Sunday 4th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 20 ربيع الاول


القلم الأبيض
الحروب السماوية وموت المنشآت
عبدالعزيز المهنا

على مدى السنوات العشر الماضية شهدت أوروبا الوسطى والشرق الأوسط حربين من أكبر الحروب وأخطرها وأكثرها أثراً وتأثيراً في تغيير الخريطة السياسية لكلا المنطقتين.
ففي حرب تحرير الكويت كانت أرتال الدبابات والمدافع والأسلحة الأخرى المساندة مجرد تجهيزات لاستعراض القوة على الأرض, وفي مناطق احتشاد قوات الحلفاء على حدود الكويت المحتل من الجيش العراقي كان أحد الجنود الأمريكان يتحدث للصحفيين ذاكراً بأنهم بحاجة إلى عمل، فقد ملوا الانتظار,, وقد غادر الجندي الأمريكي أرض المنطقة مع الآلاف من قوات الحلفاء بعد تحرير الكويت ولم يكن للبندقية الرشاشة التي بحوزته والتي تم ملء خزانتها بالرصاص أي دور في المعركة، فقد أعاد العهدة إلى معسكره كاملة دون نقصان, والدبابات التي تقدمت داخل أرض الكويت لم تجد أمامها من يستفز مدفعيتها الضخمة - إنها تستعرض بكل مفاتن الخوف فيها أمام كل من ينظر إلى ارتال الدبابات وهي تسير في شوارع لم يسبق أن شهدت هذا النوع من المركبات.
وبعد عشر سنوات من تلك الحرب جاءت الموجة الأطلسية لتحرير إقليم كوسوفا وارغام الرئيس الصربي على القبول بقرارات الحلفاء.
ووفق احصاءات تتجدد في كل لحظة فقد بلغت غارات الحلف على كوسوفا وصربيا 82 ألف غارة تحطمت خلالها المنشآت العسكرية والحيوية وبقيت صربيا تنتظر حظها الأليم الذي وقف دون تمتعها بالجبروت ضد المسلمين والعرقيات الأخرى.
حرب تحرير الكويت وحرب تحرير كوسوفا حربان سماويتان لم يكن للأرض علاقة بهما سوى استقبال القذائف والصواريخ التي تسلطها الطائرات المقاتلة على الآليات المضادة لإرادة قوى التأديب.
والغريب في هاتين الحربين جهل المستهدفين بنتائجها، فصدام حسين لم يكن يدرك فعالية السلاح الأمريكي ومقدرته على التدمير, والسيد ميلوسوفيتش هو الآخر كان يرى أن الأمريكيين سيجدون الروس سداً مانعاً ضد التوغل في خصوصياته وأدوات سلطته.
لكن حروب السماء لم تكن حروب مواجهة ولم تكن هناك إرادات قابلة للمناقشة فالمعادلة لا تحتمل سوى حل واحد.
لقد خرج صدام حسين كأول رئيس عربي يعيش المفاجأة, انه يشاهد ترسانة بلاده العسكرية والمدنية تتهاوى دون أن يمتلك القدرة على دفع ذلك البلاء السماوي.
كانت القوات العراقية لديها عشرات الآلاف من الدبابات والمدافع والرجال الأقوياء المدربين تدريباً يمكنهم من المصارعة مع الأعداء,, لكن الأعداء لم يتمكنوا من السير على الأرض وفضلوا أن يجربوا السير فوق السحب.
والرئيس الصربي يشاطر الرئيس صدام حسين الحالة المتكررة من الذهول، فقد درب قواته البرية والبحرية تدريباً عالياً يضمن من خلاله دحر العدو فور اقترابه من أول نقطة حدودية لكن العدو لم ينظر إلى الأرض والحواجز وإنما سار في أحضان السماء التي لا يمكن أن تمنعها الحواجز.
حرب السماء هي الآن عنوان تلك الحروب المصيرية التي تنكشف عنها حال جديدة وأوضاع متغيرة وأحوال غير عادية تتحقق بعد حرب السماء في مدة لا تزيد عن شهر أو أكثر.
حروب الأرض هي الآن من نصيب الهند وباكستان وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ولا ننسى السودان وأفغانستان واثيوبيا وأريتريا وأنجولا وموزمبيق.
حروب تستمر عشرات السنين وتنتهي أو لا تنتهي فالأمر سيان.
الحرب في كشمير تدور الآن فوق 29 قمة جبلية والنتائج لا يمكن أن تتحق وفق إرادة المتقاتلين, حروب السماء يجري تطويرها الآن بحيث لا تكلف عناءً ووقتاً أطول، فالحرب القادمة لن تدوم أكثر من أسبوع والحرب التي تليها سوف تحسم في أيام أو عدة ساعات.
أما الحروب البرية فهي من نصيب ذلك العالم الذي يريد أن يجرب حظ أفراد شعبه بالموت الذي يسمى موت الشهداء.
لقد استمرت الحرب اللبنانية 15 عاماً وكانت النتيجة هي نفسها ما قبل 15 عاماً، ونحن الآن في العام الأربعين أو نقترب منه أو نزيد عليه من حرب السودان بين جنوبه، وشماله، وغربه، وفي افغانستان انتهت الحرب بعد 11 عاما لتعود إلى حرب أخرى من أبرز نتائجها تحويل الشعب الأفغاني إلى أرامل وعجزة.
وفي حروب الشرق الأوسط كان الرهان على بقاء طرف واحد، اما اليهود واما الفلسطينيين، فكانت النتائج بعد 50 عاماً بقاءهما معاً.
ومنذ أواسط الأربعينات وحتى لحظة كتابة هذا المقال والأفارقة يتقاتلون في أكثر من موقع في هذه القارة الفقيرة، والنتيجة هي القتال نفسه والفقر نفسه والبؤس نفسه.
حروب السماء هي الحروب الحاسمة، فهل تستطيع دول العالم الثالث أن تحسم خلافاتها المزمنة ونزاعاتها التاريخية بحروب سماوية قادمة,,؟
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved