Sunday 12th September, 1999 G No. 9845جريدة الجزيرة الأحد 2 ,جمادى الثانية 1420 العدد 9845


حول فنون التمثيل
كمال الدين عيد

أثار مقال الأسبوع الماضي (الرسالة الرفيعة) - الذي بحث في فنون التمثيل شهيتي لتكملة الأفكار التقنية والعلمية التي جاءت بها مدارس التمثيل في العالم، وهي في أغلبها أوروبية، نظرا لظهور الظاهرة المسرحية عندنا متأخرة كثيرا في الوطن العربي.
دوافع المقال:
ما دفعني الى هذا المقال عدة أسباب جوهرية تتعلق بفن الممثل، خاصة بعد ان انتشر فن المسرح في العديد من الدول العربية, إذ لا أزال أجد هُوّة واسعة بين ما أحضره من عروض مسرحية معاصرة في أكثر من وطن عربي خاصة في فن الممثل وبين قوانين مدارس التمثيل العالمية (1) بعد ان جارت فنون مستقلة أخرى كالرقص والغناء والاستعراض على حُرمة الفن المسرحي, الأمر الذي أطاح بالعلاقة الشرعية بين الآداب الدرامية وفن المسرح، فانزوت المذاهب الأدبية (الكلاسيكية والواقعية والتعبيرية والمستقبلية والطبيعية وغيرها)، وكلها باختلاف ظهورها وأزمانها كانت المحددة للفكر الإنساني الذي عُني به فن المسرح منذ عهد الاغريق القدامى.
كما أرى استهانة غير مقبولة بفن الممثل، اذ لا تزال المهنة (منبوذة) كما كانت ايام عصر القرون الوسطى في أوروبا, مع انها مهنة مكارم الأخلاق، وتوعية المواطنين، وتقوم على أحكام مدارس ومناهج علمية، ليس في أوروبا حتى لا نكون مثاليين، ولكن ايضا في كثير من الأقطار العربية.
لكن الخطأ هنا يقع على كاهل الهواة وغير المتخصصين الذين يعتبرون التمثيل هو إلقاء كلمات مؤلف درامي بصوت جهور مُجلجل,, وفقط, وهم بذلك يسيئون الى فن الممثل مرة، والى المسرح والجماهير مرات ومرات.
وثالثا، لعلني ارى المسرح يتمتع بشعار أُطلق عليه (استقلالية المسرح) THEATRE AUTONOMY حيث تتمثل هذه الاستقلالية في التعبير وحده عن حقيقة الدرامات التي يتعامل معها وقام من أجلها لابراز التشكيل والتصنيف والتفكير الإبداعي الجديد دوما، وفي بُعد عن الشكلية FORMALISM أو التمسك الشديد بالأشكال الخارجية في الفن، باعتبار كل درامة (حالة) من الحالات الخاصة تتمتع بالتحررية COSMOPOLITISM.
ورابعا، فقد دفعني المقال الى كتابي (دراسات في الأدب والمسرح) الذي صدر في يونيه 1966م عن الدار المصرية للتأليف والترجمة والذي افاض في دراسات فن الممثل الخالي من البغبغة، والبعيد عن ذبذبات الصوت وتموجاته، والرافض للرنّة البكائية التي يعمد اليها الممثلون الناشئون في سهولة.
طريق الممثل الناجح
هو طريق شاق ما في ذلك شك، وعلى عكس ما يُعتقد من أن التمثيل مهنة سهلة، او هي مهنة من ليس له مهنة على حد قول الفرنسيين في مطلع عصر النهضة الأوروبية، حينما احتقروا المهنة، ولم تأخذ المحاكم الفرنسية آنذاك بشهادة الممثلين في القضايا المدنية والجنائية على اعتبار أنهم (كذابون) بعيدون عن الضمير الحي, وبعد خبرة طويلة في تدريس فن الممثل في عدة جامعات وأكاديميات عربية، فانني ارى عدة واجبات فلسفية يضطلع بها الممثل لتصل كلماته وتعبيراته صادقة مؤثرة الى الجماهير.
1 أن يرى الممثل نفسه بدون مرآة.
2 أن يسمع نفسه، دون ان يُصدر اي صوت منه.
3 أن يرى أُذنه اذا استطاع بمعنى أن نظرته لا يجب ان تكون الى الأمام او الى الخلف فقط، بل في كل الاتجاهات، فالأذنان على الجانبين الايمن والأيسر طبيعيا وخلقيا, فاذا استطاع ممثل ان يخطو الى هذه الآفاق الثلاثة وهو مُغمض العينين تماما، كان (الادراك) رائعا، والتخيل نافذا، واذا لم يستطع فان عليه بالتدريب على إشعال هذه الحواس ووهجها عنده.
4 ان يستمع الممثل الى صوته الصادر عنه، وأن يستعذب ميلوديا الحديث (موسيقية الكلمات والعبارات), ثم يُدرب نفسه على هذا الاستماع، بغية التعرّف تماما على الترنيمات والتنغيمات وتراتيل الصوت INTONATIONS حتى يُسهل عليه بعد ذلك ضبط استعمال الصوت، والسيطرة على طبقاته وتوناته.
لكن,, هل بالامكان التدرب على كل هذه المراحل - الصعبة حقا إن لم تكن مُملة من الداخل؟ اي بوازع من النفس؟ وبلا حركات من الشفتين أثناء التدريب اليومي؟
وأقول، ياليت ذلك يحدث, فقد قال تايروف في رسالته الرفيعة ان على الممثل أن يكون عالم نفس ونحاتا وموسيقيا ومؤلفاً موسيقياًوشاعرا في وقت واحد!! (2) او بمعنى آخر انه يطلب أن يتمتع الممثلون بخصائص ومعارف كل هذه المهن حتى يُوفقوا في ابداعاتهم.
دراسة التركيب أو الإنشاء:
لما كان المقال يُركز على الممثل، فان الإشارة واجبة الى دراسة تايروف التي بحثت في عملية التركيب والإنشاء فوق خشبة المسرح, إذ يعتبر لاختيار هذا الإنشاء أهمية كُبرى في مضمون وشكل أي عرض مسرحي, ويُلخص الرجل آراءه في الدراسة على الوجه التالي:
1 وقوف ممثل على المسرح في اي شكل أو وضعية، إنما يعني السلوك الخارجي للشخصية المسرحية تبعا للظروف والأحداث المحيطة بها، وتؤثر فيها، وتدفعها في النهاية الى مظهرها الخارجي هذا.
2 وضعيات كادر الممثلين حتى العروض الأولى لافتتاح المسرحية لا تعني أبدا انتهاء العمل الفني او العمل فيه, فقد يكون حفل الافتتاح هو البداية لتبديل بعض وضعيات الممثلين.
3 طبيعي أن تتغير الدرامات بتغير العصور، وكذلك التأثير في فنون التمثيل, في الدرامات القديمة كان البطل واحدا أو اثنين يتقاسمان البطولة والتواجد المستمر على خشبة المسرح, لذلك لم تظهر الحاجة القصوى لوظيفة المخرج كما هي اليوم, ودرامات القرن 19 ميلادي بموضوعاتها المعقدة والمتشابكة وخطوطها المتفرعة المتعرّجة ثم أحداثها المتلاطمة المتصارعة قد فرضت على المسرح وظيفة الاخراج المسرحي، لتنظيم كل هذه الخطوط المتشابكة نفسيا وفنيا على خشبة المسرح, ولم تكن الدرامات الأولى في حاجة الى رؤى وتفسيرات إذ لم تكن نظريات علم النفس بفروعها المتعددة قد ظهرت بعد، كما لم تكن الدراسات التربوية قد حققت الكثير في هذا المجال، ولم يكن التجريب قد أخذ طريقه كما هو في الحياتين العلمية والعملية الآن.
وفي (فن الممثل) لم تعرف مهنة التمثيل هذه العلاقات الجديدة بين كل ماثلٍ على الخشبة, ولم تكن الظلال النفسية في الشخصيات قد برزت الى عالم المهنة التمثيلية, لذلك قويت الحُجة لوجود المخرج المسرحي, ولذلك فهو يرى اي تايروف ان المضمون الدرامي لا يمكن ان يكون هو النتيجة النهائية او القول الفصل في العرض المسرحي، باعتبار ان هذه النتيجة الأخيرة تحتوي على عناصر اخرى يحددها فيما يلي.
أ في السبب، أو الأصل والمنشأ SOURCE.
ب في بعث الحافز ورفع المثير STIMULUS.
ج في الحث والتأثير EFFECT - INDUCTION, تتشابه هذه العناصر مع العملية التي يستطيع بها جسم ذو خصائص كهربائية او مغناطيسية أن يُحدث خصائص مماثلة في جسم مجاور قريب، دون اتصال مباشر بينهما.
د في التخليق, وهي مجموعة العمليات التي يتقرر بها مصير الخلايا الجنينية، والتي يحدث التخلّق البنيوي بواسطتها.
ه ثم الحركة الأساسية الجوهرية في طريق تسلسل العمل الفني او الدور في المسرح.
لعلني بهذا المقال قد اتممت جزءا هاما في رسالة (ممثل المسرح) آملا أن يأخذ بها أصحاب هذه المهنة محترفين وهواة في مسارح الوطن العربي.
* المراجع:
(1) مدارس التمثيل, مادة علمية يدرسها طلاب أكاديمية الفنون لسنة كاملة في العالمين العربي والعالمي.
(2) A. TAIROV IZ CSERNOVOJ TYETRAGYI TAIROVA, TYEATR, 1964, p10,>صدى الإبداع
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved