Sunday 12th September, 1999 G No. 9845جريدة الجزيرة الأحد 2 ,جمادى الثانية 1420 العدد 9845


تلويحة
أنا في (العصفورية)
عبدالعزيز مشري

* قال أبومحسد وقد رأى الامور تدور في غير مدارها وما حد من هبوب الرياح مدورا لا يشب في موضع؟
(الخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلم)
فدارت الدوائر حتى بلغت الحلقوم، واظنك قد علمت بتلك الواقعة التي دور فيها الشاعر عن مكان يجري فيه القول مجرى الفعل فما وجد، ولا سلم من شتيمة ناقد كان من اقرب الناس في رفقته.
لا تذهب بعيدا، واظنك لن تفعل لأن (المتنبي) هو المعني بأبومحسد) - هنا - وكما اراد له صاحب (العصفورية)، فالمتتبع للشاعر الروائي الكاتب الحذق الذي علمته التجربة الواسعة والاطلاع الناتج عن حرص وسبر للموارد الثقافية حياة ومعرفة,, الدكتور (غازي القصيبي),, المتتبع منذ (معركة بلاراية) الى محطة (7) لن تأخذه لومة لائم اذا جعل في ذهنه مفهوما شبه مؤكد بأن هذا الكاتب المعرفي يمثل قاموسا حافظا لكل اشعار أبي الطيب مع شروحاتها,!(غازي القصيبي) لا يتعصب ولا يداهن اويماري او يجامل (ابا الطيب) لأنه يعجب بأبداعاته في الشعر,, بل انه يقف منه في بعض المواضع موقف المؤاخذ والمحاكم والمتسائل واحيانا بالمناقض والمستهزىء.
الكاتب الذي يحسن الامساك بالقلم، ليحسن توظيفه في مكان شاغر، يجيد وضعه بحكمة في شأنه الانساني، يعرف كيف يخاطب به ومن يخاطب,,! عقل القارئ وهو لا يقبل ان يكون - متلقيا - كما لو اننا نكره ان تكون القراءة - موهبة - في صفحة المراسلات المراهقية.
عندما تزاحمت الحدائق المعرفية وكملت بالنضوج والتجربة,, لم يقف الشاعر عند الشطر المختصر والكثافة المضغوطة,, العالم في عصر يتطلب القول الكاشف الرحب - الرواية - الديمقراطية الصراحة، لم يثنه الوقت القصير ولا الوظيفة المحشوة بالاعباء، لم يقل الشاعر انه الديوان المنظوم له عبر الرحلة الطويلة شهادات وكفى بالجرأة والدراية كتب السرد، لم يدخل نفسه يوما في سفسطة الناقد والمنقود,، لم يقل انا سارد من الداخل او غيرالداخل، لم تشغله تفاصيل المقبول او غير المقبول,, كتب دون شهادت ولا محاكم ولا دروع ولا محامون او دفاع,, بالجرأة والثقة كتب للإنسان وتبنى قضاياه، قال كل شيء، وعمل باخلاص في كل عمل،,, كم قرأ، وكيف كان يجد الوقت، بل وكيف يكتب ويقرأ ويعمل في الوظيفة، ويمنح الوقت لكانيته اليومية دون ان يغيب عن أدق الجزئيات,, لا أدري,!
***
لست معجبا فقط,, بل مندهشا، ولا مصفقا بل محنيا رأسي لست مترددا,, بل لا اخجل اذا قلت ان كثيرا من ذوي الفكر والابداع بالقلم,, تنحني لهم زهور الارصفة وقارا وحياء,,هل اتوافق مع (القصيبي) في كل ما يقوله - كتابة -؟
هل تجرك الحقيقة على نبذ مفهومك وتشكلك ورأيك,؟هل تقودك الامور لأن تجعلك مصفقا حتى لنفسك وقتما يصفق لك الكثيرون؟
لا ,, ليس ثمة ضرورة,, لكنك لا تستطيع ان تسأل الشجرة المثمرة,, لماذا تقرين او كيف لا تخافين من قذف الحجارة والمتعديين,؟!
كم مرة تمنى (لوركا) لو انه وقف في الشرفة ليسرح عينيه في حقل السنابل؟ اظنه مات وبداخله (لوركا) آخر يتمنى لو ازاح ستائر نوافذ العالم وفتح - درفات - النوافذ في وجه الشمس،, الف مرة يقرر (تشرشل) لوعاف مضغ سيجاره، ولم يستطع ان يعافها مرة واحدة,!
مئات المرات فكر (سوبرمان نيتشه) لو استبدل كلمة المنتصب في كتابه هكذا تعلم زرادشت ,, لم يجد ما يتناسب مع النص السياقي غيرها,,!
كم ساحة في الكون حظيت بعيون البشر المترقبة لحظة منتصف ليلة رأس السنة؟!
النطاسي يا (بروفسور) لا يعلم بهذا ولا يشغله ان يعلم ,, انه مستجوب لا يدري الى اي جهة تشير دائما بوصلة الدنيا, فهل كانت الرياح تجري بما لا يشتهي (السفن),؟ والسفن هو: الملاح يا (دكتور).
كتب الاستاذ علي الدميني، عن (العصفورية) يوما فقال:هل نحن امام رواية,, ام راو,, ,؟!
ربما وجدنا الجواب عند معتزل منفتح ك(الجاحظ) على ان يقرأ (العصفورية) من آخرها، وليعلم ابوعثمان - الذي لا أميل الى طريقته كثيرا,, انه لو لا وجود اكثر من بعض نفر يكتبون له,, لما كتب غير (البيان والتبيين)، وعندما كتب (عوبسته) البخلاء واعقبها بملحق (الحيوان) فكان اكبر واغزر من المتن، لا عليك يمكنك وانت تشاهد برامج المصارعة وطريقة التحكيم بعد دقة الجرس، ان تعتبر نفسك عارفا بالعنف الامريكي في عقر ولاياتها,, اضف الى حاجيات مزودتك (العنف والصخب لفوكنر)
ليس بالضرورة ان نبحث عن (هنري ميلا) في نيويورك حياة الكلاب موجودة في باريس وفي رواية لهذا الكاتب بعنوان (مدار الجدي) هناك كتبها وعرّى الآلة الامريكية أكثر مما عرّاها (شابلين) في افلامه الصامتة,!
انني,,مفتون ب(العصفورية) الى حد التداعي - هنا - مندهش بهذا النصر السردي المذهل، ولست في تلكؤ من امري, فأنا امام كاتب يعرف جيدا كيف يمسك بالقلم, كم هو حجم التقليد امام عصرنة الحداثة، لا اريدك ان تركض الى (الثابت والمتحول) لتبحث عن دواب ,, فلا جواب,هبت عاصفة على بحيرة ساكنة فجعدت ماءها,, اصطدت الصورة، نسيت بيتا من الشعر قيل تحديدا في هذا المعنى من احد شعراء الاندلس اعجب ان شاء الله نرجعها ولو من باب الكرامة المعنوية,, في زمان جعل التاجر يفتش في اوراقه القديمة,, اقول ان شاء الله بقصيدة موزونة مقفاة على طريقة اللامية,!
تطلع انّى شئت بحثا عن (القصيبي) الكاتب الإنسان، لكن ستعرفه بجزئياته في (العصفورية) عاقلة العقلاء.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved