Sunday 12th September, 1999 G No. 9845جريدة الجزيرة الأحد 2 ,جمادى الثانية 1420 العدد 9845


يندر أن نجد شكلاً أدبياً لم يجربه
غوته,, موسوعية المعرفة وغنى الشخصية

بينما يدرس جون ويليامز في كتابه الصادر مؤخرا (حياة غوته سيرة نقدية) الأعمال الرئيسية للشاعر الالماني يوهان وولفغانغ فون غوته (1749 1832)، فانه يدرس ايضا أعماله الأدبية الأقل شهرة, ويقدم هذا الكتاب صورا حية عن ابداعات غوته ونشاطاته الواسعة، بما في ذلك علاقاته مع الشخصيات البارزة في عصره، وتأثيره على الثقافة المعاصرة.
ان حياة غوته مرتبطة بعصر المانيا الذهبي الذي سمي عصر غوته، وهو العصر الذي لمعت فيه أسماء هايدن، موزارت، بيتهوفن، وشوبرت، وكذلك كانت وفيختة وشيلنغ وهيغل، فضلا عن شيلر وهولدرين.
وترتبط البراعة التي اجتذب بها غوته الناس مباشرة بتعددية معالجته الشكل الأدبي والفني، والنمو الدائم للمعارف التي أتقنها بحيث شكلت هذه المعارف موسوعة، ومن النادر أن نجد شكلا لم يجربه: الشعر، الدراما، الملحمة، الرواية، القصص الخرافية، الرواية القصيرة، الأقوال المأثورة، قصائد الحكمة القصيرة، الترجمة والاعداد، المقالات، الدراسات، رسائل البحث، الخطابة، السيرة، الرسائل واليوميات، فضلا عن الأبحاث والكتابات العلمية، والمقتنيات الفنية المتنوعة، بحيث ان بيته في فايمار أصبح متحفا حيا.
وترتبط جميع أعمال غوته، على نحو وثيق، بالأحداث الاجتماعية والعاطفية لحياته، وهي على حد تعبيره، قطع من اعتراف عظيم, وكانت المؤثرات الكبرى في حياته هيردر الذي قدمه الى شكسبير وشجعه في أعماله الأولى، والزيارات التي قام بها الى إيطاليا الكلاسيكية، وشيلر الذي بدأ معه صداقة حميمة عام 1794, وتظهر المراسلات بين الشاعرين كيف ان علاقتهما المتبادلة كناقدين كانت مؤثرة في تطوير عملهما, وفي بريطانيا مارس غوته تأثيرا كبيرا على كارلايل الذي قام بترجمته الى الانجليزية، وكتب عن أعماله، وقدمه الى جيل من الكتاب الفكتوريين، الذين كتب أحدهم وهو جي, أتش, لويس أول سيرة حياة كاملة لغوته تحت عنوان (حياة غوته وأعماله) عام 1855، بمساعدة الكاتبة والروائية المعروفة جورج إليوت، وهي السيرة التي ما يزال بعض النقاد البريطانيين يعتبرونها من بين أفضل السير التي تقدم غوته لقراء الانجليزية.
ومن المعروف ان غوته ولد عام 1749 في فرانكفورت، لوالد كان من كبار موظفي الدولة، ودرس القانون على الضد من رغبته, وكتب أول أعماله المسرحية عام 1773، ثم تبعتها روايته المهمة (آلام فرتر) عام 1774، وهي التي أطلقت شهرته، وفي عام 1775 دعاه دوق فايمار كارل أوغست، الى قصره، فقضى معظم حياته في فايمار، حيث حصل عام 1782 على لقب نبيل، في مناصب حكومية مهمة بينها وزير دولة، وجدد صداقته مع هيردر، وارتبط عاطفيا بشارلوت فون ستين, واثناء إقامته في إيطاليا (1786 1788) حيث نضجت أفكاره، كتب ثلاثا من مسرحياته, وفي عام 1791 عين مديرا لمسرح القصر الملكي في فايمار، وهو منصب ظل يشغله سنوات كثيرة, وتميزت سنوات 1794 1805 التي ارتبط فيها غوته وشيلر بأواصر صداقة متينة بانها شهدت أوج الحركة الأدبية الكلاسيكية الجديدة في ألمانيا,لقد أبدع غوته الكثير من الأعمال الشعرية والروائية والمسرحية، غير ان النقاد يعتبرون عن حق، ان أروع ما كتبه هو الدراما الشعرية (فاوست) التي كتب غوتة جزءها الأول عام 1808 بينما ظهر الجزء الثاني عام 1832,و(فاوست) هي قصة استاذ جامعي اتقن كل المواضيع واصبح استاذا في كل شيء، وبذلك اكتسب المعارف التي وفرها العلم له, وان يعتقد ان متابعة المعرفة ستجلعه سعيدا، وربما توصله الى مرتبة من الوعي أعلى, ولكن بعد ان اكتسب كل تلك المعارف اكتشف انه لما يزال هناك شيء مفقود,وهذا العمل الذي يحمل عنوان (فاوست: تراجيديا) غني بالصراعات والتناقضات, ومع ذلك يمكن وصفه باعتباره كوميديا موسيقية، ذلك ان فيه الكثير من المقاطع والصور الكوميدية، والكثير من الأغاني، فضلا عن انه يفتقر الى نهاية مأساوية, بل ان فاوست نفسه ليس شخصية تراجيدية كلاسيكية, والحقيقة ان توقه المميز الى التجربة والمعرفة خلق نموذجا للعصر الرومانتيكي ما زال يعرف بالبطل الفاوستي، رغم انه قد يبدو وغدا اكثر من كونه بطلا، والوغد مفيستوفليس هو واحد من الشخصيات المحبوبة في المسرحية, ان أشواقه تدفعه الى السماء، لكنه يبقى منجذبا الى العالم المادي.
ومن الصعب محاولة تحديد ما هي الغاية الحقيقية في (فاوست)، واي من الآراء في الحياة التي تقدمها هو الرأي الصحيح, وهذا العمل رائعة رومانتيكية بدون منازع ذلك انه يصور مجموعة واسعة من المتضادات من دون حلها, فقد خلق غوته عالما مصغرا للحياة، محاولا الاحتفاظ بتعقيدها وتوترها، وديناميكيتها.
وأحد التوترات الأكثر أهمية في هذا العمل هو التوتر بين التعلم والتجربة, ان فاوست نفسه يرفض البحث عن الحياة، لكن من الخطأ الافتراض ان غوته يتفق بشكل كامل، مع هذا الرأي, ان مفيستوفليس، الصادق والحكيم، يحذره من هذه الحيوية باتجاه التجربة الغرة، ومن المعروف ان غوته نفسه كان باحثا يقيم معرفة الماضي، ويهدف الى الانضمام الى هيكل الكتاب الكلاسيكيين, ويمكن القول بمعنى ما، ان فاوست جزء من غوته، وهكذا حال مفيستوفليس أيضا.
ان (فاوست) يمكن ان تكون في غاية المتعة اذا ما استطاع المرء أن يفهم، بعمق، مراجعها وأفكارها.
رضا الظاهر

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved