Sunday 4th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 20 ربيع الاول


محاولة,, إصلاحية
للكاتب أوغست سترايندبرغ
August Strindberg

*ترجمة : حصة إبراهيم العمار
رأت هي بعين السخط ان الفتيات قد جبلن على الاستعداد للزواج وتربية الأولاد والسهر على راحة أزواجهن، ولذا فقد تعلمت حرفة تكفل لها - إما توحدت وبقيت دون عائل - حياة كريمة,, أجادت صياغة الازهار الاصطناعية.
ورأى هو بناظر الاسف والحسرة ان الفتيات قد نُشِّئن على جبلَّة انتظار ازواج المستقبل كيما يتولوا مسئولية الانفاق عليهن فعقد عزما اكيدا على اختيار فتاة تكون قادرة على إعالة نفسها,, فتاة عصرية حرة تكون شريكة لحياته في السراء والضراء لا مدبرة منزل فحسب, وشاء الله ان يلتقيا,, أجل,, وافق شن طبقة كان هو فنانا فيما امتهنت هي كما اسلفنا صياغة الازهار التقليدية,, وكانا آنذاك يعيشان في باريس لما اختمرت في باليهما تلك الرؤى والنظريات,, وجاء زواجهما انعكاسا لذوقهما المهني,, اكتريا منزلا من ثلاث غرف في (ياسي) غرفة له واخرى لها واستديو في الوسط جاء فاصلا بين المخدعين - ما اتخذا كغيرهما غرفة النوم التقليدية المتعارف عليها، وأراحهما ذلك النهج المنزلي من الحاجة الى تغيير الملابس امام بعضهما فكانت غرفة الاستديو,, منطقة محايدة تفصل ما بين الجبهتين وملتقى اثيرا مشتركا.
ولم يتخذا خادمة مقيمة بل اكتريا عاملة تقوم بالخدمة صباحا ومساء قبل ان تتجه الى بيتها,, كانت فكرة رائعة خُططِّ لها بدقة وبعد نظر.
ولكن لنفرض أنكما رزقتما بأطفال؟ تساءل بعض المشككين.
- هراء,, لن يكون هناك أية اولاد.
وسار الامر على خير ما راما,, كان يذهب الى السوق صباحا فيبتاع ما يحتاجان اليه ثم يعود فيعد القهوة,,, اما هي فكانت ترتب الاسرّة والغرف قبل ان تنضم اليه فينهمكان في العمل,, وعندما لا يكون هناك عمل ما فإنهما يتبادلان الاحاديث الشخصية والقيل والقال ثم يقدم كل منهما لشريك حياته نصيحة يتبعانها بضحكات عالية تنبض محبة وتفهما وألفة.
في تمام الثانية عشرة ظهرا كان يوقد النار فيما تقوم هي بإعداد الخضار,, ويطبخ اللحم بينا تتجه هي الى البقال القريب لتعود بعيد ذلك فتحضر المائدة وترص الأواني فوقها.
صحيح ان كلا منهما كان يحب شريك حياته كما يتبادل الازواج اقداح المحبة,, وكان كل منهما يبادر صاحبة بتحية المساء قبل ان يتوجها الى مخدعيهما على ان بابي غرفتيهما كانا مفتوحين دوما إما رغب احدهما في زيارة الآخر مساء,.
في الصباح كان للقائهما المتجدد حول مائدة الافطار طعم رائع لا يمل كان كالماء العذب النمير المنبثق من باطن الارض لا يشوبه كدر او ركود.
وكان من عادتهما الخروج لتمضية السهرة سويا والالتقاء بالصحب والاصدقاء ولم يكن لها اعتراض على رائحة التبغ او خلافه,, وظل الجميع يحسدونهما,, على ذلك الزواج النادر,, وتلك السعادة تحلق فوقهما فتهتن أنسا وألفة وانسجاما.
على ان والدي الفتاة,, وكانا يقطنان بعيدا عنهما ما فتئا يبعثان برسائل عدة يستفسران فيها عن سبب تأخر انجابهما,.
ان الهدف الاساسي للزواج هو انجاب الاولاد ظلت امها تكتب لها,, على ان (لويسا) كانت ترد دائما بأن تلك لا تزيد على كونها فكرة قديمة لم يعد ثمة وجود لها في عصرهم الحديث ,, ورجتها أمها ان تفكر فيما اذا كان ما تدين الفتاة به من اعتقادي سيؤدي الى انقراض الجنس البشري أم لا,! على أنها وزوجها ما اهتما بذلك بل ان ما اعتمراه من حلل السعادة قد زاد من غبطة الناس لهما.
كانت الحياة سعادة دائما ونعيما متصلا,, لم يكن بينهما سيّد ومسود بل انهما ظلّا يتقاسمان تكاليف كل شيء,, وكان ما يكسبه ينيّف تارة على ما تجنيه هي,, فيما تزيد حصتها هي تارة اخرى على ان اسهامها المشترك كان يوحد كل الارقام ويلغي الفروقات فيما بينهما طرا.
ثم كانت صبيحة ذكرى يوم ميلادها,,, ايقظتها العاملة المنزلية وهي تقدم اليها باقة ورد وبطاقة كتب فيها بين طاقات الزهور التي رسمت حولها بدقة:
إلى اجمل واعذب البراعم,, من قاطفها المتيم,, الذي يتمنى لها عمرا مديدا واعيادا سعيدة,, ويتمنى ان تشرفه بمشاركته طعام إفطار,, رائع,, في الحال,!
وطرقت عليه الباب: تفضلي,!
وشرعا يتناولان طعام الافطار على سريره هو فيما أبقيت العاملة لتدبير امور المنزل طيلة ذاك النهار,, كانت مناسبة لا تنسى .
ولم يخب وهج سعادتهما لعامين ظلا فيهما يتقاسمان كؤوس النعيم,, خابت تنبؤات المرجفين,! كان زواجا مثاليا,! على ان الزوجة الشابة سقطت - بعد عامين - طريحة الفراش وعزت هي ذلك الى ما قد يحويه ورق الجدران من بعض السموم ,, فيما أعاد السبب في ذلك الى بعض الميكروبات الدخيلة واحتار دليلهما,, ثم شيء ما,,, شيء تسلل الى خدرها فجأة دون سابق إنذار ما الخطب؟ تساءلا ,, أهي نوبة برد؟ ثم زاد وزنها فجأة,! أهو ورم ما؟ أجل ذاك ما كانا يخشيانه,!
وذهبت تستشير طبيبا فيما حل بها فجأة ثم عادت والدموع تسبقها,, اجل كان نموا داخليا ذاك الذي دهاها لكنه كان نموا من النوع الذي سيرى النور يوما لينبض بالحياة ويؤتي ثمارا,!!
ولم تدمع عينا الزوج على الاطلاق بل انه وجد فيه نوعا من التميز جديرا بالفخر,, والتقى الشقي باصحابه فأفضى اليهم بالأمر فيما واصلت المسكينة البكاء,, كيف سيكون وضعها الآن,, سوف لن تقوى على اكتساب المال فتغدو عالة عليه ولسوف يحتاجان الى خادم,,, أووه,,, اولئك الخدم,, كم تكره الفكرة,!! ان كل ما شيدوه من عناية وحذر ووعي قد تحطم فجأة على صخرة المحتوم.
على ان والدتها ظلت تبعث لها بالرسالة تلو الاخرى مذكرة إياها بأن الله تعالى قد شرع الزواج للاستيلاد والحفاظ على الجنس البشري لمن شاء له الذرية,, وبأن رأي الزوجين ليس بذي بال,, واقنعها (هوجو) زوجها بأن تهمش فكرة عدم قدرتها على العمل والتكسب ثانية,! أليست تقوم بدورها كاملا كأم,, ألا يعدل ذلك لذة كسب لقمة العيش ولأن المال هو العمل فقد وصلت الى قناعة ذاتية مؤداها انها لا زالت كما كانت وانه ليس بالإمكان أفضل مما كان,!
على ان الافكار التشاؤمية ظلت تراودها حتى أطل الجنين فجأة فغير كل شيء,, وظلت زوجة خيرة ورفيقة لا تمل,, تماما كما كانت في ماضي الزمان بل زادت على ذلك بأن اصبحت أما لابنه ورأى هو ان ذلك يعدل كنوز الدنيا,,!!
تمت
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved