أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 10th January,2002 العدد:10696الطبعةالاولـي الخميس 26 ,شوال 1422

مقـالات

طِحتْ وما أحد سمَّى عليك..!!
د. فهد حمد المغلوث
ربما ابتسمت الآن وأنت تقرأ العنوان وربما ساورك شعور ما وربما اعتبرته نوعا من المداعبة الأدبية، وربما أثار العنوان في حلقك غصة أو في نفسك لوعة تحاول أن تنساها، أو ربما فتح بداخلك جراحا غائرة ما زالت تحاول أن تلتئم! ولا غرابة في ذلك، فذلك شعور طبيعي متوقع.
فأنت أحياناً قد تمر بتجربة أو معاناة قاسية غير متوقعة أو يحدث لك مكروه لا قدَّر الله لا تعرف معه ماذا تفعل ولا كيف تتصرف ولا تجد من يقف معك أو يؤازرك أو على الأقل يتفهم وضعك ويقدِّره، وهذا هو الأهم في نظرك، وبالذات في هذه المرحلة الحساسة التي تحاول الخروج منها وتجاوزها بأقل الخسائر الممكنة.
تمر بهذه التجربة المريرة التي تقلبك رأساً على عقب وتشعر بالفعل ودون أدنى مبالغة أنك سقطت سقطة مريعة قوية قاسية دون أن يكون هناك من يتلقفك برفق بيديه الحانيتين أو يدعو لك بالسلامة من كل أذى قد يصيبك، وحينما تشعر بجد أنك سقطت دون ان تجد من يُسمِّي عليك! حينها تكون في حال آخر! تكون في حال تصعب عليك فيها نفسك! حينها تشعر أن كل شيء أصبح ضدك وأن كل شيء لم يعد له أي أهمية بالنسبة لك! حينها تشعر بأنك كالغريق الذي يصارع الأمواج العاتية من أجل حلاوة الروح حفظك الله من كل سوء وأوصلك إلى شاطئ البر حيث الأمان الذي تنشده والأمنية التي تريدها.
وهذا ليس غريبا كما أن كل منا ليس بمنأى عن مثل تلك التجارب والمواقف أبعدنا الله وإياكم عنها وجنّبنا آثارها السيئة المؤلمة.
فأنت أحيانا وبحكم الظروف التي تحياها وبحكم العقلية التي تأتمر بأمرها ولا تستطيع ان تخرج عن طوعها أحيانا كونها أعرف وأدرى منك ويعرفون مصلحتك أو لأسباب أخرى الله سبحانه وتعالى أعلم بها، أحياناً بحكم تلك الظروف تفرض عليك الحياة نمطاً معيناً من المعيشة أنت نفسك غير مقتنع به وغير راضٍ عنه منذ البداية ولا تشعر انه يلبي حتى أقل طموحاتك أو حتى الحد الأدنى من أمانيك البريئة، ولا تشعر أنه يشبع احتياجك العاطفي الذي يتأجج بداخلك، ذلك الاحتياج الأمني الذي طالما حلمت به وطمحت في الوصول إليه.
ولكنك مع الأسف ترضى بهذا النمط وهذا الواقع رغما عنك! ترضى به لأنه ليس هناك بديل سواه على الأقل في تلك اللحظة الحرجة، ترضى به لأنك في موقف الضعف والعجز وقلة الحيلة، ترضى به لأن المجتمع هكذا يريد! وأنت من عليك ان تدفع ثمن سكوتك ورضاك الذي يفسر على أنه موافقة، بينما أنت في قرارة نفسك ضد كل ما يُفرض عليك أو يطلب منك رغما عنك! ولكن ماذا تفعل؟ فحتى الاعتراض نفسه لا يفترض ان يكون في قاموسك اللغوي أصلاً، نعم تعيش هذه الحياة كغيرك، ولكنك لا تشعر بالسعادة التي يتحدثون عنها، او تتوق أنت إليها كما كنت تحلم بها أو كما كنت تراها وتعرِّفها.
تشعر بأنك مجرد إنسان عادي مسلوب الإرادة يؤدي دوراً مطلوباً منه وعليه تنفيذه كما يُراد منه بالحرف الواحد! وهكذا تعيش وتُحسب عليك حياة! تحسب عليك سعادة! وحتى لو اعترضت فإنك تُقارن بالآخرين وأنك أفضل حالاً منهم على الأقل أنت لديك ولديك وهم ليس لديهم! بينما وجه المقارنة غير عادل ومجحف في حقك! ولكن ماذا تفعل سوى ان تشتكي همَّك إلى الله وتلجأ إليه؟! وماذا تفعل سوى ان تلوذ بالصمت وترضى؟!.
وهكذا تظل على هذا المنوال، حياة رتيبة غير متجددة، لا تشعر معها ان لك طموحات كغيرك ممن هم في مثل عمرك أو قريبا منه أو ممن هم في مثل ظروفك أو وضعك، ولمَ الشكوى طالما كل شيء متوفر: الأكل والشرب واللبس؟ وكأن الحياة هي كل ذلك!.
ومع ذلك ترضى بهذا كله وأكثر، لأنك تدرك فيما بعد ان هذا هو قدرك الذي عليك ان تقبل به وتتعايش معه ولا تعترض عليه، لأنك حينئذ سوف تعتبر خارجا عن منظومة العقل الاجتماعي وعن منظومة السلطة الاجتماعية التي نحن من أوجدها وسنّ قوانينها وطالب غيره بالالتزام بها وعدم الخروج عنها وإلا اعتبر في عداد المارقين عنها!.
وهذا الموقف تجده في جميع أوجه الحياة المختلفة، تجده حينما تواجه أزمة مَرَضية أو مالية أو نفسية أو اجتماعية أو عاطفية وهذه العاطفية مشكلتها مشكلة! وحلها ليس بالأمر السهل، لأن الحل في يدك أحياناً ولكنك لا تستطيع أخذه ولا تقوى عليه، لأنك أضعف من ان تأخذه خاصة حينما تكون مشاعرك صادقة لدرجة الشفافية وحينما تكون حساساً لدرجة شعورك بالذنب لكل خطوة او قرار تتخذه في حق غيرك رغم ان فيه راحتك على المدى البعيد!.
ولكن هل تستمر الحياة على نفس الوتيرة إلى الأبد؟ هل تظل مشاعرنا الصادقة مكبوتة في قلوبنا ومحبوسة في صدورنا تعيش في الظلام؟ وهل تظل أحلامنا تُوأد أمامنا في كل لحظة وكأن جريمتها أنها حلم بريء؟ وهل تظل نظرتنا للحياة بكل ما فيها هي نظرة أحادية وقاصرة؟ وهل نظل نسمع عن السعادة ونحلم بها دون ان نراها أو نعيشها على حقيقتها في يوم ما؟ وهل من العدل ان يضيع عمرنا هدراً ونحن مازلنا في مقتبله وفي أوجّه وعنفوانه؟ وإلى متى نظل ننتظر وننتظر؟ أليس ذلك متعباً وقاسياً؟.
قد يكون الحال كذلك مع كثيرين ممن رضوا بهذا الواقع رغماً عنهم أو حتى برضاهم، وممن لم يصابوا بنقلة تحوَّل صادقة في مشاعرهم ولكن ما هو الحال مع الفئة الأخرى التي قد تكون أنت أحدها، هل هو كذلك؟ فكِّر جيدا وارجع للوراء قليلاً وانظر لوضعك الحالي، إنك احيانا وبعد سنين من عمرك تكتشف أنك لم تعش! تكتشف أنك لم تذق معنى الحب على حقيقته، تكتشف أنك في عالم آخر غير العالم الذي يعايشه الناس الآخرون من حولك! وكل هذا قد يحدث أحياناً من تجربة عاطفية قوية تهز كيانك وتُحرك كل مشاعرك وأحاسيسك وتغير فيك مفاهيم كثيرة كنت غافلاً عنها أو غير مكترث بها أو ربما كنت تنتقد عليها الآخرين في يوم ما!.
تصحو وعلى حين غرة عندما يخفق قلبك فجأة، وتشعر بمشاعر غريبة لم تعهدها من قبل! مشاعر لم تسمع عنها سوى في الكتب والقصص والروايات والأفلام.
مشاعر ربما جعلتك تقول بينك وبين نفسك: أهذا أنا؟ أيعقل ان أكون كذلك من عدم التحكم في مشاعري وعواطفي؟ أين قوتي التي كنت أفاخر بها؟ وأين انتقادي للآخرين؟ وكيف أكون كذلك وأنا بنفس وضعي ومركزي؟ كيف؟.
ولكن أين تلك القوة من تلك المشاعر التي تحاول ان تجد لها تفسيراً مقنعاً يرضيك فلا تستطيع؟ ليس هناك مكان للقوة في ظل هذه المشاعر المتأججة!.. إنها مشاعر تحاول ان تحتويها كي ترتاح قليلاً فتجد نفسك غير قادر عليها! مشاعر تحاول بكل طريقة ان تداريها عن أعين الآخرين فتجدها تفضحك في تصرفاتك، وفي نظرات عينيك! وحتى في صمتك! بل وفي غيرتك التي تكاد تأكلك!..
مشاعر تحاول ان تتجاهلها فتجد نفسك تقرّ بها في نفسك وتعترف لها بالهزيمة وتقول لنفسك: صدقيني إنني أحس بك، أشعر بك، ولكن أرجوك لا استطيع تحملك مرة واحدة، فتجربتي أكبر من طاقتي! وقدرتي أكبر من تحملي! وخبرتي لا تؤهلني لأن استوعب ما يحدث لي دفعة واحدة، ارجوك اريد ان ارتاح قليلاً مما أنا فيه. أريد ان أعود كما كنت قبل ان أعرفك، فكل شيء بداخلي في حالة فوضى وارتباك وحيرة وعدم القدرة على السيطرة على الموقف الذي أمرُّ به.. أو اتخاذ قرار يريحني ويرضيني!.
ألا تحس بمثل تلك المشاعر أو بعضها أحياناً؟ ألا تنتابك لحظات صمت تعجز فيها عن الكلام أو الرد على الآخرين أو التعليق على ما يقولون؟ رغم ان ما يتحدثون عنه يهمَّك جدا ويعنيك في المقام الأول.. وبالمناسبة فتلك السقطة أو «الطيحة» كما نقولها نحن ليس بالضرورة ان تكون من أول تجربة أو من أول موقف لك، فقد يحدث ان تكون من ثاني تجربة أو موقف. أما مكمن قسوتها عليك وتأثيرها الكبير فيك، فهذا لأنك صادق وحساس، ومرهف الشفافية وبالذات في المسائل والتجارب العاطفية، لأن مشكلتنا كأشخاص حساسين أننا حينما نُحب، فإننا نُحب بصدق ونُعطي من دون حدود ونُضحي من دون مقابل وفي المقابل ما هو عطاء أو رد فعل الطرف الآخر أو الأطراف الأخرى، انه ومن دون أدنى مبالغة لا يوازي معشار حبنا وعطاءاتنا لهم وتضحياتنا من أجلهم.
وهنا لابد من تعليق وهو ان عدم حصولنا على ما نريده ونتمناه من الطرف الآخر لا يعني ان هذا الطرف أو ذاك لا يحبنا أو يكرهنا، أبداً، فقد يكون حبه لنا وتقديره لنا أكبر مما نتصوره ولكن الظروف التي نعيشها من حولنا والغيرة التي نجد أنفسنا فيها والحساسية التي تحكم تصرفاتنا هي ما تجعلنا نعتقد اشياء ربما لم تكن هي بدليل وهذا في حالات معينة أننا نجد مشاعرنا تجاه بعضنا تعود كما كانت وربما نكون أكثر اشتياقاً لبعضنا وهذا ما يفسر طيبتنا وصدقنا وحساسيتنا ولحظات الاحباط التي نمر بها التي تجعلنا نرى أنفسنا ونتحسر على وضعنا ونتمنى لو كان حالنا غير الذي نحن فيه.
وبالطبع كل منا معرّض لمثل تلك التجارب سواءً عاطفية أو مالية أو نفسية وغيرها ولكن ما يخفف حدتها وآثارها السلبية عليننا هو قوة إيماننا بالله عز وجل وحجم ثقتنا وصلتنا به، ثم نوعية أولئك الأشخاص من حولنا الذين هم السند الحقيقي لنا في هذه الحياة، ذلك السند الذي نحن في أمسِّ الحاجة إليه حينما نشعر في لحظة من اللحظات أننا بدأنا نضعف في الوقت الذي نحاول ان نكون فيه أقوياء.. وفي الوقت الذي بدأنا نشعر فيه أننا بدأنا نفقد السيطرة على مشاعرنا.
ولكن ما يعزينا أحياناً هو احساسنا أننا لسنا الوحيدين الذين نعاني من تلك التجربة ولسنا الوحيدين الذين نكنُّ في قلبنا هذه المشاعر الصادقة بل هناك من يشاطرنا إياها بنفس الإحساس، وان هناك من لا يزال يمد إلينا كلتا يديه ليحتوينا لديه، ومن هو فاتح قلبه لنا يضمنا إليه، وهو ما زال مستعداً لأن يُصغي ويستمع إلينا بكل جوارحه دون ملل أو تذمر، ودون ان يشعرنا لحظة واحدة أنه صاحب فضل علينا مما يجعلنا نسأل أنفسنا أحياناً: ترى أهي مشكلته هو أم مشكلتنا نحن؟، وهل بالفعل هناك أناس على هذه الدرجة من الحساسية وهذا المستوى من التفهم، وحينها وبين أنفسنا ربما قلنا: نعم ان الدنيا ما تزال بخير.
همسة
يا لقلبي المسكين..
كم أشفق عليك..
من قوة تحمُّلك!
جرَّاء ما يحدث لك..
وما تعانيه من حب صادق!
في وقت لم تعد قادراً..
حتى على التحكم في مشاعرك!
أو البوح بها لأحد!

* * *
يا لقلبي المسكين..
كم أرثى لحالك..
من شدة تعلقك بمن تحب..
بمن أصبح كل تفكيرك!
وكل هاجسك!
وكل يومك وليلك!
***
يا لقلبي الحنون..
كيف أبث الأمان بداخلك؟
وكيف أهدئ من روعك؟
وكيف أُريحك..
من كل ما تشكو منه؟
من كل ما تعانيه؟
كيف يا قلبي
أوقف خفقاتك المتسارعة
كيف احتويها؟
كيف وأنا نفسي..
احتاج من يحتويني؟
ومن أشعر أنه يفهمني
في هذه المرحلة الصعبة من حياتي؟
ومن أشعر معه بالاطمئنان..
في هذه الفترة الحرجة من عمري؟
كيف؟
***
كيف أمنع نفسي..
من إرضاء مشاعري البريئة؟
وكيف اقمع شوقي ولهفتي..
عمن ارتضاه قلبي؟
عمن وجدت فيه ضالتي؟
عمن أشعر انه نفسي؟
***
وكيف أحرمُ نفسي
حتى من التفكير فيه؟
والسؤال عنه؟
والاطمئنان عليه؟
وهو قريب مني؟
كيف؟
* * *
فيا لتلك التجربة العنيفة..
التي أمرُّ بها..
ولم أستعد لها..
كيف أتحملها بمفردي؟
كيف أتجاوزها بسلام؟
وكيف أعبرها بهدوء؟
دون ان تترك بداخلي..
يصعب عليَّ محوها؟
***
ولتلك المعاناة القاسية..
التي تعصف بي بشدة!
في كل وقت!
ولا أعرف كيف أتعامل معها!
أو إلى أين تسير بي!
وإلى أين تحطُّ بي!
وكيف سيكون حالي بعدها!
* * *
بل يا لأوهامي وكبريائي!
كيف اعتقدت..
انني غير كل الناس؟
كيف اعتقدت....
بأنني قوي؟
وأقوى من كل الناس؟
وكيف اعتقدت..
أنني قادر على كبت مشاعري؟
وعلى التحكم فيها؟
كيف؟
وإذا بي..
ومن أول تجربة لي..
أسقط بقوة..
دون أن أجد حولي..
من يمد إليّ يديه!
كي يتلقفني برفق!
ويضمني إليه..!
دون أن أجد بجانبي..
من يُسمِّي عليَّ..
من يطبطب عليَّ..
ومن يأخذني إليه..
ويقول لي بكل حنان
لا بأس عليك..
لا تخف..
لا تجزع..
فلست وحدك..
ولن تكون بإذن الله..
***
ولا أدري..
فحتى هذه اللحظة..
ما زلتُ أحاول..
أن أنساك..
أن أمحو من مخيلتي..
شيئاً اسمه أنت..
شيئاً اسمه....!
علَّني أرتاح ولو قليلاً
علّني ألتقط أنفاسي
علَّني ألتفت لنفسي..
* * *
ولكن..
يبدو أنني فعلاً..
سقطتُ!
طِحتُ ولم أجد من يسمِّي عليَّ!.
***

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved