب الله، ولم يقض به نبيه؟,, قال: أقضي بما قضى به الصالحون,, قال: فإن جاءك أمر ليس في كتاب الله ولم يقض به نبيه، ولا قضى به الصالحون؟,, قال: أؤم الحق جهدي,, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي جعل رسول رسول الله يقضي بما يرضى به رسول الله , (12) .
قال أبو عبدالرحمن: إذن لا معنى لقول أبي محمد: إن المآل إلى طلب الحق في القرآن والسنة؛ لأن النص والسياق عما لم يوجد فيهما.
قال أبو عبدالرحمن: إسناد حمام إلى مصنف ابن أبي شيبة، وإسناد الطلمنكي إلى سنن سعيد.
الوقفة السادسة: تلقي الأمة له بالقبول يعني صحة معناه، ولا يعني صحة نسبته الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنص.
الوقفة السابعة: صحيح قول الآمدي: إن اجتهاد الرأي لابد أن ينتهي الى اصل، وإلا كان رأيا مرسلا,, وليس بصحيح قوله - وقول من تابعه-: إن ذلك هو القياس, قال أبوعبدالرحمن: أما البرهان المنطقي فقد سمي قياسا مجازا، وليس بقياس على الحقيقة,, ثم انه ليس لعصمة الذهن من الخطأ بإطلاق، واقامة أسس المعرفة,, وإنما هو لمواجهة شبه معينة للسوفسطائية، ولكنَّ من بعد أرسطو غلطوا؛ فظنوا أنه أراد وضع المنطق لعصمة الذهن من الخطأ بإطلاق، وتأسيس نظرية المعرفة؛ وقد بينت ذلك في بعض مباحثي,, والقياس الأصولي طريق مبرهن -بصيغة اسم المفعول-، وليس برهانا في ذاته؛ لأنه عمل لإظهار التساوي أو التفاوت بفوارق معتبرة أو غير معتبرة بين واقعتين وأكثر، وأما إجراء الحكم على الواقعتين فعمل خارج دائرة القياس يقتضي أن الحكم للوصف المشترك بلا فارق مؤثر,, واجتهاد الرأي إعمال الفكر بأحكامه الفطرية ومكتسباته الحسية,, ومنها النقل،والأخبار، واللغة,, والأصل الذي يعود اليه اجتهاد الرأي هو البدهيات والضرورات- فطرية ومكتسبة-؛ فجعل القياس الأصولي أصلا يرد اليه الرأي افتراء على العقل.
الوقفة الثامنة: الصحة التي أشار اليها الأرموي إنما هي لمعنى الحديث,, أما الحديث ذاته فلا يكون صحيحا لذاته إلا باتصال العدول، وعدم المنافي، ولا يكون صحيحا لغيره إلا بنصوص صحيحة أو حسنة بنصه عن صحابة آخرين,, ولا يكون صحيحا لغيره من جهة الاسناد إلا بأسانيد صحيحة أوحسنة بنصه عن معاذ رضي الله عنه من غير طريق أبي العون المرسل، ولا يكون حسنا إلا بشواهد على الحسن بمثل ما مر من شواهد الصحيح بشرط أن تكون الطرق المقوية خالية من الكذبة والمجهولين؛ ذلك أن الصحيح لذاته هو ما رواه العدل تام الضبط عن مثله متصل السند من غير علة ولا شذوذ، والصحيح لغيره هو الحسن لذاته إذا تعددت طرقه، والحسن لذاته هو ما رواه العدل خفيف الضبط متصل السند من غير علة ولا شذوذ، والحسن لغيره هو الضعيف إذا تعددت طرقه بشرط ألا يكون شديد الضعف؛ وذلك بأن يكون في أحد أسانيده كذاب أو متهم بالكذب، أو فاحش الخطأ، ومن هو في درجتهم.
قال أبوعبدالرحمن: هذا هو مصطلح المحدثين، ولكن بالفكر والحس يعلم ان الطرق المتعددة بفاحش الخطأ، وشديد الضعف ترتفع الى الحكم بالحسن,, أما الكذبة فلا تقوى بهم الطرق.
الوقفة التاسعة: ما ذكره الأرموي من الرواية عن أصحاب معاذ رضي الله عنه، وشهرتهم باتباعه: محلول بما ذكره شيخنا عبدالرزاق عفيفي رحمه الله تعالى.
الوقفة العاشرة: قال الإمام أبومحمد ابن حزم رحمه الله تعالى: ثم لو صح لكان معنى قوله: أجتهد رأيي: إنما معناه أستنفد جهدي حتى أرى الحق في القرآن والسنة،ولا أزال أطلب ذلك أبداً (13) .
قال أبوعبدالرحمن: هذا تأويل ينفيه سياق الحديث.
الوقفة الحادية عشرة: أحال أبومحمد الحديث ببطلان الدعوى بوجود حكم ليس في القرآن والسنة (14) .
قال أبوعبدالرحمن: أسلفت وجوه التفسير لما ليس في القرآن والسنة.
الوقفة الثانية عشرة: احتج أبومحمد بالنصوص المحرمة للرأي (15) .
قال أبوعبدالرحمن: إنما ذلك في الرأي المذموم المعارض للشرع.
الوقفة الثالثة عشرة: قال أبومحمد: لو صح لكان لا يخلو من أحد وجهين: إما أن يكون ذلك لمعاذ وحده,, إلخ (16) .
قال أبوعبدالرحمن: لوصح لما كان خاصا بمعاذ رضي الله عنه؛ لأنه قال: الحمد لله الذي جعل رسول رسول الله يقضي بما يرضى به رسول الله ,, وما رضي به رسول الله صلى الله عليه وسلم شرعا فهو شرع لأمته.
الوقفة الرابعة عشرة: قال أبومحمد: او (17) يكون لمعاذ وغيره؛ فإن كان ذلك (18) : فكل من اجتهد رأيه فقد فعل ما أمر به,, وإذ الأمر كذلك: فإن كل من فعل ما أُمر به فهم كلهم محقون ليس أحد منهم أولى بالصواب من آخر؛ فصار الحق على هذا في المتضادات، وهذا خلاف قولهم، وخلاف المعقول بل هذا المحال الظاهر,, وليس حينئذ لأحد ان ينصر قوله بحجة؛ لأن مخالفه ايضا قد اجتهد رأيه (19) قال أبوعبدالرحمن: نعم كل من بذل جهده، فقد فعل ما أمر به,, وليس معنى ذلك ألا ينظر الى قول غيره، بل ينظر فيما حضره من نصوص ووقائع، ويسمع من كل مجتهد أمكنه ان يسمع منه أو يقرأ له,, ولم يضمن لنا ربنا اتفاق العلماء في الاجتهاد، بل للمصيب أجران، وللمخطىء أجر ومعذرة؛ وعلى هذا لا يكون الحق في المتضادات كما قال أبومحمد، ولا في المتناقضات.
الوقفة الخامسة عشرة: قال أبومحمد:من المحال البيّن أن يكون ما ظنه الجهال في حديث معاذ -لو صح-: من أن يكون ذلك يبيح لمعاذ أن يحلل برأيه، ويحرم برأيه، ويوجب الفرائض برأيه، ويسقطها برأيه!!,,، وهذا لا يظنه مسلم .
قال أبوعبدالرحمن: ليس الأمر كذلك، فليس للرأي دور مع حضور الحكم باسمه أو نصه,, وإنما ذلك فيما جعل لنظر المسلم العالم المتربي على فهم مقاصد الشريعة العامة؛ فهو يرد الى ما أُذن له من إعمال العقل حتى يقوم له برهان العقل يقينا أو رجحانا دون هوى أو حمية.
قال أبوعبدالرحمن: ثمة فرق بين العقل الذي تدعيه المعتزلة مجردا من الشرع وبين العقل الذي تربى بالشرع؛ فالعقل الأول كصاحب القانون الوضعي يعمل عقله في نطاق شهوات بني آدم، وفي حدود خبراتهم وتجاربهم,, ولو استقرأت جميع القوانين الوضعية القائمة اليوم لوجدتها كلها - لا نستثني منها شيئا- قائمة على الحق الطبيعي الذي فلسفه سبينوزا، وروسو، وهوبز,, وأهم عناصر الحق الطبيعي قانون الشهوة دون اعتراف بحق إلهي؛ ولهذا ترى تقنين العقود في القانون الوضعي يقوم على رضا المتعاقدين فحسب, أما العقل المتربي بالشرع فيتحرى رضا الله أولا قبل تحري رضا المتعاقدين؛ إذن عقل المسلم حينما يوكل أمر العفو إليه إنما يعمل في كنف الشرع ولا يخرج عن اطاره، وقد اصبح عنده من عموم نصوص الشرع أصول عامة، وملكات ثابتة؛ ولهذا أيضا كان عقل المسلم ذكاء وزكاء معا؛ فهو ذكي بفطرة الله له، وهو زكي بتربية الله له على شرعه.
(1) الإحكام في أصول الأحكام م2 ج6 ص209-210.
(2) الإحكام 6/210.
(3) روضة الناظر - ضمن ابن قدامه وآثاره الأصولية -2/286.
(4) أي ذلك الأصل.
(5) الإحكام في أصول الأحكام 3/32.
(6) انظر نهاية الوصول في دراية الأصول 7/3096- 3097.
(7) ابن قدامة وآثاره الأصولية 1/16.
(8) انظر آخر المسألة 41 من السفر الثاني من كتابي من أحكام الديانة .
(9) الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 4/32-33 حاشية .
(10) انظر مثلا الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي 1/200-201، والسنن الكبرى للبيهقي 10/15.
(11) انظر الإحكام في أصول الأحكام 6/203-204.
(12) الإحكام في أصول الأحكام 6/212.
(13) الإحكام لابن حزم 6/213.
(14) الإحكام 6/213.
(15) الإحكام 6/213.
(16) الإحكام 6/213 وهذا هو الوجه الثاني,, ولا يشترط تكرار إما وإن كان التكرار هو الأكثر,, قال الشاعر:
وقد شفَّني ألاّ يزال يروعني
خيالك إما طارقاً أو معاديا
وانظر النحو الوافي 3/614.
(17) أي: فإن كان الأمر هو ذلك المذكور آنفا.
(18)الإحكام 6/213.
(19) الإحكام في الأحكام 6/213.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved