Sunday 4th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 20 ربيع الاول


مداخلة في (نص,,,) المبدع ناصر سالم الجاسم 2-2
من سراديب الكلام والجنون,, إلى شفافية اللغة ودلالة المكان المعلوم

وتتحرك هضاب ضبابية على طريق السيارات لتطمس معالمه وتجعل الموت يندس في كل مكان في حالة (لوحة صباح ضبابي) اي انه يوقعنا في ذات الحالة ويفصح عن تلك الرائحة، وقد حجبها لذات الضرورة الفنية (فتراك) الشخصية المحورية في النص المغرم بشفاه انثاه يسافر الى بلد آخر في خمس دقائق ويعود,, (اجبرني على ملء غرفتنا برسومات شفاه حتى يستطيع النوم على رؤيتها,, ويوقظني من النوم ويساومني إما ان ارسم او يسافر فأوثر بقاءه معي وارسم,,) ص54، فحالات السفر المتكرر لها دلالتها وتوظيفها المجتز من روح الحالة لذاتها الموحية التي في ثنايا النص كحالة سفر,, والسفر في المطلق حالة اغتراب نتدرج في استشعاره من الصورة المقلوبة,, الهاجس,, الرنين,, صدى النفس,, الحنين لحظة ما بين الحلم والحلم ولا بأس بلحظة تأمل نمسك بها كاللحظة التي مرت بنا حينما يوقظه (تراك) يرسم له شفاه انثاه وكأن ليس من فواجع غير موت لحمه,, وموت اللحم غير كاف لايقاظه.
وفي النص الواعي لا يأخذنا الى العراد كما قلت من قبل حتى لو تغيرت مسميات الشخصيات والامكنة والسمات فهذا (فيحان) في قصة (اكتئاب بالدماء,,) ينمو بالنص في القصة التي مرت بنا (لوحة صباح ضبابي) حينما يوقظه ليرسم شفاه انثاه يتبادل الدور مع (تراك) والاسئلة قد كبرت وكثرت يا فيحان,, واللحم الميت غير قادر على تلبية الحاجة وكتابة الاسئلة وضرب الانف في الجدار، ضرب الوجه، ولان الخشم هو البارز في الوجه فلابد ان تصيبه,, والصراخ في (اكتئاب الدماء) مبرر كحاله, وحرقة مثقف يجد في ترتيل انثاه لقصيدة شعر، هي ذات الصورة في قصة مرت من قبل، واشارات اخرى في قصص اخرى لنأت لذات المعاناة,, ذاتها التي تبحث عن فكرة الخلاص,, وانقاذ الدم المكتئب والمتكسر بالاستماع الى قصيدة شعر بصوت انثى.
وقد تبدو لمتلق عادي انها رغبات وتهويمات فنتازية، لكنها صرخة وفاجعة حقيقية مدوية ومباشرة تنبثق من داخل النص المتنامي في صورة الانثى التي تتشكل من الاسطورة الى الخيال الى ايقاع رقص في قصور الرقص الى نبض في قصائد ولوحات الفنانين، وفي هذا النص (انها مختلفة عن كل الإناث فهي تميت اللحم وهن يمتن القلب ويتسببن في موت العقل، فيحان,, استيقظ,, فقد بدأت اجيب عن الاسئلة,,) ص59.
ويظل عصياً وغالياً من يتلفع بالاسئلة والنسيان وعناقيد الخوف والحلم والجنون والشعر,, يكون مهما تجمل واستطالت لغيره قامة,, تسامى خارج التأطير والتنظير,, فالمكان الحقيقي - هنا - في هذا النص (عقول وقلوب) المثقفين, فمن يرقص للحب,, (!!) كزوربا اليوناني الصامت,, يعجز عن حمل سيف وعصا عمانية ليرقص,, (؟).
المبدع المتجاوز (أبيت الا ان اعود,,) يدخل متلقيه تجربة (عرس الجن) ويقلبه معه في كل حالة.
ولا يبقى منه الا اطلال ذلك المعني انه لا يسجل اليومي والمعاش والعادي ويقدم الاسطورة الموحية بالحكي والسماع، انه يستخرج درتها وجوهرتها ويفلسفها بروح العصر بالفن وبالحياة الى ان نغرق معه في حالة من حالات التداعي المضني, وقد ملأنا بالحكمة والوهج والليل والجرح والدم والشعر والتبغ المؤذي الذي لابديل عنه,, وما اشقى الذهن اذا تحركت الصور,, حين يرقصون ويغنون يحيون اعراسهم بين مقبرة عتيقة (صارت عتيقة هنا!!) ومستنقع, فئة ترقص وتغني,, وفئة تعيق,, وحمار يدعوه ليركبه لحضور عرس الجن قبل ان ينتهي,, هذا التوظيف للاسطورة واستثمار المخيلة الشعبية ضرب واع,, ودلالة لاستحضار هائل, وقدوة في الامساك بتلابيب النص وتطويعه (أو ليس الفن خيارا,,!!) وفجأة راغ الحمار كالملدوغ,, (حططت قدمي على اليابسة وانتقل العرس والنار وراء المستنقع وعاد الحمار الى الماء,, رقصت على اليابسة والرقص بالجرح قاتل جدا,,) ص63.
والمبدع المتفرد بهذا التوصيف يستطيع ان يغترف من التراكم الثقافي ودحرجة كم هائل من الاساطير كما في كتاب (ابن اياس وفلسفة سيد القمني) وغيرهما ممن غرقوا في تقديم الاسطورة في تراثنا ومخيلتنا الشعبية مثلا او كأولئك السذج,, فيأبى الا ان تكون له خصوصيته (لماذا اخرج,,؟) في حالة ثقافية حادة(!!!).
تختزل النصوص بذات اللغة الشعرية الموحية حيناً والمباشرة المستشفة حيناً,, تكمد وتوجع وتجرح وتجسد ممسكة بتنامي حدث في تكثيف مبدع له بصمته بين الحلم والحلم بين القلب وانثاه التي خرجت من الاسطورة والماء الى صورة لوحة وجسد وقصيدة وصدر كتاب,, الاثنى التي لم تسم بعد,, بين العقل والجنون، الجنون اللذيذ (!!!).
جنون النفس يشوه الوجه وجنون العقل يشوه الجسد كله (ظل الجنون) الموحي في مستنقعات وبيوت نمل - وفنادق كئيبة, وجحور ضب ومصحات,, شاعر ورسام وفيلسوف ومجنون وظله في (قلب الصحراء,,) وقد ثبت الان ظله (الصورة) وقال لظله (عقيل سمي هذا العام عام الجنون,,)!! وعقيل الشخصية التي تجسد الحالة في هذا النص,, المشغول باجراء بحث عن تأثير الجنون على سلامة اللغة,, بعد التشبع بحالات الجزع والخوف والمرض والعذاب الجرح والدم والجنون على جسد النص كاملا, لنجد ذواتنا وارواحنا في ذات التجربة,, الحالة التي يكفي نص واحد منها فجرعته ورؤيته وفلسفته وحضوره، تكفي لطغيان حالة التشبع بروح النص بنفس أجوائه واحيائه من بشر وجن وحيوانات وكل من يدب على الارض,, او في حيوان آخر يقفز ويطوي الزمن لحظة,, هذه اللحظة التي يمتعنا بها ويجلدنا بعذابها وجنونها هي لنا,, ولنا وله السؤال, وجميل هكذا سؤال آت في حالة (منلوج) متجاوزا لغة الحوار التقليدي، التي ألفناها في النص القصصي المحلي, واختلفنا بسذاجة عليها (عامي شعبي,, ولا فصيح,,), يا سلام,,!! يقول السؤال الخفي بعد ان ثبتت الحالة (الصورة) لظل انثاه الواقفة خلفه, وقد صارت قريبة واقتصرت المسافة وهدأ الخفقان الذي لم يمت بعد (هل يمكنني ان ارى التشوه في ظل وجهها,,؟ بغيض ان يرى الانسان ظل الانسان ولا يرى الاشياء نفسها,, لا بأس,, ما دمت ارى ظل صدورها فبالتأكد انها لاتزال واقفة,, فلو رأيت ظل شعرها فبالتأكيد انها مشت,, كان ظلها دامعا,, الانثى كثير بكاؤها في الظل,,)ص 66 الاثنى التي كانت في نص القاص ناصر سالم الجاسم حلما ولوحة وجنية وراقصة (متخفية) في نصوص اخرى صارت ظلا قريباً يمتد فوق رمال الصحراء,, الانثى في النهار ابدع من ظلها في الليل,, والظل يتمدد في الخارج والداخل, بصفاء النفس وتألق السماء وتحلق الشمس, ليتساوى ظل الجمال والقبح معا على ارض الصحراء الحارقة,, وظل الانثى وظل النفس في هذا التوحد حالة استبصار لملامح وجهها الحقيقي الآتي بالتراكم النفسي (دموع الانثى تجبر الرجل على الصدود,,) دموع الانثى التي نبصرها في ظلها الممتد على رمال الصحراء الحارقة لايأتي من عفو الخاطر ونصاعة المفردة وتكثيفها الشعري, بل من تناميها ذاتها والحاجة التي خلقت هذا التجسيد الانثوي (اتحرى رؤية شعرها,,) في تصاعد تقني لغوي نفسي تشخيصي مكاني,, ليبلغ مداه في النص الأخير وخاتمة اعمال المجموعة (الغرس) وقد اصابنا اللقاح والجرعة والتشبع بروح النص وتناميه كما اشرت في بعض الدلالات, وخوفي من ان تكون تشكلت عندي ردة فعل,,) لنجد أننا نضع انفسنا في مدينة,, وتلك مفارقة ان (تسمى,,),, نائمين في الماء,, في العيون ارض الخصب والعطاء,, في توصيف مكاني يقترب من اعطاء بعد دلالي لتشكل المجتمعات, ففي العيون شخوص كثيرة مساهرة لم تسم,, ومن سموا ندرة في كل النصوص فبهائمها رتع وشيوخها ركع,, وناوي احد شخوص النص الاخير (الغرس) تأمل الاسم,, (ناوي,,) يرقب المطر,, المطر,, الميمون لغرس خصلة,,! وشتلة بها رائحتان للجسد والمطر,, والرغبة في الغرس تقطع عصب ناوي,, في العيون,, بالجنون بالحب والانثى والنشوة والوعد والحياة والطريق الذي لم ننته منه,, طريق الابداع الصادق الذي لم تأخذنا منه التعرجات والابهام والايهام وسراديب الكلام الى ان يفضي بنا الى ارض الواقع ولغة العيون والمعلوم,, في النهاية,, العذر وليس الحذر لهذا المبدع المتفرد لاحتذائي به.
توقا لابتداع نص مواز مستقل محاذ لنصه في مداخلتي فوجدت بي شغفا حد النقل والشف, والجنون واحتقار الفواصل, وقد كنت في الكتابة والحياة, وبي تصميم نهائي وحاسم اكتفى بما دونته عن هذا النص,, وازعم انه مداخلة,,(!!) فلو تماديت في تتبع دلالات النص الابداعي لاعدت كتابته عشر مرات بدون كلل او ملل,, وليس بهدفي هذا,, وابقيت ما دونته بشكله النهائي والعفوي,, فقد فرت مني (عناصر) الحكي,, وهل من بعد (ظل الجنون) من متعة,,؟!,, ناصر مبدع متفرد,, صوت مثقف له خصوصية (فنية), اللغة عنده بيادق شطرنج يحكرها مطواعة, يرفدها وعي واجواء معاشة حد الصخب,, الصخب والجنون الدم الموت مفردات جميلة,, قلنا من قبل عن استحضار (حالة) القبح,,, ودلالتها الفنية والنفسية, تشبه معطيات الصوفية عند (الكاتب العربي الليبي ابراهيم الكوني والصديق الآخر سعيد الكفراوي من مصر مع بعض تحديدا، في الاخلاص لروح (الصحراء والمقبرة) وعالم المكان, ولناصر لغته المدهشة يقد من حجر له لمعة ذاتية تبرق في جسد بناء كامل,, ولهذا (شطر) النص الممتد ببراعة لغوية حاضرة بقوة على عناصر الحكي التي عوضنا عنها بتواصل عصبي ونفسي عضوي لغوي واع,, وفرض عليه الشكل الفني ان يغفل وترفع عن اعطائنا (فلاشا) لسيرة الشخوص وان كان يقترب من الكفراوي في النمنمة والحكي والمعالجة المستقلة,, هل حدت اهذي,,,؟ واردد بكل عفوية لقد بدأت اجيب على الاسئلة,, لأن الهذيان وانفعالات الجسد الحسية,, حوار ثقافي مكتئب صادق,, ونفعل ما نفعل لنتطهر,, ان تبيت في جوار بيت نمل جارك ضب ينتظر قضم اصبعك.
اصحابك جن في مقبرة عتيقة و(المراسيل) اناثي الحمير,, (صوت الحكي) يجسد قيمة الابداع,, ومستوى الحكي لا يقبل اقل من حالة توحد تام,, معنى بها ضمير (الانا) المتجدد المتفرد والظل البديل,, ويبقى (ضيوف الاب,, ورواد المطعم,, والسائقون,, شهود زور على نمو الحدث,, فقد غيبت مواقعهم على جسد النص الواحد الطويل (افترضا) - 72 صفحة عن نادي القصة - شكراً له - لان تنامي النص المجزأ يكشف لنا بشكل مهم دقة اختيار الفواصل (الاسمية) للنص كحالة تفضي الى عمق النص تبعا لحالته المستقلة, لان الحالة الفنية اكتملت تعبيريا وقائمة بحالة الشعر والرسم وروح النص المهيمنة نفسيا وفلسفيا وثقافيا.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved