أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 15th January,2002 العدد:10701الطبعةالاولـي الثلاثاء 1 ,ذو القعدة 1422

مقـالات

النقد الثقافي: البديل أو الرديف (11)
د. حسن بن فهد الهويمل
ولو نظرنا إلى القيمة المعرفية «النقد الثقافي» بوصفه جماع المشروع: تنظيراً وتطبيقاً، لوجدناه دون المؤمل من مثله، بوصفه كتاب مشروع يغمره الواردون للامتياح، ويغمر المشهد بجدة منهجه وآلته وشرطه، وبوصف صاحبه من كبار المثقفين الذين لا نغمطهم حقهم، وإن اختلفنا معهم، إذ هو بدون ثقافة وثوقية، وكأنه تفسير الرازي المقول عنه: «فيه كل شيء إلا التفسير»، وكل صيده جملة من الافتراضات، وحشد من التلاعب اللفظي والتشقيق الكلامي، والتكرار الممل لكلمات: «النسقية»، و«التشعرن»، و«التفحلن»، وجلد مميت للشعر العربي، ممثلا بتعيس الحظ «أبي الطيب المتنبي»، وبالسيئ من غرض المدح، دون سائر الأغراض الأخرى، من فخر وحماسة ووصف وحكمة وغزل وعتاب ورثاء، وتلميع زائف للذات، باستدعاء متأخر ل«نزار قباني» و«أدونيس» اللذين صنما من قبل على يد رفاق الدرب، ومشروع نقدي يخلص من زحام المذاهب يستأثر بالمشهد مميتاً ما سواه لابد ان يكون في محتواه وإجرائه استثنائياً، أما وقد قزَّم الأشياء لتكون بحجم تصوره للثقافة العربية جاهلاً أو متجاهلاً ما يتوفر عليه الشعر العربي من قيم متعددة، وهو مفردة من مفردات الثقافة المنكوبة بأبنائها العققة فإن الموقف لن يكون ودياً ولا مطمئناً، وبخاصة حين يتنكر لديوان العرب، ولو انه عاد إلى الدراسات الأكاديمية عن القيم الأخلاقية في الشعر العربي القديم والحديث وعن النقد الأخلاقي في مختلف العصور، لتبين له انه يرجم بالغيب، على انه في إحالته للمرجعية التراثية التي يلم بها كما نَدْل الثعالب، إنما يعول فيها على احتمالات دلالية لا تحتمل، وكأنه بعض المفسرين اللغويين ذوي النزعات الطائفية الذين يتغصون في البحث عن أدق الدلالات، لتعزيز رؤيتهم، دون النظر إلى الأنساق، وبصرف النظر عن الإنشائية والتغنص والندل والالتفاف الغبي على رواسب الماضي وسمعته، هنا، وفي «حكاية الحداثة» فإن التعامل مع النص الإبداعي، أو مع مكوناته، أو مع مضمونه، أو مع انعكاساته وتشكيلاته السلوكية والتصورية والمفهومية يتقاطع في بعض تلك الوجوه مع «البنيوية التكوينية» التي خرجت ب«النقد البنيوي» من سلطة اللغة بوصفها بنية: «علائقية أو توليدية إلى سلطة الأيديولوجيا، وذلك حين فرضها الماركسيون على الشكلانيين الهاربين من الالتزام الماركسي، ممن وصفهم «جابر عصفور» بالنقاد الهروبيين وإن كانت «التوليدية» ذات نفس ماركسي كما ان «النسقية» توصيف بنيوي، والمشروع برمته لا يبرح الترويج لتحولات نقدية غربية، تدعي كسر الطوق وتفكيك الدائرة اللغوية المفرغة التي كبلت روح النص، وعطلت قيمه الحقيقية وتشكيلاته السلوكية، وكأني بهذا التحرف الفج التقاط غبي لهذا الخيط من تحت أنقاض التداعيات الماركسية والبنيوية والحداثية، إذ ان النقد بهذا الانعطاف المتعدد الاحتمالات يعدُّ خروجاً من سلطة النص اللغوي الذي لا يبرح «العلاقة» و«العلامة» و«الجمالية» والاحتباس داخل نفق «الفن للفن» إلى فضاءات لا حدود لها، فهي باتساع مشمولات الثقافة وإن أركس في دعوى «التشعرن» المتشكل من الفهم السقيم، والمحمَّل جريرة تشكيل الأنساق الاجتماعية، وذلك بعض ما يقرره صاحب المشروع بطريقة عازمة جازمة، لا مكان للاحتمال عندها، وهذا التحرف عودة إلى ما هو خارج النص، وإحياء للمؤلف الذي قضى نحبه بذات اليد التي أحيته، واشتغال بالمضمون، أو بمخرجات المضمون، بوصفه تشكيلاً للوعي وللسلوك، وبالتالي فهو ضربة لازب للبنيوية اللغوية التي أغثينا بها فترة من الزمن الرديء، فأميت من أجلها المؤلف، ونفي المضمون، وقضي على جغرافيا الفن على الطريقة «الهيغلية» الذي قال يوما ما ب«موت الفن» في سبيل مواكبة «الجمالية الفوضوية» وقد يتاح للبنيوية أو لرواسبها في آفاق «النقد الثقافي» «مفحص قطاة» وبالذات «البنيوية الانثروبولوجية» كما هي عند «شيتراوس» و«البنيوية بكل تنقلاتها: اللغوية والأدبية والاجتماعية وبكل تحولاتها المفهومية والإجرائية: كالتقويض والتفكيك والتشريح وبكل مسمياتها: اللسانية والأسلوبية والنصوصية لم تبرح أدمغة المستغربين الذين لا يملكون إلا الاهتياج الأعزل لاستقبال كل طارئ، ولكيلا نغمط البنيوية حقها نشير إلى انها ذكرت البعض بأهمية الحفريات اللغوية، وحفزت على الاهتمام بالوظيفة اللغوية على حساب المعيار الصرفي والنحوي مع الاستعانة به بوصفه آلة ووسيلة، وهي قد نبهت إلى أهمية «الشعرية» بوصفه مصطلحاً خفف من غلواء الشرط الفني، وإن أخفق البعض في تفهمه كما انها ضيقت الخناق على التاريخية التي طغت ردحاً من الزمن، ولكن الذين اشربوا في قلوبهم عجل الغرب سفسطوا الأمور، وبرعوا في القول الفارغ، وحملوا النصوص من الدلالات ما لا تحتمل، وتقولوا على المبدعين كل الأقاويل لا بعضها، و«النسق الثقافي» الذي عول عليه «النقد الثقافي» المحلي مصطلح من مصطلحات علم الاجتماع، واستدعاؤه ليكون المجال الأوحد للمشروع، لا يمكن من خلط الأوراق وتعمية الأمر على من لهم قدم صدق في مفردات «علم الاجتماع» والصيرورة إلى «النقد الاجتماعي» صيرورة فعلية إلى «النقد الثقافي» وهنا لا يكون من حق أحد وضع اليد على معروف لا يحتاج إلى تعريف، وقد أومأت من قبل إلى ان المشروع مشاع تتنازعه معارف متعددة، وضياع هويته بين قبائل المعارف يحول دون التبني. والاشتغال بالمضمون أو بتشكيلاته النسقية بعد القطيعة ارهاص للخروج من هيمنة النص اللغوي الإبداعي المزدوجة: هيمنة اللغة، وهيمنة القبح المضموني المتوسل بالجمالية، كما يدعي صاحب المشروع إلى ما وراء النص، أو إلى أثر النص بوصفه المشكل الأقوى للنسق الاجتماعي، ثم ان القول بالنسقية الثقافية كالقول بالنسقية اللغوية، فهاجس الأنساق مراوحة بين الثقافة واللغة، وليس في ذلك مساحة كافية للدعوى العريضة والإجلاب عليها بالمصححين والممحصين والصابرين على اللأواء من زوجة وأبناء، والناقد الثقافي من خلال رؤيته المحلية يمارس محاكمة القبح الدلالي المفترض والمتضخم في الشعر، وامتداد المحاكمة إلى «النقد الأدبي» المظاهر له، لأنهما ومنذ ظهور شاعر المديح في آخر العصر الجاهلي إلى «نزار» و«أدونيس» يقترفان جريمة شعرنة الأمة، بحيث تكون: «شحاذة» «مداحة» ومن ورائهما اللغة المتفحلنة، وجريمة الشعر العربي في قبحيته المتوسلة بالجماليات لتسريب القبحيات المشكلة للأنساق الاجتماعية المتسيدة، ومن حقنا في ظل هذه الغيرة المصطنعة ان نتساءل عن غيابها وغفلتها أو تغافلها في جنح «الرواية» وترديات الروائيين في وحل الرذيلة والعامية؟ والزمن كما يقول الحداثيون «زمن الرواية»، ولست أدري لماذا غفل النقاد الحداثيون الذين ضخموا القذات الشعرية عن جنايات الرواية، بل اتجهوا صوب مناصرة المنحرفين والساقطين من المبدعين الروائيين الذين بلغوا حد الدعارة، ولم تكن كتاباتهم عن موهبة، ولم تكن لغتهم لغة فن رفيع، والنقاد الحداثيون لم يغفلوا فقط وإنما تفانوا في سبيل شرعنة هذا السقوط الذريع والانحراف المريع حيث جنحوا لربط الصراع حول مشروعية هذه الجنايات بحرية الفكر وحرية التعبير ولو ان «التشعرن» قائم في الثقافة لما كان في الأمر من بأس ولكنه وهم من الأوهام، وليس الاشتغال به إلا تلهية عما هو قائم من جنايات موجعة، على ان النصوص المستدعاة للمحاكمة والإدانة للأنساق ليست من اللغة في شيء، وإن أنتجتها نصوص شعرية، كما يفترض صاحب المشروع، فالأنساق بوصفها نصوصا تحال إلى الثقافة الرؤيوية التصورية، وكل شيء معنوي أو حسي أو إجرائي نص بالنظر إلى المدلول الوضعي المحيل إلى «البروز»، ثم النظر إلى كل ظاهرة على انها نص، والتعامل معها بهذا المفهوم، فلم يعد النص اللغوي هو المجال الأوحد للنقد، وإنما كل شيء قائم في الذهن أو متشخص في السلوك أو متمثل خارجه مشتمل على نظام ومرجعية هو «نص ثقافي» والاشتغال فيه «نقد ثقافي» ذلك ما لمسته، وذلك ما لا أرى بأساً في الأخذ به، ولكن ليس على طريقة صاحب المشروع في تحديد المفهوم، واختلاق النسق، وافتراض المرجعية، وتخويل الذات إقامة الدعوى وتنفيذ الحكم. و«النسق» و«النص» و«التفحلن» بقايا رسوبية من مصطلحات البنيوية، أفرغت من محتوياتها وملئت بمدلولات تقترب من الثقافة ولا تكونها، وهذا التقليب العقيم لا يضيف شيئاً ذا بال، ومع كل هذه المقترفات والتحرفات والتوهيمات والتغريرات لا جديد في المشروع، ولا تحديد للمنهج، ولا تعيين للآلة، ولا حتمية للمجال، إذ المشمول الثقافي لا يحتويه مذهب، ولا يحيط به مشروع، وتلك الدعوى بهذه المواصفات لا تستحق كل هذه التظاهرة التي تدل على بدائيتنا وجهلنا للمتداول في المشاهد الأدبية والثقافية والاجتماعية والنفسية، والذين يتابعون المشاهد وما فيها لا يجدون فيما يقال باسم «النقد الثقافي» أية إضافة تستحق كل هذه الجلبة، و«النقد الأدبي» مرَّ بتحولات «سوسيولوجية» و«إنثربولوجية» و«ميثولوجية» و«أيثولوجيا» و«أيديولوجيا» هي الأقرب إلى «النقد الثقافي»، ولما يفكر أحد من رواد هذه التحولات بادعاء مصطلح جديد للنقد ووصفه بالمشروع الذي يمات من أجله ما قبله، إذ التحولات طبيعية والتجديد عفوي، ولتعذر الجمع والمنع المصطلحي، إذ الثقافة: «وجادة»، و«اقامة»، و«سمة»، و«طريقة» والاشتغال بأي مفردة من مفردات الثقافة لا يضاف إلى الثقافة وحدها، وعلى الذين تتواصل معهم لحظة الصدمة والانبهار العودة إلى «التنمية البشرية والخصوصية السوسيوثقافية» و«العقل الأخلاقي العربي» للجابري، وهو الجزء الرابع والأخير من مشروعه المثير، و«المنهج الموضوعي: نظرية وتطبيق» للدكتور عبدالكريم حسن، و«محاولات في دراسة اجتماع الأدب» للدكتور نوري القيسي، و«التحليل الاجتماعي للأدب» للسيد ياسين، و«السوسيولوجيا والأدب» للدكتور قصي الحسين، و«سوسيولوجيا الأدب» «لروبيرا سكاربيت» ترجمة آمال عرموني، وإلى بعض مباحث «استراتيجية التسمية في نظام الأنظمة المعرفية» لمطاوع صفدي، و«النقد الأدبي والعلوم الإنسانية» ل«جان لوي كابانس» ترجمة د. فهد العكام، بل العودة إلى مكتبة خاوية على عروشها حول الواقعية الاشتراكية، والذي يحسم الخلاف ما وعته معاجم «علم الاجتماع» التي تناولت طائفة من المصطلحات التي عوَّل على بعضها صاحب المشروع بوصفها مبادرة وتجديداً وما هي من المبادرة والتجديد بقريب. والنقد الاجتماعي «السوسيولوجي» يحال إلى الثقافة تذرعا بعلاقة العموم بالخصوص، بحيث يطلق عليه «النقد الثقافي» ولو استغنى بمصطلح «السوسيو ثقافي» لما تغير في الأمر شيء، فعلماء الاجتماع وكتابه، لا يرصدون وحسب، وإنما يحللون، ويقومون، وذلك عين النقد، والقول ب«النقد الثقافي» إنما هو نظر لاهتمامه بمجموعة من البنى: الاجتماعية والدلالية والتفاعلية، على انه لا يكون جديداً بمجرد الإضافة إلى الثقافة، التي وسعت أشياء كثيرة، وهو إذ يحيل إلى النسقية الذهنية أو السلوكية، ينظر إلى النسقية البنيوية التي امتد القول فيها زمن الطوفان البنيوي، و«النقد الثقافي» بكل معطياته المفهومية لا يند بطائل، ولا يبرح المنجز «السوسيولوجي» الذي نجد بوادره في القرن التاسع عشر عند «مدام دي ستيل»، وقد التقط الخيط منها «الماركسيون» حين جعلوا الأدب مجرد «واقعة اجتماعية» وليس هنالك كبير فرق حين تحولت «الواقعة» إلى «نسقية»، وليس من شك ان هناك تداخلاً دائرياً بين «النسقية الثقافية» و«الواقعية الاجتماعية» وليس شرطا ان يكون هناك توارث ايديولوجي بين التصور الماركسي و«النقد الثقافي»، ولسنا نريد من وراء ذلك إلا اثبات ان «النقد الثقافي» قائم منذ أمد بعيد، مثله مثل «النقد الإسلامي» الوريث الشرعي «للنقد الأخلاقي» منذ ارسطو إلى اليوم، والذين تدق نظرتهم في تقصي اهتمامات «لوكاش» و«جولدمان» لا يجدون أدنى فرق بين «الواقعة» و«النسقية»، على ان الراصدين للاتجاهات النقدية لم يعطوا هذه الظاهرة كبير اهتمام، وبخاصة «رينيه ويليك» في رصده التاريخي والموضوعي والفني للحركة النقدية، و«ويليك» بهذه اللامبالاة يحيل إلى عجز هذا الاتجاه عن تقديم «أسس تتلاءم مع المشكلات الدينامية التي تطرحها الظواهر الأدبية الحديثة» «النقد الأدبي المعاصر ص38» وعلى المتابع المهتم ان يقرأ كتابي «آفاق العصر» و«زمن الرواية» لجابر عصفور ففيهما ترديد ممل لهذه التحولات، واستعادة لما رصده «رينيه ويليك» عن جغرافيا النقد، والنقد في القرن العشرين، وقد أشار من قبل «سمير حجازي» لقضايا النقد واتجاهاته وإلى مجموعة من النقاد «السوسيولوجيين» وإلى طائفة من أعمالهم وتحولاتهم، ففي ألمانيا «ميسهرج» ت 1916» وفي روسيا «بليخانوف ت 1918» وفي أمريكا «جرانفل ماكس» وفي انجلترا «كريستوفر كوريل ت1907م» الذي نقد «ثقافة الحضارة» الفردية والحرية البرجوازية، وقد يكون صاحب «النقد الثقافي» بتجريحه الجائر وغير المتزن وغير العلمي للنسق الثقافي العربي المتشعرن على حد قوله مقلدا غبيا ل«كوريل» ولن نمضي مع طبيعة التحولات النقدية المربكة ومحاولات «العوربة» و«الأسلمة» و«العلمنة» و«العولمة» والرهانات الرابحة والخاسرة، إذ لو مضينا مع ذلك لبعدت علينا الشقة، وإنما نكتفي باللمحات والإحالات لنؤكد ان «النقد الثقافي» مجرد رداء حوله اللابس من يمين إلى شمال، كما يحول «المستغيث» رداءه تفاؤلاً بتحول الحال، وهذا التشبع والتجشؤ من فراغ أوهم البعض بأنه اتيان بما لم تستطعه الأوائل. وكم أتمنى لم تقصى الراكضون وراء عجاجة صاحبهم ما كتبه «ويليك» عن ملامح التحولات النقدية، وما أفاض به سائر النقاد الماركسيين والواقعيين والحداثيين، وما وسعته معاجم المصطلحات الحديثة، وبخاصة معاجم المصطلحات النقدية وعلم الاجتماع وملفات المؤتمرات وحلقات الدرس الأدبي، إذ لو فعلوا ذلك لعرفوا ان التحولات لا تصل إلى مستوى المشاريع، ولست معترضا فيما أقول على تجديد التسميات، ولا على تنويع المجالات، ولا على المراوحة بين المواقع، وأملي ألا يكون المتقصون للحقائق ساذجين، ولا قابلين لمخادعة الساذجين، بحيث يصدقون ما يقال من ان الخلاف حول مشروعية التجديد والتغيير، فنحن مع التجديدات، ومع التغيير، ومع كل الاطروحات الأدبية والنقدية والفكرية، نستوعب، ونقترض، ونتابع بنهم كل جديد، ونبارك المستجدات، ونرى ضرورتها، ولا ندعي مبادرة ولا ريادة ولا مشروعا، ولا نميت، ولا نقترف خطيئة الازاحة لما هو قائم، ولا نكره أحدا على واحدية الاهتمام، وحين تفرز المشاهد الثقافية أو الأدبية أو الفكرية أو الدينية معارضين متشنجين للمستجدات فإن هذا لا يخول العابثين باسم التجديد حشر كل المتسائلين أو المتحفظين في قائمة واحدة، لشرعنة عبثهم، والإحالة الماكرة على أساليب المعارضة أو التحفظ وجمعها في سلة واحدة مكر يمكره الكائدون في مدينة الفكر والأدب ولكنه مكر ضعيف بائر، ولو ضربنا مثلاً بحركة التجديد الاقليمية التي اتخذها البعض شاهداً على المواجهة للتجديد وبالناقد المجدد «محمد حسن عواد» لألفيناه بين متحفظين على اندفاعه، ومجرِّمين لهذا الاندفاع، وليس من حق الراصد حشر الطائفتين في سلة واحدة، و«العواد» رحمه الله دعا إلى «السفور» و«العامية» و«النثرية» وهو ما لا يجوز الاتفاق المطلق معه عليه، ومع هذا فإن «الحداثة» التي هتف لها الفارغون لا تمت إلى مشروع «العواد» بصلة، إنها قول في «التفكير» وليست قولاً في «الفن» ولا يجوز تلويث سمعة المجددين. واعتراضنا لا يمتد إلى التناول من حيث هو، ولا يمنع أي أسلوب في التناول، وإنما هو على المغالطة والاتفاق الغبي، ف«الحداثة» ليست التجديد، ومن قال بذلك فهو جاهل أو متجاهل، «الحداثة» مشروع فكري لا يمت إلى التجديد بصلة، و«النقد الثقافي» ليس وقفاً على ضرب الثقافة العربية، والاعتراض يمتد إلى دعوى المبادرة والتجديد، والأثرة، وعلى إكراه الناس، وحملهم على اتجاه نقدي لا تربطه بالأدب رابطة، وعلى استدعاء مصطلحات لا علاقة لها بالأدب، وتصور اغنائها إلى حد إماتة «النقد الأدبي» القائم ما قام الأدب، وعلى تجميع الظواهر الاجتماعية، وتسميتها بالأنساق الثقافية المتشعرنة، لتبرير دعوى «النقد الثقافي»،. وكل هذه الابتسارات والاكراهات ليست بشيء إلى جانب «التشعرن» وما تستتبعه هذه الصيغة من مفاهيم جائرة لا تليق بثقافة الأمة وابداعاتها القولية التي وسعت جلائل الأمور، ولو ان المفكر الغربي أطل على الثقافة العربية من كوة «النقد الثقافي» وتطبيقاته الاقليمية لأثلج صدره ذلك التقزيم، وهو بلا شك سيطل، والعمل سيترجم إلى أكثر من لغة، وسيطبع أكثر من مرة على شاكلة رواية «الحزام»، لأنه يشفي صدوراً كثيرة، تود لهذه الحضارة ان تختصر في الخرافة والاسطورة والعامية والتشعرن والتفحلن، وحين لا ننكر تعرض الأنساق الثقافية لشيء من ذلك فإن هناك فرقاً بين التخصيص والتعميم، والنصيحة والتعبير، وما حواه الكتاب من قول عن الثقافة العربية وأنساقها، لم ينظر إلى خصائصها الربانية وما تتميز به من: شمول، واتزان، وأخلاق، وتوازن، وواقعية، وعالمية، وإنسانية، وإيجابية، ولم يستحضر الخيرية الباقية بانتظار نصر الله. والأسوأ من كل ما سبق التصور الخاطئ والفهم السقيم، وعدم وعي المتلقي بمآلات الاستنتاج، وإذا كان «لويس عوض» و«محمد مندور» و«عبدالمحسن بدر» و«عبدالمنعم تليمة» و«محمود أمين العالم» ومن قبلهم «حسين مروة» وسائر النقاد والمنظرين والمبدعين قد ركنوا إلى «الواقعية» بكل مستوياتها واتجاهاتها: الماركسية والاشتراكية والاجتماعية فإنهم استبطنوا «الجمالية الأدبية» واستطاعوا إحكام لعبتهم، أما صاحب «النقد الثقافي» فقد خسر مشروعية محاكاته، بدعوى موت «النقد الأدبي»، وقد ألمح د. سمير حجازي إلى بعض المحاولات المشابهة لمهمات «النقد الثقافي» بقوله: «إن محاولة الربط بين الفرع المبدع والجماعة والأثر هذا الثالوث لا يلتقي إلا في إطار الإبداع الفني أو الأدبي على المستوى السوسيو ثقافي» «ص48 النقد الأدبي المعاصر»، ولو ان «النقد الثقافي» وسَّع «الإبداع» و«الاجتماع» وتفاعلاتهما، وما يفرزانه من أثر يتشكل في ظله «النسق الثقافي» الحقيقي، وليس التوهمي، لكان رديفاً لا بديلاً، وهذا أقصى ما يملك الحصول عليه، أما الاستئثار فضرب في فجاج الوهم والتوهيم.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved