Sunday 12th September, 1999 G No. 9845جريدة الجزيرة الأحد 2 ,جمادى الثانية 1420 العدد 9845


ليس إلا
المسيري والصهيونية
خالد العوض

صاحب اطلاق اليهود لقمرهم الصناعي في اواخر الثمانينات الميلادية ضجة اعلامية عربية كبيرة اذ ان الرأي العام آنذاك يستصعب فهم ظاهرة استخدام الفضاء كأداة لاستراق السمع والبصر لمعرفة ما يحدث على الارض، وكان من الطبيعي ان تقام المحاضرات والندوات لشرح هذه الظاهرة الجديدة، خاصة وان اليهود هم من صنع هذا الخبر.
في هذا الاطار نظمت جامعة الملك سعود وقتئذ ندوة علمية تتحدث في هذا الموضوع من وجهة نظر فنية او تقنية اولا ثم من وجهة نظر فلسفية او ايدولوجية ثانيا، اي تتعلق بالفكر اليهودي وخلفيات هذا الشىء الجديد في سماء العلاقات في الشرق الاوسط، وقد استضافت من اجل ذلك متخصصين احدهما في الجانب التقني او الهندسي والآخر في الجانب الفكري او الايدولوجي.
رغم ان الجانب الفلسفي او الفكري لهذا الموضوع امر قد يثير الملل او الضيق الا ان المتحدث في الجانب الفكري في تلك الندوة اجتذب الجمهور بكم المعلومات التي كان يقدمها باسلوب رصين جعل أكفهم تشتعل تصفيقا بعد كل فترة يمتلك فيها المايكروفون!
ولا غرو ان يحدث ذلك اذا عرفنا ان المتحدث الفكري في تلك الندوة لم يكن الا عبدالوهاب محمد المسيري، المفكر المصري المعروف الذي قدم للقارىء العربي العديد من الدراسات الجادة عن الفكر الصهيوني والحضارة الغربية الحديثة.
هذه الدراسات القيمة التي كتبها المسيري تختلف عن الدراسات التي كتبها غيره ممن تشربوا الحضارة الغربية الحديثة اذ ان كتاباتهم تدور في فلك اللحاق بالغرب والذي يعني بكلمات المسيري نفسه ان يصبح الآخر ، اي الغرب، هو الغاية، وان نصبح نحن الوسيلة فنتحول الى بشر من الدرجة الثالثة او من الدرجة الثانية في احسن الاحوال، ولا يمكن ان نصل الى الدرجة الاولى لان من يصل الى الدرجة الاولى ينضم اليهم بطبيعة الحال.
ورغم ان المسيري، باعترافه شخصيا، قد تأثر في الحضارة الغربية ودرس فيها واستفاد منها الا انه استطاع، على الاقل من خلال منجزه الفكري واطروحاته المتعددة، ان يقدم فكرا اصيلا ينبثق من خصوصيته الثقافية ومرجعيته الاسلامية، فلا يتأثر بالرواسب الغربية والتي دائما ما تعلق في ما يتم نقله من تلك الحضارة المادية، والمسيري في الوقت نفسه يستفيد من المفيد في تلك الحضارة لتظل الحكمة او الحقيقة المجردة هي ضالة المؤمن انى وجدها فهو احق بها.
لعل الحدث الفكري الابرز عند المسيري، والذي انتظره القارىء العربي كثيرا بحكم اهميته وقيمته العلمية والتاريخية، هو صدور الموسوعة اليهودية هذا العام، وهو العمل الذي عكف علىانجازه منذ خمسة وعشرين عاما، تحت عنوان موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية: نموذج تفسيري جديد والذي صدر عن دار الشروق بالقاهرة وبيروت، ويقع في سبعة اجزاء.
الشيء المهم في ما يطرحه المسيري من رؤى وافكار عن الصهيونية واليهود هو الموضوعية والتجرد في الطرح دون ان يتأثر بالشحن العاطفي والعبارات التي تبحث عنها العاطفة العربية والتي غالبا ما تسود في الكتابات التي تتحدث عن اليهود بشكل تطغى فيه على الحقيقة المجردة، وهي الخطوة الاولى المهمة لمعرفة العدو.
كتابات المسيري تندرج تحت التيار الفكري الجديد الذي يدعو الى المساهمة في الحضارة البشرية من خلال الانطلاق من الحضارة الاسلامية الخالدة والاستفادة من المنجز الفكري العالمي بعد تنقيته ومن اهم مريدي هذا التيار جمال حمدان وفهمي هويدي وعادل حسين وطارق البشري وغيرهم.
بالرغم من اختلافنا مع بعض ما يطرحه مريدو هذا التيار من رؤى وافكار الا اننا في الوقت نفسه نتفق مع المبدأ العام الذي يتبناه هذا التيار وهو الانطلاق من الخصوصية الحضارية والمعرفية للاسلام كاساس للمساهمة في الحضارة الحديثة.
بقي ان نعرف ان الدكتور المسيري سبق له ان عمل استاذا في قسم اللغة الانجليزية في جامعة الملك سعود بالرياض وكان من حسن حظ كاتب هذه الكلمات ان اطلع على بعض افكاره عن قرب, لكن يظل السؤال الكبير: هل من احد يقرأ؟ هذا سؤال للتاريخ فقط، ليس الا!
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved