أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 16th January,2002 العدد:10702الطبعةالاولـي الاربعاء 2 ,ذو القعدة 1422

مقـالات

أريد حياته ويريد قتلي
نظرة إلى السلوك السياسي لتركيا الحديثة تجاه العرب
د. عبدالعزيز بن صالح بن سلمه
عندما ينضم عدد من الساسة الأتراك طواعية إلى الجوقة التي تعزف سيمفونية الكراهية، بقيادة شارون وأصدقائه، وآخرون موالون لهم من المتنفذين داخل وخارج الإدارة الأمريكية فإن ذلك ليس بالمستغرب. ولكن المستغرب هو أن يكون هؤلاء على مستوى من الوعي والنضج الفكري المستمد من تجارب التاريخ، والذي يؤدي في محصلته الأخيرة إلى إدراك أهمية إقامة علاقات تعاون وتفاهم بين تركيا والعرب، وتعزيز ما يربط بلادهم التي ابتليت بهم مع هذا الجزء من العالم الذي استسهلوا النيل منه ومن أمنه واستقراره بمبرر ومن دون مبرر. ولو تحقق كل ذلك في الماضي لكانت تركيا في وضع أفضل بكثير من الوضع الذي تجد نفسها فيه في الوقت الحاضر للأسف.
ويعجب المرء كيف أن الحكومات التركية المتعاقبة إلا فيما ندر سلكت سلوكا متناقضا مع ما تحتمه مصالحها ولسنا هنا في معرض إعطاء ساستها دروسا في كيفية خدمة مصالح بلادهم، ولكانت قد أسهمت في تعزيز بيئة إقليمية مستقرة يعمها السلام، بدلا من إضافة أعداء جدد يُضمون إلى قائمة أعدائها والممتعضين من سياسات حكامها.
وإذا ما نظرنا إلى تركيا، الدولة العريقة ذات التاريخ الحافل بالمآثر، خصوصا أثناء العهد العثماني، لوجدنا أن الدولة التركية الحديثة قد عملت كل ما بوسعها لتهميش ذلك التاريخ وأحيانا لطمسه وإزالته؛ وكأنه تاريخ يبعث على الخجل والاستحياء. ولذلك فلا يعرف العالم أي شيء تقريبا عن العلماء والأدباء والمبدعين الأتراك قبل الفترة الكمالية التي ألغت الخلافة العثمانية. أما الأسماء القليلة لمبدعين آخرين ذاعت شهرتهم في العالم، من روائيين ومخرجي سينما، فمعظمهم ممن فر إلى دول أخرى هربا، لا بسبب حرمانه من حرية الرأي وحسب، بل ومن القمع والاضطهاد، وأحيانا من التنكيل والتعذيب الجسدي.
أما العهد العثماني، فإسهامه في مجالات الفكر والأدب والفلسفة شبه مجهول، لأن الدولة الكمالية عملت على تغييبه عن الوعي الجماعي لشعب تركيا المسلم وغير المسلم، وأصابته بمقتل عندما ألغت الحرف الذي كان يدوَّن به، الحرف العربي. وأنا وإن كنت آسى على هذا العمل المضاد لمنطق العقل، ولمنطق التاريخ، فإنني أعجب أن دولة غير مسلمة مثل جمهورية جورجيا الواقعة شمال تركيا قد فرضت تدريس اللغة العربية في مدارسها الثانوية، لمعرفتها بأهمية هذه اللغة. اختار كماليو تركيا الانفصال عن ذلك التاريخ الحاضر في ذاكرة العالم، وكانت نتيجة ذلك وجود انفصام في الشخصية لدى الدولة التركية، جعلها تخلط بين الأمور، ولا تميز بين مصالحها هي ومصالح آخرين لا يعبأون بها، ويقومون هم بفرضها على شعبهم وبلادهم.
وإلا فكيف نفسر حرص الدولة التركية على خلق العداوات مع الدول المجاورة لها وتعميق وتأجيج المزمن منها مع جميع الدول المجاورة لها، بل والبحث عن آخرين من غير دول الجوار ؟ أليس غريبا أن نجد تركيا بسبب أخطاء ساستها المتكررة في خلاف مزمن يخبت أحيانا وينفجر في أحيان أخرى مع سوريا واليونان وأرمينيا وقبرص والعراق وإيران وبلغاريا ؟
والواقع أنني لا ألوم دول الاتحاد الأوروبي التي ازدرت ولا زالت تزدري التوسلات المتكررة للحكومات التركية وطلباتها الملحة للانضمام إلى ذلك الاتحاد. فكيف يتوقع الساسة الأتراك أن تقبل بهم وبعضوية نظامهم السياسي دول مهما قيل عنها تحترم الحريات الأساسية للإنسان ؟، حرية التعبير وحرية العبادة التي يضطهد من يمارسها في تركيا اليوم. كيف تقبل بنظام سياسي يُنَكَّل بجزء كبير من شعبه، بما يزيد على اثني عشر مليونا من الأكراد، ويحرمهم من أبسط حقوقهم، هم وأقليات أخرى تدوس الحكومة التركية على حقوقهم الثقافية والسياسية ؟ ويضاف إلى كل ذلك تخلف اقتصادي في مجالات الإنتاج الصناعي الذي أعتقد الكماليون أن بلادهم ستبدع فيه عندما قطعت أواصرها بكل ذلك التراكم الحضاري الذي ورثته عن الدولة العثمانية. ولم يبق لتركيا إلا الإنتاج الزراعي الذي ليس لحكوماتها فضل فيه، لأنه مصدر رزق غالبية أبناء الشعب التركي.
ولكن ما الذي يفسر السلوك السياسي العجيب لساسة تركيا ولمن يحركونهم من وراء الكواليس تجاه جميع الدول المجاورة لبلادهم، وحرصهم على افتعال الأزمات معها من دون مبرر ؟ أعتقد أن الإجابة على ذلك تكمن في أسباب لا علاقة لها بطبيعة العلاقات بينها وبين تلك الدول. وأرى أن لذلك أسباب أخرى تتعلق بصفقة مع الصهيونية العالمية وقواها المتنفذة في الغرب وفي داخل وخارج الإدارة الأمريكية، صفقة تم بموجبها شراء صمت تلك القوى تجاه ممارسات قامت بها الحكومات التركية في الماضي و تقوم بها في الحاضر أيضا.
أولى تلك الممارسات المجازر التي ارتكبتها الدولة الكمالية ضد الأرمن في بداية القرن الماضي، وتحديدا منذ عام 1917 م. وقد قام الأرمن في شتاتهم بحملات قوية ومنظمة لإدانة تلك الجريمة، واعتبارها جريمة ضد الإنسانية. وتمكنوا بعد سعي طويل وشاق من إقناع البرلمان الفرنسي قبل عامين بتبني وثيقة تعتبر المجازر التي ارتكبها القوميون الأتراك جريمة ضد الإنسانية، وهذه أول وثيقة تتبناها دولة غربية كبرى تساوي بين ما حدث للأرمن مع ما يسمى بالهولوكوست، أي جرائم الإبادة التي ارتكبتها ألمانيا النازية ضد اليهود. والمعروف أن ما يقض مضاجع يهود العالم هو مساواة أي معاناة بشرية تماثل أو تفوق ما تعرضوا له في التاريخ بما تعرضوا هم له في أوروبا. ولذلك فلا غرابة أن نجد قاسما مشتركا يشبه زواج المصلحة بين تركيا وإسرائيل. ولهذا السبب سعت القوى الصهيونية المتنفذة في الولايات المتحدة الأمريكية إلى الحيلولة دون تبني الكونجرس الأمريكي لوثيقة مماثلة، رغم قوة اللوبي الأرمني في تلك الدولة العظمى.
السبب الثاني يرتبط بما تقوم به الحكومة التركية من قمع واضطهاد ضد ما يزيد على اثني عشر مليون كردي، ويندر أن نجد له مثيلا في العالم. ولا يماثل ذلك القمع والتغييب السياسي والثقافي إلا ما تقوم به إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. ولذلك لم نسمع بإدانة أمريكية واحدة لتركيا تجاه هذا الانتهاك الفاضح لحقوق الإنسان. ولهذا السبب أيضا تعتمد الحكومة التركية على الخبرة الإسرائيلية في القمع والاضطهاد، وتدفع مقابل ذلك ثمنا يتمثل في اختلاق أزمات مع الدول العربية وابتزاز من يتعرض منها إلى أزمات مع قوى كبرى. وللحقيقة نقول أن محكمة العدل الأوروبية هي الجهة الغربية الوحيدة التي أدانت باستمرار هذه الجرائم ضد الشعب الكردي.
وثالثا وليس أخيرا سكوت الولايات المتحدة الأمريكية على تدخل الجيش التركي في قبرص. ومع أنه ربما يكون لذلك التدخل مبرراته إلا أن خشية الحكومات التركية من تضييق الخناق السياسي عليها في المحافل الدولية بسبب عدم التوصل إلى حل نهائي لتقسيم تلك الجزيرة جعلها تعتمد على النفوذ الأمريكي في استبعاد مناقشة الملف القبرصي من أعمال المنظمات الدولية.
وبعد كل ذلك، هل يستحق هذا الثمن البخس الذي تتقاضاه الحكومة التركية كل هذا الخضوع المهين لقوى لا تريد الخير لتركيا ولمن تفتعل الأزمات معهم ؟
* * *
بمناسبة اكتشاف حقيقة أن الذي بنى قلعة أجياد هو الشريف سرور بن مساعد وليس الدولة العثمانية، نقول لوسائل إعلامنا، وإلى مؤرخينا وخبراء العمارة التاريخية والآثار لدينا: هنيئا لنا بهذا الاكتشاف المتأخر الذي نشر في طيات صحفنا المحلية. حقيقة مثل هذه كان يجب أن تُبرز في وقت مبكر، في الصفحات الأولى لصحفنا وبالعناوين العريضة. ويبقى أن على وزارة الخارجية تزويد كافة سفارات وممثليات المملكة في الخارج بجميع البيانات المتكاملة المتعلقة بهذه الحقيقة، لتبعث بها إلى وسائل الإعلام وكل من يتصل بها للاستفسار عن هذا الموضوع. ويجب كذلك وبشكل عاجل تزويد الأمانة العامة لمنظمة اليونسكو وكافة الوفود الدائمة لدول العالم لدى المنظمة بتلك الحقائق ليتم فضح الادعاءات الكاذبة التي استهدفت المملكة.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved