أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 3rd January,2002 العدد:10689الطبعةالاولـي الخميس 19 ,شوال 1422

مقـالات

خرص الزكاة بين ولي الأمر.. ومن تجب عليهم - 2 -
صالح بن سعد اللحيدان
كتب ابن قيم الجوزية كتابه الذائع الصيت «زاد المعاد» على منهج علمي فريد في بابه حرر فيه مسائل كثيرة من الأحكام الدينية والدنيوية بجلب الشواهد من الأدلة نقلاً وعقلاً وتجاوز الشرح بتنظير جيد في سياسة الدولة وسياسة الإدارة وتنظيم حالة الناس فيما يهم أمر حياتهم وأخراهم كل ذلك سيراً على نص وقاعدة، وهو وكتاب «اعلام الموقعين» من أجود ما ألف في هذا الباب متمشياً على هدي النبي صلى الله عليه وسلم في حله وترحاله إذ «الزاد» إنما هو فقه لسياسته صلى الله عليه وسلم وخطابه العام والخاص للأمة كما في قوله تعالى :« لأُنذركم به ومن بلغ» أي القرآن والسنة الصحيحة.
وعوداً على ما كنت قد بدأته سلفاً بتحرير ما أشار إليه ابن قيم الجوزية فأذكر أن الثمار والحبوب وهما الخارج من الأرض لهما شأن يحتاج إلى فقه وسعة مدرك فإنه رحمه الله يُجمل وأحياناً يستطرد وثالثة مثل ذلك لكنه يضيف بعض آثار يحتاج أمرها إلى بيان على نسق مختلف بين حكم وحكم.
يقول في الزاد ص 6/7: «وأوجب نصفه وهو: العشر فيما كانت مشقة تحصيله وتعبه وكلفته فوق ذلك، وذلك في الثمار والزروع التي يباشر حرث أرضها وسقيها وبذرها ويتولى الله تعالى سقيها من عنده بلا كلفة من العبد ولا شراء ولا إثارة بئر ودولاب.
وأوجب نصف العُشر فيما يتولى العبد سقيه بالكلفة الدوالي والنواضح وغيرها.
وأوجب نصف ذلك، وهو : ربع العشر فيما كان النماء فيه موقوفا على عمل متصل من رب المال.
بالضرب في الأرض تارة. وبالإدارة وبالتربص تارة ، ولا ريب» يقول ابن قيم الجوزية :«إن كلفة هذا أعظم من كلفة الزرع والثمار، وأيضاً فإن نمو الزرع، والثمار أظهر وأكثر من نمو التجارة، فكان واجبها أكثر من واجب التجارة، وظهور النمو فيما يسقى بالسماء والأنهار أكثرمما يسقى بالدوالي والنواضح، وظهوره فيما وجد محصلاً مجموعاً كالكنز أكثر وأظهر من الجميع».
لقد كنت بينتُ من قبل هذا أن الخارج من الأرض نوعان من حيث الأصل:
1 ما خرج دون كلفة ولا مشقة.
2 ما خرج بكلفة ومشقة.
فزكاة الأول «ولا بد» نصف العشر يُعطى مُستحقيه من الفقراء والمساكين عن طريق الذين يخرصون الزروع والثمار بأمر من ولي أمر المسلمين حيث ارتضاهم بصفات ذكرتها من قبل.
وزكاة الثاني تكون بربع العشر تعطى من يستحقها كذلك.
والخارج من الأرض أمره خطير إذا لم يتق صاحبه الله تعالى فيه. وعلى الذين قد يفوتهم شيء ما فيه أن يسألوا ويتحققوا عن «حقيقة النصاب» وكيفيته ومقداره وأهله وإنما الذين يخرصون لا يعلمون الغيب فأهل الزرع والثمر واجبهم بيان ما عندهم مما يملكونه حتى تبرأ الذمة من الزكاة.
وخراص المحاصيل إذا لم يكن لديهم تجربة ولا فطنة ولا سعة نظر فقد تفوتهم أمور مهمة في باب الزكاة وتحصيلها لا يقصدونها إنما قد تقع بسبب العجلة أو الجهل أو سوء فهم ركب بعضه على بعض. ولذلك فولي الأمر تبرأ ذمته بهذا المقدار من الحرص على إعانة المسلمين في: إخراج ما يجب عليهم تجاه إخوانهم من أهل الزكاة، ومن المقرر شرعاً أن زكاة الزروع تكون بعد الحصاد حتى يتبين الصالح منه من الفاسد فيقدر الصالح فيكون في كل «خمسة أوسق» صدقة قال ابن قيم الجوزية :« وهي خمسة أحمال من أحمال إبل العرب» وهذا قد صح فيه ما جاء في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه :« أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة وليس فيما دون خمس أواق من الوَرِقِ صدقة وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة» والوسق: ستون صاعاً. والصاع: خمسة أرطال وثلث بالرطل البغدادي، وهو: مائة درهم وثمانية وعشرون درهماً كما قال المهمشان على «الزاد» ص8.
وجاء في هامش الزاد مما حققه المحققان ص9 ويتطلبه وضع عموم المسلمين الذين رأيت بيان الحال لهم حتى ينظروا ما لهم وما عليهم وكيفية ضابط دفع الزكاة، وحتى تتنبه الجمعيات الخيرية والمؤسسات العاملة في هذا المجال فيكون وضع الشيء في موضعه جاء هناك بخط رفيع: «أخرجه أبو داود «1633» في الزكاة: باب من يعطى الصدقة، والنسائي 5/99،100.
في الزكاة: باب مسألة القوي المكتسب عن عبيد الله بن عدي بن الخيار، قال: أخبرني رجلان أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو يُقسم الصدقة فسألاه منها، فرفع فينا البصر وخفضه، فرآنا جلدين، فقال:
إن شئتما أعطتيكما ولاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب. واسناده: صحيح.
وأخرج مسلم في صحيحة «1044» في الزكاة: باب من تحل له المسألة من حديث قبيصة بن مخارق الهلالي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:«إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة:
1 رجل تحمل حمالة، فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يُمسك.
2 ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يُصيب قواماً من عيش.
أو قال: سداداً من عيش.
3 ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا في قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة فحلت له المسألة حتى يُصيب قواماً من عيش، أو قال : سداداً من عيش.
فما سواهن يا قبيصة سحت».
وجاء في هامش ص10 بعد كلام رواه في مسنده 1/231،232:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث من يخرص على الناس كرومهم وثمارهم، وأخرج البخاري «3/272» عن أبي حميد الساعدي، قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك فلما جاء وادي القرى إذا امرأة في حديقة لها فقال النبي صلى الله عليه وسلم اخرصوا وخرص رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أوسق فقال لها: احصي ما يخرج منها، والخرص هو: حرز ما على النخل من الرطب تمراً، حكى الترمذي عن بعض أهل العلم أن تفسيره أن الثمار إذا أدركت من الرطب والعنب مما تجب فيه الزكاة بعث السلطان خارصاً يخرص عليهم، فيقول يخرج من هذا: كذا وكذا زبيباً، وكذا وكذا: تمرا فيُحصيه وينظر مبلغ العشر فيثبته عليهم ويخلي بينهم وبين الثمار فإذا جاء وقت الجذاذ أخذ منهم العشر، وفائدة الخرص التوسعة على أرباب الثمار في التناول منها والبيع من زهوها وإيثار الأهل والجيران والفقراء، لأن في منعهم منها تضييقا لا يخفى».
والخرص كما هو مُبين هنا هو: اجتهاد الخارص الخبير المجرب بما يجب في الثمار من: الزكاة.
وهو أمر لا بد منه مع كثرة الخارج من الأرض الذي قد يتعذر معه على غير الخارص أن يحيط بما يجب فيه وهذا براءة لذمة ولي الأمر ولازم على المسلم أن ينهج منهج البر والتقوى وأداء ما عليه من حق تجاه أهل كل حق.
وكما تقدم فإنه لا يجوز للخارص أن يأخذ شيئاً ولو على سبيل الهدية لأنه لولا عمله في الخرص لما جاءته هدية ما، والرشوة أمر آخر فهي جريرة وذنب وسحت.
وفي النص الآنف الذكر قبل قليلة من حديث قبيصة ابن مخارق الهلالي فإنه صلى الله عليه وسلم بين حقيقة مهمة ذات دلالة لما قد يقع من بعض ضعاف النفوس ومن فيهم جهل أو جشع أو تهاون في الدين بأكل المال ولو عن طريق المسألة التي لا تحل إلا لثلاثة فقط وحديث «قبيصة» مدون في صحيح مسلم رحمه الله تعالى «1044» شرحه الإمام النووي وفصَّل فيه تفصيلاً جيداً لأهميته في حياة المسلم.
وهنا أمور لا بد منها أبينها لخطورتها:
1 تحريم دفع الزكاة لغير أهلها.
2 تحريم أخذها لمن ليس من أهلها.
3 تحريم المحاباة في دفعها لفساد النية.
4 يحرم أخذها على سبيل العادة مع الغنى.
5 يجب إعادتها إلى صاحبها إذا كان آخذها ليس من أهلها. أو أخذها بعد السؤال ثم ثاب إلى الله ورجع.
6 لا يجوز تأخيرها عن وقتها بحجة رمضان أو الحج مثلاً.
7 لا يعطى المجنون ولا السفيه الزكاة مالاً إذا كانا فقيرين بل يحولان منها بما يصلح لهما.
8 من تجب نفقته لا يعطى من الزكاة.
9 لا بأس بتقديم دفع زكاة المال لضرورة.
10 الغني عليه «صدقة» فوق الزكاة لمن يحتاج من ذويه وهو ذو قدرة تامة.
11 ما يأخذه الخارص من أرباب المزارع يعاد إلى أصل بيت المال لأن دافع الهدية العمل، والخارص قد جعل له ولي الأمر مقابلاً على ذلك برسم معين.
12 أصحاب «بهيمة الأنعام» و «الحبوب والثمار» يحرم علهيم إخفاء شيء مما يملكونه، وضرر هذا عليهم لأنه يترتب عليه دين إلى يوم القيامة.
13 لا يخرص: الزرع مهما كان إلا بعد نضوجه تماماً.
14 يفرق في الخرص بين الغالي والرخيص.
15 لا تخرص الزروع حال فسادها أومرضها.
16 لا تخرص الزروع إلا بعد الحصر التام.
17 تترك للمديون والفقير جدا حاله حتى يسدد ما عليه إذا كان زرعه وثمره لا يغطي دينه أو فقره.
18 لا يؤخذ من «بهيمة الأنعام» زكاة من كرائم البهائم بل من الوسط كما جاء عن ابن عباس أن معاذاً قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فأدعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب».
هامش ص17/خرجه البخاري 3/255 وسلم «19».
وهذا النص الجليل قاعدة عظيمة تسري أبداً في حال نظر الزكاة وخرصها.
وهُنا حالات قد تقع منه ما دونه صاحب «زاد المعاد» ومنها ما سجله المحققان ومنها ما أُقيده حسب وقوعه جاء في ص 17 :«وكان صلى الله عليه وسلم ينهى المتصدق أن يشتري صدقته، وكان يبيح للغني أن يأكل من الصدقة إذا أهداها إليه فقير، وأكل صلى الله عليه وسلم من لحم تصدق به على «بريرة» قال: هو عليها صدقة ولنا منها هدية».
جاء في الهامش من ذات الصفحة: «أخرج مالك 1/282 والبخاري 5/304 ومسلم 1621 من حديث ابن عمر أن عمر بن الخطاب حمل على فرس في سبيل الله فوجده يباع فأراد أن يبتاعه فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: لا تبتعه، ولا تعد في صدقتك» و «روى أحمد في المسند 6/123 و 179 والبخاري 9/482 في الأطعمة باب الأدم ومسلم 1504 في العتق باب الولاء لمن أعتق، ومالك في الموطأ 2/562 في الطلاق باب ما جاء في الخيار من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وهو حديث طويل».
وأُبين ما يلي بناءً على ما سلف:
1 إذا دفع المزكي زكاته من بهيمة الأنعام أو عقار فلا يجوز له شراء ذلك.
2 وبناء عليه لا يجوز التوصية بالشراء لتعود إليه.
3 لا يجوز لأحد ممن يعوله المتصدق أن يشتريها.
4 لا يجوز العودة في الصدقة، وهذا أبلغ من العودة في الهبة.
5 يجوز بل هو واجب إبدال الصدقة الرديئة بصدقة جيدة إذا سبق ذلك فساد النية ويتوب.
6 على الذين يخرصون تدوين كل حالات الخرص من الصفة والكمية والموضع ومقدار الخرص وهيئة صاحب المال من زرع أو بهيمة أنعام.
7 لا يجوز للخارص إسقاط شيء ما دون وجه شرعي فيه بيان من ولي الأمر.
ولعل تنبه المسلم لأمر أركان دينه وصدقه في ذلك دافع قوي للسير في منهج قويم في حياته ديناً ودنيا.
الاجابات
* ناصر بن محمود البدارين الأردن .. معان
الفرق بين العلم والفهم أن الفهم أعم.
وأصل خلق الدواب من ماء كما في قوله تعالى «والله خلق كل دابة من ماء»
* سعد.م.خ/كردي .. جدة
أعقد حقه إليه، ولا تأخذك العزة بالإثم.
* محمد بن سالم بن هادي العباد اليمن. خولان
من أحسن الكتب في تراجم الرواة وتراجم الرجال:
الكمال في أسماء الرجال.
تهذيب الكمال.
الجرح والتعديل.
أسد الغابة.
الاستيعاب.
طبقات ابن سعد. الطبقات الكبرى.
تهذيب التهذيب.
تذكرة الحفاظ.
تاريخ بغداد.
تواريخ البخاري.. الكبير.. والأوسط.. والصغير.
وهذه تجدها لديكم إن شاء الله تعالى فهي مطبوعة مشهورة بين العلماء والباحثين ودور النشر.
* خالد بن حمد الجاسم الكويت.. النقرة
ما كتبه محمود أمين العالم في مجال النقد والأدب نحا فيه نحو العقلانية المادية وأخطأ في كثير من طرحه حال تنظيره أزمة النقد والتحليل لأنه أخضع «الواقع» لنظرة مادية بحتة وترك ما هو أجل من ذلك.
وكونه تراجع عن أفكاره فأنا لا أدري عن ذلك ولم يصلني شيء.
* سعاد.ل.ل.ل. البكيرية القصيم.
سوف أبعث بخطابك إلى «تعليم البنات» وقد لمست من الشيخ د. علي المرشد تجاوباً جيدا وتقديرا كريما حينما يدرك الضرورة الملحة.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved