أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 10th January,2002 العدد:10696الطبعةالاولـي الخميس 26 ,شوال 1422

الثقافية

نهار جديد
مثقف أم أرشيف
عبدالله سعد اللحيدان
لا يمكن ان يكون أي مُنتَج ثقافي سجين دلالة واحدة، أو لا يملك سوى طاقة محدودة لا تُشير إلا إلى افق محدود، أو هكذا يجب ليصح اطلاق مسمى المنتج الثقافي عليه، أما إذا تم تأطيره في رؤية محدودة، وموقف ساكن وأساليب مستهلكة فذلك دلالة على انه شيء لا علاقة له بالثقافة التي تملك طاقات متعددة المستويات وتشير إلى غابة متشابكة وفضاءات لا حدود لها من المعاني وإمكانيات التأويل والتحول والسيرورة.
وامتلاك فرد او مجموعة، بعض وسائل التعبير من معرفة بمبادئ اللغة والخط والاملاء وشيء من الدربة والجرأة وبعض المعلومات العامة والاتكاء على علاقة أو قوة ما، كل هذه الأشياء لا يمكن ان تُضفي وحدها على ما ينتجه هذا الفرد أو هذه الجماعة أو تمنحه صفة «الثقافة»، فالثقافة ليست مجرد القدرة على التعبير فقط، إذا لم تملك من ضمن ما تملك حدسا يقوم على التوافق العميق بين الإنسان وقيمه وعواطفه وانفعالاته وأفكاره وهموم وجوده وأحلامه، وطموحاته وآلامه وحاجاته وذائقته، وتقوم بتجسيد هذا التوافق في الرؤى والمواقف ووسائل التعبير بصدق إنساني وثقافي وفني ولأهداف إنسانية عامة وليست شخصية فقط او مرتبطة بشهوة الكلام والظهور والتعالم أو تلميع الذات أو كمن يشترك في مظاهرة حبا للضجيج فقط.
الأزمات الشخصية والآراء المكبلة بها والخواطر، لا يكفي نشرها فقط، لكي تصبح ثقافة تهم الناس وتنفعهم إذا لم تصب في خانة ما يجادل حاضرهم ويستشرف مستقبلهم ويهدف إلى الرقي بهم والمشاركة في دعم ثقافتهم ووعيهم ليكونوا قادرين على المساهمة في بناء حضارتهم المعاصرة وتأسيس ما يكون له قيمة في بناء حضارتهم المستقبلية أو ليستطيعوا التعايش معها على أقل تقدير.
من ضمن ما تملك الثقافة الحقيقية: القدرة على تنبيه شعور المتلقي والتأثير فيه عبر مشترك إنساني يضم في وحدته الوعي والمعرفة والحس والتصور وجسراً من البراءة يربط مختلف العناصر الثقافية والإنسانية والجمالية والكونية وعفوية ونزاهة لا تخضع لمصلحة ذاتية أو منفعة زائلة أو عبث أو استغلال لإمكانيات ليس للثقافة وهمومها وأهدافها الإنسانية أي علاقة بها، بل لا يمكن وصفها بأنها سيئة النيات والأساليب والمآرب، أو انها مجرد تنفيس عن النفس، او تفتقد الحدس، او تنطلق من رؤية أحادية وموقف خاطئ يقف خارج الواقع ولا يعيشه ولا يمارسه، أو انها تكتفي بانتقاء لحظات من الخارج وتصفها بطريقة مغرضة أو غير مسؤولة أو انها تنضح نرجسية وشخصانية.
تملك الثقافة الحقيقية رؤى ومواقف وأساليب وأهدافا تتجدد مع تجدد الإنسان وزمانه ومكانه، وظروفه مدعومة بحدس واع متعاضد مع الخبرات والقدرات، مثلما تملك القدرة على الغوص في الأعماق ولا تكتفي بمجرد النظر الساذج إلى السطوح المباشرة، ولا تكتفي فقط، ولا ترضى بمجرد كونها او اتهامها بأنها أرشيف لمعلومات قديمة ومعارف مُحنطة مثلما هو حال ثقافة الأرشيف.
ثقافة الأرشيف لا تملك أدنى قدرة على الإضافة والتجاوز والإبداع والابتكار واكتشاف آفاق جديدة أو فتح فضاءات غير معروفة سلفاً أو إنتاج آثار تحتمل تأويلات مختلفة ومتعددة مثلما لا تملك القدرة ولا الشجاعة على تجاوز ما تم حفظه عن السابقين.
الثقافة الحقيقية رحلة تتواصل في العالم والإنسان وما يحيط بهما من أشياء وما يكتنف وجودهما من ظواهر وما يمور في الأعماق من علاقات، وتملك في كل مرحلة من مراحل هذه الرحلة وتتخذ زادا جديدا لإنتاج طاقات وخطوات جديدة، ودون التوقف عن اجابة شافية بل تعتمد السفر المتواصل في فضاء مفتوح الآفاق للأسئلة والبحث والتحديث دون ان تحد هذا الفضاء حدود او ترسم نهايته خطوط، وفيما هي لا تعتمد في سفرها على الانطلاق من نقطة واحدة او موقع ثابت في الماضي أو الحاضر، او تبقى مرهونة لهما.
لا يجرؤ ولا يستطيع مثقف الأرشيف الشعري مثلاً إضافة بحر جديد أو تفعيلة جديدة أو تجاوز ما تسمح به سلطة الزحاف والعلل وقواعد التقفية وضرورات الشعر، بل يعود إلى نفس التعليمات لكي يُنتج نسخة قديمة بطباعة جديدة.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved