Thursday 30th December, 1999 G No. 9954جريدة الجزيرة الخميس 22 ,رمضان 1420 العدد 9954


جذور الأدب العالمي
2 الأدب الأمريكي
أ,د, كمال الدين عيد

يشير الجدول الكرونولودجي (1) لوصول كريستوفر كولومبس ch. columbus إلى جزيرة جواناهاني Guanahani (الجوان طائر أمريكي يشبه الديك الرومي) يوم 12 أكتوبر 1492م ويرصد رحلات كولومبس بعد ذلك في أعوام 93، 96، 98، 1500، 1502، 1504م ظانا أنه قد وصل إلى الشاطئ الشرقي للهند.
* ثلاثة اتجاهات أدبية.
ومنذ بدايات القرن 17 الميلادي وحتى سبعينيات القرن الذي يليه (170 عاما) تكونت ثلاثة مواقع جغرافية أدت إلى ثلاثة اتجاهات ادبية مختلفة، أثرت هذه الاتجاهات على المجتمع الامريكي بحكم ما تحمله من فروقات اقتصادية واجتماعية بما عكس على وجه الادب في كل منها, فالاستعمار في الشمال الشرقي (في بوسطن وما حولها) المعروف باسم New England افرز سياسة دينية اعتنقها الادب، حتى وان لم تنسجم مع الواقع آنذاك لتمردها على اعراف الكنيسة، وفي ترويج لمذهب الكالفينية Calvinism (المذهب القائل بأن قدر الانسان مرسوم قبل ولادته).
وساد الاتجاه الثاني مناطق الجنوب, من الانجليكانيين المخلصين لملك انجلترا، يحاولون عبر الآداب التخلص من افكار البيوريتانيين المتشددين ومُروجين للاقتصاد الثري السريع، في اعتماد على استيراد الزنوج السود لانعاش الاقتصاد.
أما الاتجاه الثالث فكان مكانه الاستعمار الانجليزي في الشمال الشرقي والجنوب الشرقي (مكان نيويورك وفيلادلفيا اليوم), اتجاه يختلف عن الاتجاهين السابقين، يحمل علامات أوروبية غربية سرعان ما يمتد تأثير آدابه في القرن 18 الميلادي إلى وسط القارة الأمريكية بحكم التقدم والازدهار التجاري ليُعرف فيما بعد باسم The Middle West الأمر الذي خفف من قوة بأس البيوريتانيين في الفكر والأدب، ودخول الامريكيين وآدابهم الى عصر التنوير بعد وفاة بنيامين فرانكلين Benjamin Franklim حتى أعلن توماس جفرسون Thomas Jefferson مبادئ ثورة التحرير القومي عام 1776م لتبدأ جمهورية الشباب الامريكي حسب تعبيره إبان حرب السنوات السبع (1775 1783م) بادئا ببناء سفن حاملات الطائرات.
* خطوات تجاه الثقافة.
في اتجاه تأسيس الثقافة القومية الامريكية كانت العقبة الاولى هي الموروث الروحي الأوروبي الذي كان مسيطرا على المجتمع الامريكي ايام الاستعمار, وكان لابد في مرحلة التأسيس الثقافي هذه من تكوين شكل حياتي جديد، حتى وان كان فجاً, وبدأت الخطوة الاولى التي استمرت عدة عقود من الزمان حتى بدأت في الازدهار في بدايات القرن 19 الميلادي بعيدة عن الماضي الانجليزي، حاملة جهود الادباء والشعراء الوطنيين في قصائدهم وأشعارهم ودراماتهم، وبتحليل للشخصية الامريكية والذات والمجتمع والمصير, بما يُعتبر العصر الذهبي الاول للأدب الامريكي, وقد أتاحت الحرب الاهلية الفرصة للادباء والمثقفين لفحص الثقافة الاوروبية وعلاج جذورها الموروثة.
فها هو الشاعر إدجار آلان بو E.A.Poe يكتب شعرا عصريا يتوافق ومعطيات مجتمعه الامريكي كاشفا كل ما هو غامض في الحياة الامريكية ومنبهرا بقيمة العصر ادبا وثقافة، ومتأثرا في اشعاره بالشاعرين الفرنسيين بودلير، مالارميه Baudelaire, Mallarme عارضا في قصصه ورواياته مظاهر الجمالية، الخُواء، الشذوذ، الخبل، وكل ما قد يعتمل النفس الانسانية من اعراض علم النفس المرضي Psychopathology الذي وجه أدباء اوروبيين فيما بعد إلى تيار الآداب السيكولوجية، في أهم قصيدتيه الشعريتين الاساس المنطقي للشعر 1843م The Rationale of Verse المبدأ الشعري 1850م The Poetic Principle ولعل أهم ما خلفه بو هو ابتكاره للرواية البوليسية Detective.
لم يُغفل الأدب كثيراً من القضايا الاجتماعية في المجتمع الأمريكي, فعمل عديد من رجال الأدب خاصة في حكومات الجنوب إلى التعرض لمشكلة حياة الزنوج السود, في مبادرات كتابية في الشعر والقصة والرواية حاملين شعار (قُوى الإلغاء) إلغاء العنصرية البشرية, وحركت من هذه الجهود الأدبية والانسانية ايضا السيدة هاريت بيشر ستو H.B.Stowe في قصتها المعروفة عالميا باسم (مطبخ الأخ توماس) التي جعلت بطلها زنجيا أسود لأول مرة في تاريخ الأدب الامريكي, ويكتب والت وايتمان W.Whitman شعرا جديدا يتناول الحماس العاطفي في صوت رايسودي بقوة لفظية خارقة تتماسّ مع العمال الصغار مرة، ومع الحياة الأمريكية الصاخبة في المدن الكبيرة التي تطحن صغار البشر وضعاف الاقدار، متغنيا بعناصر واسس الديمقراطية في وطنه، حاثا ابناء وطنه على خلع كل ما هو انجليزي في النفس والفؤاد، رافعا ادب بلاده إلى مصاف عليا من الابداع الادبي.
* من الحرب الأهلية إلى الحرب العالمية.
وصلت الولايات المتحدة ما بين اعوام 1861، 1865م إلى قمة الحرب الاهلية, وبعد الاستقرار بدأت بناء شبكة المواصلات في القارة، وتوسعت الصناعات واستقر الاقتصاد، وطبع العامل المادي خاتمه على كل الحياة الامريكية شكلا وتفكيرا، وكان لابد للادب ان يتوارى إلى الخلف تاركا المكان والساحة للنظرة الواقعية البحتة، التي ادت بدورها الى ميلاد الآداب المحلية والاقليمية، وهكذا ووسط القارة الواسعة الاطراف دخلت الآداب المحلية الريف والمدن الكبيرة مُؤذنة بميلاد ادب اجتماعي امريكي, بعدها جاء دور النقد الاجتماعي ليُقلّم هذه الآداب ويُشذّبها.
وضمن هذه الفترة يبرز مارك توين Mark Twain فترة تبشر بالمثل الحياتية الديمقراطية، وفي اعلان صريح عن المتاعب الاجتماعية للافراد، باحثا من خلال آدابه كل المرارات، عابرا بها إلى المستقبل المتفائل, تاركا مساحة واسعة في قصصه للقيم الاخلاقية تمددا واتساعا, وقد اصابت اعماله في الصميم التيارات الانجليزية التقليدية المحافظة التي كانت لاتزال تجد لها مرتعا في بوسطن ونيويورك, بينما شجعت اعماله جماهير شيكاغو وسان فرانسسكو.
* القرن العشرون.
اختص القرن العشرون بموجة عارمة من الادب عُرفت باسم (التشهير بالفضائح) Muckracker ظهرت هذه الموجة في قصص اوبتون سنكلير W. Sinclair وعدد من زملائه, كان الهدف من الموجة هو نشر الغسيل القذر وفتح الجروح برائحتها العفنة عبر الادب ومشتقاته, شجعت الموجة على انضمام جاله لندن J.London أول كاتب بروليتاري أمريكي، كما دفعت كاتب القصة الامريكي الشهير تيودور هرمان ألبرت درايزر T.H.A.Dreiser إلى معالجة عديد من القضايا الاجتماعية الامريكية وعلى مستوى كل طبقات المجتمع في إطار طبيعي.
كما يظهر في نفس القرن العشرين الادب السيكولوجي مهتما بالنفس البشرية وأسئلة اخلاقية وفنية أخرى، معالجا المنفيين في الهجرة وحياتهم وآمالهم وأحلامهم, وقد برع هنري جيمس H.James (المهاجر إلى انجلترا) في قصصه بتصوير الحياة السيكولوجية للمهاجر، وبتصوير الطبقة العليا بأسلوب لغوي نفاذ، أبقى قصصه حتى يومنا هذا.
أما الشعر فقد صعد إلى مخاطبة العامة من الجماهير في ابيات شعرية ليرية Lyra الشاعر كارل أوجست صاندبرج C.A. Sandburg عامل البناء يحتفل برواج شعره التأثيري الحر، نيكولاس فاشل ليندساي N.V. Lindsay يغني مع ابطال قصصه الاغنيات الشعبية، روبرت لي فروست R.L.Frost ينغرس بأشعاره في عمق تربة الوطن معلنا الفصل بين الحياة المريرة وشرف العيش.
* نهضة الأدب الأمريكي.
يُشير تاريخ الأدب إلى ان الادب الامريكي بكل صُنوفه قد وصل إلى درجة عالية من الفن والابداع في فترة ما بين الحربين العالميتين، بفضل البحوث الأدبية، والتطور الذي طرأ على الحياة الامريكية والتغيرات فيها, إذ لم تعد هناك اية ظلال او بقايا لموروثات وروح الآداب الانجليزية السابقة، كما تخلص الادب تماما من النزعة البيوريتانية المتجمدة.
إضافة إلى نزعة الحرب العالمية التي دفعت في قوة الصورة النقدية الحقيقية الى الصعود على سطح الحياة الاجتماعية الامريكية في هيئة تثمين وتقييم, فعقب انتهاء الحرب عاد كثير من المهاجرين كنصاح مخلصين لبلادهم (السيدة جرترود ستاين على سبيل المثال Gertrude )Stein بعملها الادبي (الجيل المفقود) Lost Generation مشيرة فيه إلى جيل يضم دوس باسوس، أرنست هامينجواي، وقصتها الثانية الحرب كما رأيتها Wars I Have Seen وتشهد على عظمة الادب الامريكي في نهضة اعمال كثيرين لا يتسع المجال للافاضة في اعمالهم: شيروود أندرسون، أرنست هامينجواي، جون ريد، جون شتاينبك، وليام فوكنر, إلى جانب شعراء حديثين مثل كارل شابيرو، ريتشارد ويلبور وغيرهم.
S. Anderson, E.M. Hemingway, J.Reed, J. Steinbeck, W. Faulkner, K. Shapiro, R. Wilbur ومع كل اتجاهات الادب في القصة والشعر لهؤلاء المبدعين، فقد افرز الادب عديدا من القضايا الوطنية والانسانية والدولية التي لاتزال شغل الانسان المعاصر.
وقد أضافت مدرسة شيكاغو الطبيعية ايحاءات ابداعية توعوية للادب الزنجي وآداب عالمية اخرى دخلت قارة اوروبا تحمل سمات المجتمع الامريكي المعاصر.
(الحلقة القادمة,, الدراما الأمريكية)
المراجع :
1. Egyetemes Tortenelmi Kronologia, Budapest, 1984. p. 197.
رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

منوعـات

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير




[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved