Sunday 4th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 20 ربيع الاول


أزمتنا الحقيقية أزمة معرفية ثقافية

عزيزتي الجزيرة
في واحدة من أكبر المجلات الأوروبية وأوسعها انتشارا وهي مجلة (لوبوان) الفرنسية نشر تحقيق واسع بعنوان (أنقذوا القراءة) يناقش التحقيق واقع القراءة ومعاناتها من عزوف الناس عنها وإقبالهم على غيرها وقد شارك في هذا التحقيق زمرة من المفكرين والباحثين وأكد الجميع أن القراءة تتعرض لمزاحمة كثير من وسائل الاتصال المعرفي كالإذاعة والتلفاز وألعاب الفيديو وغيرها، وذكرت المجلة بعض الأرقام والنسب عن الوقت الذي يقضيه الفرد في متابعة هذه الوسائل مقابل قراءته للكتب والصحف والمجلات، وبالطبع فقد رجحت الكفة بالقراءة كما ترجح المسلمات والحقائق دائما!!
إن مشكلة هجران القراءة والانصراف عنها ليست في فرنسا فحسب بل في جميع أنحاء العالم ومنذ قديم العصور، فالقراءة لم تكن يوما من الأيام هواية شعبية او ممارسة مجتمعية عامة كما يزعم البعض، بل هي عادة لأولئك الذين شغفوا بالعلم وصحبة الكتاب والنظر فيه وهؤلاء يمثلون أقلية بين شرائح المجتمع اما بقية الشرائح فإن لها شأنا آخر، وهذا هو ابن قتيبة الدينوري (276ه) من كبار أدباء العباسيين يقول في مقدمة (أدب الكاتب) أحد أركان الأدب العربي فاني رأيت أكثر أهل زماننا هذا عن سبيل الأدب ناكبين ومن اسمه متطيرين ولأهله كارهين اما الناشىء منهم فراغب عن التعليم والشادي تارك للازدياد,, فالعلماء مغمورون وبكرة الجهل مقموعون عجبا!! يقول هذا وقد عاصر كبار أهل الأدب والعلم والفقه والتأليف الموسوعي فكيف بنا في هذا العصر,, ليت شعري أي كلام نقول وعن أي هم نتحدث؟! وعلى هذا فالشكوى قديمة والعاهة مستديمة وكلنا في الهم,.
إن الأزمة الحقيقية التي تواجهنا هي أزمة معرفية ثقافية عامة فيجب ان نوجه الدعوة الى مسارها الصحيح ونسلكها في قالبها المناسب فبدلا من الدعوة الى اإنقاذ القراءة مع أهميتها يجب ان ندعو الى إحياء المعرفة,, صحيح ان القراءة هي أهم وسائل المعرفة لكنها ليست الوحيدة,, إننا حين ندعو الى البعث المعرفي والإحياء الثقافي فنحن نقصد المعرفة باي وسيلة مشروعة انتجت، سواء كانت قراءة او كتابة,, او حتى لعبا المهم أن نوجد ممارسة واقعية للفعل الثقافي عبر شتى وسائله التي تفوق الحصر، فليس شرطا ان يقرأ الجميع لكن غاية القصد أن يتوفر لدى الجميع حد أدنى من المعرفة ينتشلنا من حالة التخثر الحضاري والتخلف الفكري اللذين نعاني منهما في تراجعنا عن بقية الأمم.
إننا لا ننتظر من كل أفراد المجتمع أن يكونوا وراقين يتأبطون الكتب ويديمون النظر فيها دهرهم مع اعتقادي بضرورة وجود خط أحمر من القراءة النوعية يجب ألا نتنازل عنه لكننا نظل ندعو الى معرفة ووعي شاملين بكل مفهوم الوعي وكل تفاصيل الشمول وأبعاده,, بصرف النظر عن الوسيلة المنتجة لذلك.
ولكن ما يعجل بوأد دعوتنا هذه ودفن صرختنا تلك هو ما تمارسه هذه القنوات المعرفية المختلفة من تجهيل وتسطيح وتعمية فتجد الكثير ممن قصروا معرفتهم وثقافتهم على تلقي ما تفرزه تلك القنوات، تجدهم يعانون ضبابية الرؤى وسطحية الفكر وعقم الإبداع، أكاد لا استثني من ذلك سوى بعض ومضات خجلى تطل بين فترة واخرى وسط ظلامات التعمية وجهالات التغريب.
انني اليوم أنادي بانقاذ المعرفة من الهوة السحيقة التي تنحدر نحوها مسرعة مغمضة العينين وذلك لن يتم ما لم تهتم الوسائل الحديثة بما تقدمه من مد معرفي وتعمل على تقديم مشهد تنويري يحترم فكر المتلقي وثقافته ويسهم في توسيع أفقه الحضاري الشامل,, والحديث ذو شجون.
علي بن أحمد زعلة
جازان

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved