أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 15th January,2002 العدد:10701الطبعةالاولـي الثلاثاء 1 ,ذو القعدة 1422

الاقتصادية

شيء من المنطق
العبث الاستثماري: من المسؤول؟
د. مفرج بن سعد الحقباني
شهد الاقتصاد السعودي توسعاً ونموا كبيرا في أعقاب سنوات الوفرة الاقتصادية التي أعقبت ارتفاع أسعار النفط العالمية في بداية السبعينيات ولقد انعكس هذا النمو في صور متعددة كان أهمها النمو المتزايد في معدلات الاستهلاك بشقيه الخاص والعام مما ساهم في زيادة فرص الاستثمار المتاحة للمواطن السعودي، إلا انه نتيجة لعدم وجود نظام استثمار دقيق، ونتيجة لعدم وجود نظام سليم يعنى بالتخطيط الجغرافي للفرص الاستثمارية فقد شهدت مدن المملكة عشوائية لا مثيل لها نتج عنها تكرار في الأنشطة الاستثمارية وازدواجية غريبة في المحلات التجارية حتى أصبح من المحال التعرف على وقراءة مستقبل الفرص الاستثمارية في السوق السعودي، بل ان من المنطقي القول ان ما يحصل في شوارعنا ليس إلا ضرباً من العبث الاستثماري الذي لا يتوافق البتة مع مفهوم الحرية الاقتصادية التي تحرص الأنظمة السعودية على كفالتها للمستثمر السعودي والأجنبي النظامي، وفي هذا الخصوص ربما نجد ان من حقنا كمواطنين تهمنا مصلحة الوطن ان نتساءل عن المسؤول عن هذه العشوائية الغريبة التي ساهمت في خلق بيئة استثمارية أشد غرابة مليئة بالسلبيات التي لا تهدد أمننا الاقتصادي فقط ولكن أيضاً تعرض الأمن السياسي والفكري والاجتماعي للخطر الكبير، ولعل من أبرز السلبيات التي يمكن ان تنسب لهذه العشوائية الاستثمارية الخسارة الكبيرة التي تعرض لها المستثمر السعودي خاصة اولئك الذين كان لهم السبق في إنشاء المحلات التجارية حيث جاء الواقع مخالفا لتوقعاتهم السابقة نتيجة لزيادة عدد المنافسين وبدرجة فاقت حاجة السوق مما جعلهم غير قادرين على تحقيق أرباح تماثل ما كان متوقعا في السابق والذي بدوره أدى إلى عجزهم عن تنفيذ سياسات السعودة المنشودة ودفعهم في غالب الأحيان إلى اللجوء إلى التستر كإجراء ضروري لتلافي الغرق في بحر الخسائر الاقتصادية التي أصبحت الخيار البديل للتستر، إضافة إلى ذلك فإن عدم وجود التخطيط المنطقي للفرص الاستثمارية قد ساهم وبدرجة كبيرة في تحميل الاقتصاد الوطني خسائر كبيرة نتيجة لعدم القدرة على توجيه الأموال المستثمرة إلى فرص استثمارية أكثر ملاءمة لمتطلبات التنمية وحاجة السوق خاصة في ظل التسابق إلى تكرار الأنشطة الاستثمارية في المواقع الجغرافية المتشابهة. ومن هذه الخسائر الاقتصادية المترتبة على العشوائية الاستثمارية عدم قدرة المستثمر السعودي على تحقيق المزايا الناتجة عن خاصية اقتصاديات الحجم التي تتطلب مشاريع استثمارية كبيرة قادرة على خفض تكاليفها الكلية مع التوسع المستقبلي في الإنتاج، فقد أدى عدم وجود تخطيط سليم للفرص الاستثمارية إلى انتشار المحلات التجارية صغيرة الحجم ذات الإمكانات المحدودة مما يعوق توسعها المستقبلي واستفادتها من اقتصاديات الحجم المتاحة للمشاريع الاستثمارية الكبيرة، وإذا نظرنا إلى مجتمعنا بنظرة أكثر شمولية فإن بالإمكان القول ان العشوائية الاستثمارية قد ساهمت في خلق بيئة استثمارية ملائمة لبروز الكثير من المشاكل الأمنية والنظامية والاجتماعية والاقتصادية التي لا يتسع الوقت لسردها والتي ساهمت في اشغال وتشتيت جهود الجهات الحكومية ذات العلاقة وإلى زيادة كبيرة في أعباء الإنفاق العام، وأخيراً وليس آخراً فقد أدت العشوائية في تخطيط المدن والفرص الاستثمارية المتاحة إلى خلق صعوبات هيكلية أمام المحاولات الجادة لتوطين فرص عمل حيث أدى انتشار ظاهرة التستر إلى تحول قرار التوسع في الاستثمار والتوظيف إلى العامل الأجنبي الذي من دون شك سيسعى إلى جلب أقاربه وأبناء جلدته دون أدنى اكتراث بالمصلحة الوطنية في الوقت الذي اقتصر فيه دور المواطن على تأمين الغطاء النظامي لتحركات وتعاقدات المستثمر والعامل الأجنبي، وهنا يجب علينا القول بأن المواطن السعودي قد اتجه للتستر ليس لكونه لا يعي مصلحته ولا يستطيع تقدير آفاقه الاستثمارية ولكنه وجد نفسه مضطرا للتستر لكونه الخيار الوحيد الذي يكفل له على الأقل استرداد أصوله المستثمرة، وبالتالي فإننا مطالبين بصب اللوم ليس على المواطن الذي لا يعذر بالطبع ولكن على الجهات الحكومية التي أوجدت البيئة الاستثمارية الخالية من كل الخيارات باستثناء خيار التستر.
* أستاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الأمنية

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved