Sunday 4th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 20 ربيع الاول


مسرح ومدح
حمد المبتلى في رحلته إلى ديار الجن والإنس وما بينهما!
المقام التاسع

كما تذكرون فان الساحرتين هلكوته ووردانة من نفس المدينة التي يقصدها حمد المبتلي وهي مدينة مليئة بالعجائب من السحرة وعونة الجن واصحاب الشياطين اعاذنا الله واياكم منهم,, واكثرهم يعمل بالسحر الاسود او بغسل المال القذر او غيره من شرور مدينة فاسدة في عمقها,, ومدينة مثل هذه يرهقها الشيطان واعوانه ايما رهق,, وتبلى بالشرور وعظائم الامور.
الساحرتان تعرفان لماذا اتى حمد مرسلا من شيخ الجن ولكنهما لا تعرفان كل شيء بالتفصيل,, ولذلك فقد سارتا معه بينما بقي حني عند حدود البلد لاسباب ذكرناها ولم يكن المسير طويلا,, وكان عليه ان يترك ركوب الجمل للساحرتين الجميلتين,, ولو لم يكن راغبا بذلك لارغمه قلبه الوله في حب هلكوته ان يحملها مع الجمل فوق كتفه هل حقا هلكوته ساحرة ام تراها مجرد فتاة مبتلاة مثله؟ وهل تحبه بكل جبروتها وتشعر به يحتل فجوات قلبها؟,, ام ان نصيب حمد دائما الحب من طرف واحد,, الحقيقة ان كل ما سمعه سابقا عن الساحرات هو انهن صنف من عجائز شمطوات لكن الامر مختلف هلكوته تبدو بريعان شبابها واصغر من ان تكون تزوجت وطلقت,, اما الساحرة الاخرى وردانة فهي ايضا امرأة ناضجة بغاية الجمال,, ومشكلة حمد الازلية انه لم ير امرأة غير جميلة لكنه هذه المرة يرى جمالا لم يره,, كل هذا لا يهم المهم انه يرى صورة هلكوته على كل بقعة مستوية,, على السماء التي خلت من النجوم او على الارض او الجبال اذا خلت من الشجر,, لقد هام حبا وشعر ان هواها يعبر ثقوبا في قلبه كما تعبر رياح الربيع شقوق نافذة كوخ جبلي,, واحتفظ حمد بخرجه - وكان حني قد حذر هلكوته مما في الخرج من مجوهرات البرزخ وقال ان حمد سرقها غصبا عنه وفي القيلولة عندما توقفوا للراحة اشفقت هلكوته على املها الباقي في الحياة الزوجية والاستقرار فأفرغت محتويات خرجه في حفرة عميقة وتركت له فقط القنينة التي تحوي اكسير نبع المخلدين معتقدة انها قنينة عطر تخصه,, ثم ملأت الخرج باحجار وتراب وابلغت وردانة بما فعلت لانها لا تريد ان تلحقها الشرور بسبب حماقة حمد الذي كما قلنا تجاهل الرواصيد وعبا خرجه من مجوهرات اودية البرزخ,, ولم تكن وردانة تعرف ما يجلبه ذلك من متاعب، فحكت لوردانة امر هذه المجوهرات التي تعز على اي ثمن فخافت وردانة واقتنعت بما فعلت لان وردانة تعرف بطش الرواصيد,, اما حمد المبتلى فلن يعلم بفقد ثروته الا بعد زمن كما سنعرف من سياق الاحداث,, ووصل حمد المدينة وتعرف على المقبرتين القديمة والجديدة ورأى طلائع الكلاب التي يبحث عنها في المقبرة القديمة ثم ذهب لاحد المساجد قرب السوق على عادة المسافرين قديما حيث سيصلي العصر ويجد من يستضيفه او يحضر له طعاما خصوصا وقد طال به الزمن لم يذق الطعام المعتاد بعد الدعوة الكريمة من المدعو كريم الجن قبل ليلة حفل الساحرات التي مر ذكرها.
وبدا لحمد ان اهل المدينة في غاية البخل او ان لهم طريقا آخر في دعوة الضيوف فقد صلى العصر والمغرب والعشاء جماعة مع المسلمين ولم يدعه احد للعشاء بل لم يسلم عليه احد,, واراد ان يطمئن على ما في خرجه الذي لم يفارقه بعد ان شك انه لن يشتري الطعام فما وجد الا ترابا واحجارا وقنينة اكسير نبع المخلدين فظن ان احجاره الكريمة مسخت لانها ليست حقا له,, وندم ان فارق المرأتين ولم يعرف منزل احداهما لتطعمه هذه الليلة على الاقل,, وزاد عجبه انه لا يتذكر متى واين فارق الساحرتين فقد اختفتا من امام عينيه بمثل لمح البصر عندما كان مشغولا بالتعرف على معالم المدينة والحقيقة ان الساحرتين لا تريدان ان يراهما احد مع رجل غريب فدبرتا من سحر (القمرة) ما دبرتا وهو سحر يغشى العين فلا ترى ما حصل واختفتا دون ان ان يدري,, وبدأ يخاف ان لا يجد هلكوته خصوصا انه كان عازما على خطبتها من عمها بعد ان اخبرته انه وليها وندم ايضا انه لم يسألها عن اسم عمها او ابيها وكل ما يعرف عن اسرتها انهم يعيشان في قصر منيف مع خمسة من اولاد عمها الايتام الام.
هل بدأت متاعب حمد التي تصورها الجني حني الذي ينتظره لتنفيذ مهمته خارج المدينة ليعود معه,, الحقيقة لا، بل ان متاعب حمد توشك ان تبدأ ففي المساء ذهب في طريق المقابر ولم يلق اي كلاب ضالة في طريقه كما اخبره شيخ الالف، لكنه رأى نارا تخبو وتبين داخل المقبرة فتسلل من بين القبور وكان اهل تلك المدينة يطيلون انصاب القبور مما اتاح له التخفي واقترب من مكان النار والخوف يملأ قلبه فيجعله يدق بسرعة ووقف غير بعيد فرأى شيخا عجوزا يقعد موليا النار ظهره وامامه كومة من الاعواد الجافة وعلى النار قدر صغير جدا والشيخ يدس للنار الاعواد واحدا واحدا,, وكان الشيخ يقوم بين فينة واخرى ويدور بين الانصاب في الظلام وكأنه يحس ان احدا يراقبه لكنه لحسن الحظ لم يميز حمد في هذا الظلام الدامس فرجع ادراجه وجلس جلسته السابقة يوقد على قدره الغريب.
وتذكر حمد امر الشعرات التي يجب ان يشعلها لكن اين الكلاب التي عليه ان يراها؟ يبدوا ان وجود الشيخ طرد الكلاب,, كان الجو معتدلا ولا عليه من البقاء حتى يذهب الشيخ بقدره,, مكث الشيخ ساعة اخرى ثم حمل قدره متقيا الحرارة بقطعة من القماش واطفأ النار وخرج من المقبرة,, وكان حمد محقا فما ان خرج الشيخ حتى تقافزت الكلاب فاتجه لمكان النار واشعل الشعرات التي اعطاها اياه شيخ الالف ثم خرج من المقبرة عاجلا وسار بالطريق المحازي للمقبرة وكان الصمت والخوف يرهقانه فيشعر ان رجليه لا تحملانه وما ان سار امتارا حتى لحقه الكلب الاسود,, وقال نعم ماذا تريد,, قال حمد على عجل للكلب,, جئت من والدك شيخ الالف,, قال اهلا بضيف والدي هيا اتبعني فسار خلفه حمد عبر المدينة الى تلال قريبة ثم الى جزء مهجور من المدينة فالي بيت خرب دخلاه وفي اعماقه كان الكلب قد اتخذ له غرفة مظلمة,, احس حمد انها تضاء قليلا بما يشبه نور القمر وهو نفس الضوء الذي كان دائما يراه في عالم الجن تحت الارض حين كان هناك, بعد ان أكلا وشربا نام حمد المبتلى,, عندما افاق اخبره الكلب حنحون انه نام ثلاثة ايام ثم قدم له لحما مشويا وطعاما نادرا وكان على حمد الان ان يبلغ الرسالة بتمامها وكمالها.
بدأ حمد حديثه برواية القصة عندما قتل الذئب عند مورد الماء وانتهى الى اخبار حنحون بأن والده في ضائقة مما يثقل عليه ابناء عمومته وانه يريدك ان تعود اليه.
قال حنحون وكيف حدث هذا وانا لا ادري ويحي على ابي,, انت تعلم اني الان في ديار غريبة لا ارسل هواتفي الى والدي خوفا من ان ينكشف امري.
قال: اذهب اليه في التو والساعة ولا تتأخر فالامر خطير,, ورد عليه الجني حنحون بقوله: هذا ليس بيدي يا حمد,, انه بيدك انت.
عجب حمد اشد العجب ان يكون الامر بيده,, وقال ماذا افعل انا الانسي لجني ينفذ بين الجلد والعظم,, ثم تذكر ما في خرجه وظن الجني يريده ان يدفع المهر وبحركة تلقائية ملأ يده من المجوهرات واخرجها ليقول له خذ حل مشكلتك اذا كانت مالا,, ونظر لما في يده فوجده ترابا ولم يقل شيئا ولم يدر ان هلكوته - خوفا عليه - أفرغت الخرج في حفرة,, لكنه صعق,, وظن ان كنزه الذي جناه من اودية البرزخ انقلب ترابا ولم يقل شيئا لحنون لكن حنون قال له,, الامر لك اذا لم ترد مساعدتي فأنت حر,, قال حمد ابدا والله لقد كنت اريد مساعدتك بكل ما املك لكن كما ترى انا معدم لا املك الا هذه القنينة,, قال حنحون ومن قال لك اني اريد مالا,,؟ ان كل ما اريده ان تذهب امام بيت ال فلان الذي يؤدي الى طريق بيت الوالي وتقتل ديكا افرقا ستعرفه بين الدجاج في الكن,, قال حمد,, والله يا حنحون ما خطر ببالي ان من الجن من هم اشد جنونا من الانس,, ولكن يبدو لي ان جنون الجن ليس مثله جنون,, هل اذهب لاقتل ديك اناس لم يفعلوا شيئا,,؟ قال حنحون قل ما تشاء ولكن اسمع حكايتي واعزم امرك اما على مساعدتي وستنال اجرا حلالا لا تحلم بمثله او تركي ولن استطيع ان اعمل شيئا لك فانت في حماية ابي وانت ضيفي ما اقمت وكما تعلم فنحن الجن نعتقد بحق الانسان بالحرية والديمقراطية والعدالة والأمن,, فكر بالامر ولك من الان حتى المساء, قال حمد اخبرني الحكاية من اولها قال حنحون نعم لقد عشقت بنتا من الانس اسمها ياسمينة,, وابوها هو والي هذه الديار,, ولا يوجد ما يعوقني عنها فقد عقد لي عليها شرعا بعض الجن,, المشكلة ان الطريق اليها يحتله منزل لاحد اتباع الوالي,, ودأب هذا التابع ان يربي دجاجا وبين هذه الدجاجات ديك يعوق وصولي اليها فأنت تعرف ان الجن لا يعبرون دائرة يسكنها ديك افرق فاذا قتلت هذا الديك سأستطيع الوصول.
قال حمد ارني المنزل, قال حنحون ولكن اذا قتلت الديك اتجه الى مسجد الوالي واقم هناك بعد الصلاة فانهم سيسألون عمن يرقي الجن وأنا لن اخرج حتى ترقيني انت ولان اباها يملك مال قارون وهو بخيل جدا فعليك ان تشترط وزن بنته ذهبا لترقيها,, واخفهم انهم ان اخذوه منك فسوف يتخبطهم المس جميعا,, وهذا الذهب مكافأتي لك خذه وعد به معك الى ديارك,, واذا اتممت المهمة فتعال الى ديارنا العامرة ليعطيك والدي جائزتك وارض كبيرة لا ينازعك بها احد تقيم عليها ضيعة وارفة,.
كان حمد احوج ما يكون للمال,, ولكن مشكلته انه يملك الكثير ويفلس وكان كلما تذكر والديه ندم انه رافق الجن واضطر للسحرة لكن ما حيلته انه في المتاهة الان,, ولا يعرف حتى اسم هذه المدينة التي قاده لها القدر ليعشق منها ساحرة تسمى هلكوته وليقتل ديكا لا يعرف حتى صاحبه,, قدر حمد ألا يسعد في حياته فقد عاش في كل مسعى سعاه حتى قاد حظه العاثر الى عالم ليس منه ولا له.
* انتهى المقام التاسع ويليه المقام العاشر,.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved