Saturday 12th June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,السبت 28 صفر


الخلاف وغياب منهجية الحوار
أين منا أصابت امراة وأخطأعمر ؟

عزيزتي الجزيرة
الاختلاف من طبيعة البشر، كماهوالجدل والنقاش وكان الانسان اكثر شيء جدلا , والحوار حول الخلافات ظاهرة صحية يجب ان نشجع عليها ونفتح الابواب لها، لأن البديل هو شحن النفوس بما لايسمح لها ان تعبر عنه، وتواصل الخلاف واستفحاله حتى يصل طريق التعبير عنه الى ماهو اسوأ من مجرد حرارة الجدل, وللخلاف في الاسلام فقه، وللحوار اصول ومبادىء، وللنقاش ابجديات يجب ان تفرض على اطراف الخلاف وتحترم, فكما ان في كل مباراة رياضية يتصارع ويتسابق الافراد والفرق على الفوز وتسجيل النقاط هناك قوانين تحترم وأنظمة يلتزم المتبارون والمتسابقون بها، فللسجال بين اهل الرأي آداب وأصول يجب الالتزام بها اذا أُريد للحوار ان يثمر وللنقاش ان يصلح ويفيد, وقبل ان يعرف الغرب هذه الآداب ويدرسوها في دور علمهم منذ الابتدائية وحتى الجامعات ويلقنوها لأبنائهم في البيوت، عرف العرب اصولا مارسوها في منتدياتهم العلمية كسوق عكاظ ودار الندوة، وباركها الإسلام وزاد عليها، فكانت محاورة القرآن الكريم للمشركين في مسائل الخلق والتوحيد والربوبية، وتلك الحوارات العظيمة التي مارسها المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وجادلهم بالتي هي احسن مع اليهود وغيرهم وسجل بعضها القرآن كما في سورة الكهف مثلاً، وواصلها الصحابة بينهم وبين غير المسلمين وبينهم وبين بعضهم، ونموذج ذلك تلك المساجلة الرائعة بين عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد رضي الله عنهما في مسألة عزل خالد من امارة الجيش في الشام.
اتذكر هذا كله وانا اشهد بين الحين والحين واشارك في محاورات مع بعض الاخوة العرب والمسلمين حول مختلف القضايا الدينية والسياسية والاقتصادية، فلانكاد نبدأ بالمنطق حتى ننتهي بغيره، ولابالعقل حتى تحكمنا العواطف، ولابالحجة والدليل حتى نقع في التفسير والتبرير، ولا بالخلاف الفكري حتى نتورط في المسائل الشخصية, فالامر عند البعض مسألة مبدأ وكرامة وعزة، هي في واقعها عزة الاثم ونعرة الجاهلية وخيلائها وغرورها، فالفاروق عمر رضي الله عنه لم يستعب ان تصلح له امرأة ولم يجد حرجا في ان يعلن على الملأ خطأه ويتراجع عنه وهو امير المؤمنين بعد ان غلبت حجتها حجته قائلاً اصابت امرأة وأخطأ عمر , ولايقلل من شأن صاحب عقل وعلم ان يخطىء، ولكن يهلكه ان يدرك خطأه ويصر عليه حتى لايقال جهل فلان واخطأ, كما يقلل من قدره ويشين علمه ان يدخل حلبة الحوار لاليعبر عن رأيه ويتعلم من غيره ويخلص الى الحق اينما وجده، وانما ليكسب جولة ويحقق نصرا ويهزم خصما, وعندما يفشل في تحقيق هذا الفوز يصيبه الخزي والعار ويلجأ الى التزوير والمراوغة او مهاجمة محاوره في شخصه او دينه او علمه او خلقه, ولقد عجبت في بداية اقامتي هنا، ومازلت اعجب، لحال بعض اخوتنا الذين انعم الله عليهم بالعلم حتى بلغوا سنامه، ودرسوا في جامعات الغرب ودرّسوا فيها، وحضروا منتديات الحوار العلمي بأصوله وآدابه وشاركوا فيها, ورغم ذلك تفاجأ عندما تحاورهم انهم مازالوا على ماكانوا عليه, فالحجة لاتقارعها الحجة ولكن وجهة النظر، والحقائق لاتواجه بالحقائق ولكن بالنظريات والحكم على النوايا والضمائر، والخلاف لاينطلق من مجرد التعبير عن الرأي والدفاع عنه، ولكن من عواطف المحاور ومصالحه الشخصية ومواقفه السياسية والفكرية المتصلبة, ولذا فإن حوارك مع هؤلاء محكوم عليه مسبقا بالفشل، لأنك تقنع من يبحث عن الحقيقة لاعن هدف، وتكسب الفائدة العلمية ممن يشاركك البحث عنها وليس ممن لايهمه الا فرض رأيه عليك، وتربح علاقة الاحترام المتبادل ممن يفرق بين اختلاف الرأي وقضية الود، لاممن عنده التحاور حرب دوافعها شخصية ونهايتها اما نصر مبين او هزيمة منكرة.
تعلمت ذلك بعد ان خسرت كثيرا من الصلات، وادركت اخيرا ان مجادلة اهل الجدل للجدل مآلها ضياع الوقت وتعب القلب واثارة الفرقة والخلاف واشعال الفتن, ولكن ماذا تفعل عندما يفسر صمتك موافقة او لامبالاة، ويعين تفاديك للرد المروجين والحاقدين على تشويه الحقائق وتحقير الرموز والاساءة عند الآخرين لكل عزيز عندك وغال عليك من وطن وأمة وقيادة؟ اعاننا الله على اهل الجدل، وأعان الامة على اهل الفرقة والخلاف، وهدانا جميعا الىطريق الحق والعدل والحكمة.
خالد محمد باطرفي
(طالب دكتوراه في الصحافة)
أوريقن- الولايات المتحدة

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved