أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 10th January,2002 العدد:10696الطبعةالاولـي الخميس 26 ,شوال 1422

محليــات

رحمك اللّه
أبا خالد ، ، ، !
د، حسن بن فهد الهويمل
إذا قيل إن الموت «نقاد» فلا تظنن أنها مقولة مرتجلة، فالحكم والأمثال نتاج تجارب طويلة، ورصد دقيق، ومتابعة واعية، صحيح أن «كل نفس ذائقة الموت» وأن الموت «يلاقي» ولا يلحق، وأنه ينفذ إلى الكبار في بروجهم المشيّدة، والى الضعفاء في أكواخهم المهلهلة، ولكنه حين يأتي بغتة وفي غير موعده، يكون كما «النقاد» الحبير الذي ينتقي الأجمل والأروع، يخطف العائل من بين زوجته وأبنائه، وينتزع المحبوب من أحضان محبوبته، ويسل العالم من بين طلابه، ويقتاد الموسر المنفق من بين فقرائه، يخطف الوحيد من حجر أمه، والشاب المتوثب من طريق آماله، يهدم البيوت على أهلها، ويطفئ أنوار الأسرة باختطاف عميدها، ومن بعد الأب الحاني،
وصديقنا الغالي غانم بن عبد اللّه الغانم الذي وافته المنية في مشافي أمريكا من الذين رحلوا في وقت مبكر، وفي وقت نحن أحوج ما نكون إلى مثله في حسن شمائله، ورحابة صدره، وسرعة بديهته، وخفة ظله، وروعة لذعته، وسعيه الدؤوب للملمة شمل الأصدقاء، وتنظيم لقاءاتهم، وملئها بالمرح البريء والسعادة الغامرة،
لقد ترك فراغاً مملاً، فقده أصدقاؤه الذين أفعم حياتهم بالسعادة، وصدم زملاؤه الذين ملأ وقتهم بالعمل، وفجع ذوو الحاجات من معارفه وأقاربه، وخلى منه مسجده الذي يتعهده في كل موسم عبادة بالطيب والمشروب، لقد كان بيته مثابة لذوي الحاجات من معارفه، يشفع لهم، ويسعى في أمرهم، يأوي إليه الأقارب فيجدون عنده رحابة الصدر وكرم الضيافة وقضاء الحاجة، لقد كان وفيّاًَ في حضور المناسبات، ولحوحاً في البحث عن الأصدقاء، وكانت جلسته ضحى الجمعة ملتقى الأصدقاء الذين تباعد بينهم المشاغل، والذين يعرفون سجاياه الحميدة، يبكون كما أولاده وأحباؤه،
لقد بكيناك أيها الغالي حين علمنا بدائك العضال، وبكيناك حين غادرت البلاد سعياً وراء الاستشفاء، وبكيناك حين تذكرنا ما تفيضه على أصدقائك من بهجة وسعادة، ولكننا أحسسنا بالغبطة تطفئ لظى الفرقة، حين تدفقت أمواج المصلين عليك، حتى ضاقت بهم أرجاء المسجد، وما وسعتهم الأسواق، وحين سمعنا دوي الدعاء، وحين رأينا المتدافعين وراء نعشك، وحين لم يُعرف المعَزي من المعزّى، فكل واحد من معارفك وأصدقائك يحس بذات الحزن والألم، ويتلقى التعازي بفقدك،
لقد كنت الصديق الوفي، تملأ المجلس بهجة، وتحييها بالمرح وبالمزاج البريء والنكتة الخفيفة خفة نفسك وسلامة صدرك، كنت كريماً، ومضيافاً، وسباقاً إلى كل خير، ومما زاد الألم أننا ما كنا، وما كان الأقربون يتوقعون رحيلك بهذه السرعة، وما كنا نتوقع أن يتسلل المرض إليك من ثنيات عدة، فيحول بينك وبين التدخل الجراحي لإنقاذ حياتك، كنا نراك تذبل، ولكنك صبور كتوم ،تشيع البهجة والسعادة على جلسائك وأصدقائك، وفيك ما فيك من ألم ممض، وحين أحسست أنك لا تقدر على احتمال مزيد من المرض، امتد إليك حرص الأبناء والأصدقاء وشملتك رعاية الدولة فتلقتك سفارتها في أمريكا بكل ما لديها من إمكانيات، وفتحت لك أرقى المستشفيات في العالم، وحف بك أولادك البررة، وتبعتك دعوات أصدقائك الأوفياء، ولم نتوقع أن رحيلك حيا متحاملا على نفسك سيكون الذهاب إلى الأرض التي ستموت فيها «وما تدري نفس بأي أرض تموت»،
وهناك كنا معك في قلوبنا وفي اتصالاتنا، نتابع حالك ساعة بساعة، وفي كل يوم نحس أننا نقترب معك إلى النهاية، ومضى الأمل معنا كما سراب القيعان يخفف الأعباء، فلقد غدوت من أهلك تبحث في المشافي عن شفاء اللّه الذي أنزله لكل داء، وكنا متفائلين بشفائك، وما زدنا على الدعوات الصادقة التي تحفك من يمين وشمال سائلة اللّه أن تعود كما أنت في حيويتك ونشاطك ومرحك العفوي، ولكن قضاء اللّه سبق كل شيء، وعدت محمولاً إلى الأرض التي منها خلقت، وعليها درجت، الأرض التي أحببتها وقضيت زهرة شبابك وبوادر كهولتك في خدمة أهلها، عملت في الصحافة مراسلاً، وكاتباً، وعملت في قطاعات كثيرة موظفاً، وكنت إنساناً اجتماعياً تشارك في كل المناسبات، عرفتك الصحافة في زمن مبكر، ثم شُغلت عنها، ونسيتها لتنساك، إلا من إشارات وشذرات كتبها رواد الصحافة من أمثال «عبد الفتاح أبي مدين» في مذكراته،
ومرت السنوات الأربعين التي عرفناك فيها كغمضة عين وانتباهتها،
فإلى جنة الخلد أيها الغالي الذي لن يغيب، وأحر التعازي لوالدك الصبور، وزوجتك المفجوعة، وأبنائك الذين كانوا معك في أيام الشدة، و«لمهند» الذي نقرأ في بريق عينيه ملامحك الوادعة، إلى أسرتك التي كنت لها الظل الظليل والأب الرؤوف الرحيم، ولأصدقائك وزملائك الذين وجدوا فيك الأخ والصديق الذي يجمع الشمل ويبذل الجهد،

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved