Sunday 12th September, 1999 G No. 9845جريدة الجزيرة الأحد 2 ,جمادى الثانية 1420 العدد 9845


على الهامش
البؤس الثقافي
حسين المناصرة

ادركته حرفة الادب فابتأس,.
والابتئاس حالة عامة تكاد تشمل الكثير من المثقفين الجادين في ابداعاتهم، ليس لانهم اختاروا هذه الحالة من المعاناة ليعمقوا كتاباتهم كما يعتقد بعض المتفيهقين,, على اعتبار ان الكتابة حالة من المعاناة والتأزم، لذلك يختارها الكاتب بنفسه لنفسه، او ان يقال: ان بعض الكتاب يجد متعة وهو ينغرس في عذابات الحياة ليكتب قصة، او قصيدة: او مقالة,, على طريقة مازوخية جلد الذات!!.
وفي ظني ان الامة التي لا تقدر مثقفيها حق قدرهم لا تستحق ان تكون في مصاف الدول الحضارية المتقدمة,, لان المثقف، اولا واخيرا، هو بنية الامة التأسيسية، ووجهها الحضاري، والقائد الموجه لمسيرتها في مختلف جوانب حياتها,.
وليس الكتّاب في اية حال من الاحوال بأقل اهمية من اية فئة تربوية او علمية اخرى في المجتمع، اذ الكاتب الاديب كالعالم، والصناعي، والفني، والسياسي، والتربوي,, لا يختلف عنهم الا بقدر هويته الخاصة، اما في العموميات فهو احد بناة المجتمع والركن الاساسي في تثبيت اركان بنيانه,.
ولعل موقف بعض اعضاء رابطة الكتاب الاردنيين الذين اضربوا عن الطعام بحثا عن فرصة وظيفية في الكيان الاجتماعي القائم هو حق انساني اولا، ثم هو حق فيه ضرورة ان يقدر المجتمع كتّابه ومبدعيه، ويثمّن لهم حاجتهم الى التواؤم والتراحم مع كيانه الاجتماعي لا الانفصال والاغتراب واللاانتماء!!.
ومن هنا تصبح مسألة احترام الكاتب المثقف مسألة اصيلة، حضارية، ثقافية واعية، عندما توفر له الظروف الحياتية المناسبة لكي يعيش حياة مكرمة، آمنة تمكنه من خدمة امته خدمة حقيقية!!.
واذا طالب الكتّاب امتهم ان تخدمهم في هذا الجانب، لترد لهم شيئا من هوسهم في التفكير بقضاياها، وسعيهم الحثيث الى الاندماج في مصيرها، فان هذه المطالبة تعد من ابسط حقوقهم على امتهم,, ولو استطاعت الامة ان تفرغ الكتّاب للكتابة مقابل رواتب شهرية تصرف لهم، تحت بند وظيفة كاتب متفرغ، فان هذا الامر هو الغاية الحضارية الجديدة التي تحتاجها امتنا، ويحتاجها كتّابنا ومبدعونا!!.
ولا ننكر ان بعض الكتّاب غدوا اثرياء بسبب اقلامهم، وان ثروتهم تتزايد يوميا,, وان الجوائز التي تمنح لهم تكاد تقتصر عليهم انفسهم من جائزة الى جائزة، بحيث امسوا يعيشون في ارقى الفنادق، ويتنقلون في كل البلدان، وتقام لهم الاحتفالات والولائم، حتى امسوا كاسماك القرش, وهؤلاء بكل تأكيد لم تدركهم حرفة الادب,,بل اسعدتهم حرفة الكتابة,, واصبحوا بدورهم سادة الكتابة والاستهلاك، الى حد قد تجد مصاريف اكبر شاعر في شعراء المقاومة تصل الى مليون دولار سنويا، تصرف له من الخزينة العامة، علما بأن هذا المبلغ كفيل بأن يساهم في ترفيه حياة مئة شاعر على اقل تقدير!!.
ولا ننكر ايضا ان بعض الكتاب، من ذواتهم، قرروا ان يعيشوا حياة الضياع والتسكع والمعاناة والبوهيمية، والتكاسل، ورفضوا الفرص الثمينة الوظيفية التي اتيحت لهم، ليوهموا انفسهم انهم كتاب حقيقيون هبيون، قد لا يستحمون اكثر من ثلاث او اربع مرات في العام، حتى تغدو الكتابة من وجهة نظرهم اغترابا وضياعا ورفضا لكل ماهو حقيقي وقيمي في الحياة، ولكن هذه الفئة بكل تأكيد هي فئة من نوعية الكتّاب المريضين نفسيا، والمحدودة نسبيا!!.
ان الكتابة انتاج وتواصل حميمي مع الواقع، وهي احترام للذات الآخر، وبناء لحياة افضل، ومعول هدم للعبثية واللامسئولية وللتسكع!! وما دام الكاتب المتبني لهذه النوعية من الكتابة حريصا على ان ينخرط في وظيفة تكسبه الكرامة والمعيشة الآمنة، فانه بكل تأكيد يدرك مدى التزامه بكرامة امته، مما يجعل من حقه على امته ان تكرمه وتوفر له سبل المعيشة الكريمة!!.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved