Sunday 4th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 20 ربيع الاول


نحو دور عربي إسلامي في صوغ مبدأ التدخل الإنساني
د, وحيد عبدالمجيد

اذا كانت (لكل فكرة ساعتها الاتية) كما قال الاديب المشهور فكتور هوجو، فان هذه هي ساعة فكرة التدخل الانساني التي اكتسبت زخما غير مسبوق بعد عملية حلف الاطلنطي في كوسوفا وما حققته من نجاح في وقف جرائم الابادة والتطهير العرقي.
ولذلك كان من الطبيعي ان يزداد الجدل حول فكرة التدخل الانساني ومدى شرعيتها من عدمه، ومن اين تستمد هذه الشرعية اذا كان لها نصيب منها، وما ستحدثه من تغيير في انماط العلاقات الدولية وفي نظام الامم المتحدة.
ويكشف هذا الجدل عن استمرار الخلاف عميقا والفجوة واسعة بين من يرون في التدخل الانساني شرا مطلقا او غالبا، وبين من يجدون فيه خيرا سواء قل او كثر.
وعلى الرغم من هذا التباعد، ينبغي الاقرار بان لكل من الموقفين ما يبرره، وان في كل منهما ما يصعب انكاره، وان وراء كل منهما منطقا ليس من السهل رفضه كليا او على اطلاقه.
فالموقف السلبي تجاه التدخل الانساني، على ما فيه من تفاوت، ينطلق من ميراث يسوده شك في السياسات الغربية، وحذر ازاءها ايا كانت اهدافها ومراميها وبغض النظر عما اذا تبنت مواقف تتسم بالعدالة كما حدث عندما وقفت الى جانب الكويت في ازمة وحرب 90 - 1991.
وهذا ميراث يعود الى عصر الاستعمار واحيانا الى مرحلة الحروب الصليبية وهو يغذي اتجاهات تفيض بالجزع مما يمكن ان يترتب على اقرار التدخل لاسباب انسانية وتحويله الى مبدأ من مبادىء العلاقات الدولية, ويزيد من هذا الجزع ان اقرار التدخل في ظل هيكل احادي للنظام العالمي، اي يقوم على قطبي واحد، ينذر بانفراد هذا القطب بتقرير الحالات التي تستلزم التدخل فيها، الامر الذي يفتح الباب امام امتداد مشكلة ازدواجية المعايير الى هذا المجال, فاذا كانت دولة صديقة لهذا القطب ولديه مصالح فيها سيتغاضى عن انتهاكاتها حتى اذا وصلت الى مستوى شديد الخطر يفرض التدخل، وفي المقابل قد يصر على التدخل، ضد دولة تتعارض مصالحه معها اذا لن ترتكب انتهاكات من النوع الذي لا سبيل لمواجهته الا عبر هذا التدخل.
كما يمتد الشك والحذر الى التدخل الانساني من خلال الامم المتحدة اعتقادا في ان النفوذ الامريكي - الغربي فيها لا يبعث على الاطمئنان او الثقة في استقلال قرار التدخل في كل الاحوال, ومن المعتاد ان يكون اصحاب الموقف السلبي تجاه التدخل هم ايضا الذين يتحدثون عن عدم امكان الفصل بين المنظمة الدولية والسياسية الامريكية في عصر ما بعد الحرب الباردة.
اما اكثر ما يركز عليه القائلون بعدم شرعية التدخل الانساني اذا قام على اساس استخدام القوة نحو مبدأ السيادة الوطنية الذي تقوم عليه العلاقات الدولية في العصر الحديث او عصر الدولة القومية, وهم يستمسكون بهذا المبدأ وبمكانته المركزية في ميثاق نظام قانوني مواز لهذا الميثاق في اطار المنظمة الدولية نفسها ينتهي من مبدأ السيادة.
فاذا كان هذا المبدأ لا يجيز التدخل في الشؤون الداخلية لاي دولة الا في ظروف استثنائية تنطوي على تحديد للسلم والامن الدوليين وبموجب قرار من مجلس الامن، فقد فتحت مواثيق واتفاقات حقوق الانسان ثغرة في الجدار الذي اقامه مبدأ السيادة لمنع التدخل، فقد تتالت اتفاقات دولية اقامت نظاما قانونيا يخلق امكانات للتدخل من اجل حماية حقوق الانسان، وذلك منذ اصدار الاعلان العالمي لحقوق الانسان في العام 1948.
ولذلك صار معتادا ان نجد انعكاسا لهذا الازدواج في وثائق الامم المتحدة في السنوات الاخيرة، وخاصة منذ العام 1991 عندما لوحظ ما يدل على ذلك في التقرير السنوي للسكرتير العام للامم المتحدة، فقد اشار ذلك التقرير الى ان مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول يجب ألا يستخدم كعازل واق لبعض الحكومات التي تنتهك حقوق الانسان, ولكن حقق التوازن الصعب عندما استدرك بان اي تدخل تقوم به الامم المتحدة يجب ان يكون منسجما مع ميثاقها وقال: اذا كانت المنظمة الدولية ملتزمة بالاعلان العالمي لحقوق الانسان، فهي ملتزمة ايضا بميثاقها الذي يحافظ على سيادة الدول الاعضاء.
وهذا هو احد اهم اسانيد اصحاب الموقف السلبي تجاه التدخل الانساني، اذ يقبلون فقط التدخل للاغاثة من دون استخدام القوة العسكرية, فهذا النوع من التدخل لا خلاف عليه او لا يدخل في اطار الخلاف الذي نتحدث عنه.
ولكن صار واضحا ان التدخل من اجل التصدي لكوارث انسانية لم يعد كافيا في السنوات الاخيرة، وخاصة بعد انفجار كثير من الصراعات العرقية والدينية في انحاء العالم منذ انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي السابق.
كما اصبح ظاهرا ان تدخلا لا يشتمل على قوة عسكرية قد لا يجدي ولا يفيد في منع كوارث انسانية كبرى عندما تقترن هذه الكوارث بصراعات عرقية حادة واكثر من ذلك وجدنا الامم المتحدة عرضة لانتقادات واتهامات لاحصر لها بسبب مذابح رواندا في العام 1994 لان قواتها لم تتمكن من حماية آلاف الضحايا وانما انسحبت في وقت بالغ الحرج، وان سكرتيرها العام تلكأ في توفير الامكانات اللازمة لتدخل فعال.
وهذا هو ما يبني عليه اصحاب الموقف الايجابي تجاه التدخل الانساني رؤيتهم التي تنطلق من ان هذا التدخل لابديل عنه حين يتعلق الامر بانقاذ بشر ابرياء من اعمال قتل منظمة.
وكثيرا ما نسمع هؤلاء وهم يسألون في حزن وأسي: هل يبقى شيء من ضمير حي لدى انسان لا تهزه صور بشر هربوا خوفا من ان يفتك بهم ابناء وطنهم، فكان ان فتك بهم الجوع والمرض؟ هذا السؤال اثير في مناسبة مذابح رواندا في العام 1994، ثم اعيد طرحه بحذافيره مع تغيير المكان فقط بشأن مأساة كوسوفا في العام1999.
وعندما يقترن مثل هذا السؤال بتغطية تلفزيونية لابد ان يكتسب معنى ابعد بكثير مما تنطوي عليه الكلمات, فالصورة ليست كالكلمة, الصورة تصل الى القلب وتحركه وتجعل الانسان مقعدا مع الحدث - المأساة، فيما يقتصر اثر الكلمة على مخاطبة العقل في المقام الاول.
وفي ظل التقدم التكنولوجي الهائل في مجال الاتصالات صار الموقف الرافض للتدخل الانساني باستخدام القوة العسكرية في وضع اكثر صعوبة من ذي قبل, فلم يعد اصحابه يخوضون مجادلاتهم مستخدمين كلمات في مواجهة مثلها, اصبحت المواجهة غير متكافئة, فهم لا يمتلكون غير الكلمات، فيما يعتمد انصار التدخل على الصورة التي تضفي على كلماتهم ابعادا جديدة وتمنحها قوة اضافية.
ولذلك لن يكون في امكانهم الصمود طويلا في الدفاع عن موقفهم مهما كانت قوة حجتهم وتماسك منطقهم وسلامة مجادلاتهم, يكفي ان يرى الناس صور المآسي الانسانية التي نقلها التلفزيون ليعرضوا عن اي حجة او منطق, فهذه الصور تدعم الدعوة الى تدخل وتجعل من الصعب رفضها عندما يتعلق الامر بانقاذ بشريموتون او يهجرون من ديارهم.
وهذا هو ما ينبغي ان يدركه معارضو التدخل الانساني، فيعرفوا ان معارضتهم لا تقوى على الحيلولة دون اقرار هذا التدخل وتحويله الى مبدأ أساسي في علاقات عالم الغد القريب، خاصة ان انصاره يصرون على انه لا يتعارض مع ميثاق الامم المتحدة حتى اذا تم خارج نطاق المنظمة الدولية كما حدث في كوسوفا.
وهم يستندون في ذلك الى المادة 56 من الميثاق التي تنص على التزام الدول الاعضاء باتخاذ اجراءات مشتركة او منفردة لتنفيذ المادة 55 وهذه تدعو الى اقامة علاقات ودية بين الدول على اسس من بينها حقوق الانسان والحريات العامة.
ودلالة ذلك رفض اخفاء شرعية دولية على التدخل الانساني باستخدام القوة لن يقف امام اتجاه متعاظم قادر على اقرار هذا التدخل وممارسته خارج اطار الامم المتحدة.
واذا كانت الحال كذلك فمن الافضل لمعارض التدخل ان يسعوا الى حل وسط يتم بموجبه التفاهم على صيغة لتقنينه عبر ضوابط محددة ومعايير موضوعية تجعله جزءا من آلية دولية في اطار الامم المتحدة دون غيرها, فالموقف الرافض للتدخل يكتسب شرعيته الاخلاقية من حرص على المنظمة الدولية وميثاقها، ومن رفضه ان يتحول هذا التدخل الى اداة لتصفية حسابات لا صلة مباشرة لها بانتهاكات حقوق الانسان او بكوارث ومآس انسانية.
وكي يحافظ هذا الموقف على شرعيته، يجدر باصحابه ألا يركنوا الى انغلاق او تحجر، والا تجاوزهم التطور، وعليهم ان يساهموا في البحث عن آلية للتدخل الانساني بعيدا عن المخاوف التي يقوم موقفهم عليها ويصعب في ظلها اساءة استخدام هذا التدخل تحقيقا لاهداف خاصة بعيدة عن مصلحة البشرية.
المطلوب، اذن ، هو البحث عن صيغة ما في منتصف الطريق بين رفض وحظر اي تدخل في شؤون دولة ايا كانت الظروف، وبين اباحة وتجنيد اي تدخل حتى اذا تم خارج نطاق الامم المتحدة وبعيدا عن دورها واشرافها.
ولا اساس، هنا للمجادلة بانه ليس هناك فرق بين الامم المتحدة والولايات المتحدة، وقد اكدت تداعيات ازمة كوسوفا وعملية حلف الاطلنطي وجود هذا الفرق، ويكفي ان بعض من كانوا يعتمدون في موقفهم على المجادلة بان لا فرق عادوا الى ادانة عملية الاطلنطي لانها تمت خارج الامم المتحدة، بما يعني ذلك من اعتراف ضمني بوجود فرق.
كما يتبين ان دولة مثل روسيا، وبرغم كل ما صارت عليه من ضعف وهوان، تستطيع المشاغبة على السياسة الامريكية، وطالما انها تمتلك حق النقض (الفيتو) وكذلك الصين، سيظل هناك فرق بين الامم المتحدة واي دولة حتى لو كانت هي القوة الاعظم.
ولذلك فمن مصلحة الدول الصغيرة والمتوسطة الوصول الى صيغة للتدخل الانساني تنطوي على آلية محددة يتم اعتمادها لهذا التدخل في حالات يجري تعريفها بوضوح دون لبس او غموض، وفي اطار ضوابط محددة يصعب التلاعب بها ويمكن تحقيق ذلك من خلال لغة قانونية منضبطة بعيدة عن الصياغات الفضفاضة، لان هذا هو الضمان لعدم اساءة استخدام مبدأ التدخل الانساني.
وليت كل الدول العربية والاسلامية تجتمع على التعاون في الوصول الى مثل هذه الصيغة والمبادرة بطرحها على الامم المتحدة,
اننا نشكو دائما من ان العالم لا يقيم وزنا لنا ولا لدورنا، ونطالب بالمشاركة في وضع قانون النظام العالمي, وربما تكون هذه بداية كي نبادر مرة، نكتشف ان المشكلة فينا لا في غيرنا ولا في زماننا, وربما نجد اننا لسنا مستبعدين بارادة غيرنا، وانما نحن الذين نبعد انفسنا, وعندئذ، تكون هذه بداية انطلاقة الى مشاركة وتفاعل نساهم فيها كفاعلين في العالم الجديد على مشارف قرن جديد.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved