Thursday 17th January,200210703العددالخميس 3 ,ذو القعدة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

ثقافة المعارض الفنية 2 - 3
مناهج التعبير
أ.د كمال الدين عيد

منهج ووسائل التعبير
في المنهج تكون «القطعة الفنية، أو الموضوع المعروض هي المشهد أو المَعْلمْ sight الصادق غير الوهمي الذي يكسب المتفرج ويقوده إلى الاقتناع والإيمان الراسخ. فحجم القطعة ولونها وثقلها والمادة المصنوعة منها إلى جانب صناعة الفنان وتعامله مع كل هذه العناصر تلعب دورا أساسيا في وسائل التعبير. صحيح أن المساحة والشكل ولونية مكان العرض للقطعة من الأهمية بمكان باعتبارها خادمة للحقيقة الموضوعية المحسِّية وبوصفها أشياء مادية مُحسَّة ظاهرة للعيان، لكن الائتلاف بين المشهد المَعْلَمْ وبين كل من المساحة والشكل ولونية مكان العرض هو الطريق السليم لمنهج ثقافة المعرض أولا وأخيرا، على اعتبار أن عنصر المساحة والحضور الجماهيري يكُوّنان معاً في اللحظة الواحدة التأثير المتبادل المطلوب إثارته وتحقيقه في أي من معارض الفن التشكيلي.
إنه من الأهمية بمكان الانتباه الى التأثير الحسي الذي تثيره الصورة وموضوعها وحجمها ولونها. كما أن العنوان للقطعة الفنية أو الكتابة ما فوق اللوحة بكل ما يحمله من وسيلة يصبح هو القرينة الفاعلة. لكن كلما كانت الكتابة مختصرة ومعبرة عن هدف المعرض وأغراضه، زاد ذلك من درجة التأثير. فالتوغل في الكتابات قد يقود الى تفرعات أو انحرافات في الفهم والمقصد من شأنهما تتويه المتفرج الى أفكار مُعقدة أحيانا.
فاللون والنور كعنصران من عناصر التكوين في المساحة والزمان موجودان في موكب المعرض، كما هما مؤثران في عمليتي الفهم والتأثير. فبايقاعهما وما يخلعانه من انسجامات أحيانا وتضادات أحيانا أخرى يصبحان كأي بناء شاهق في المعمار. فالنور لا يعني فقط إضاءة القطع الفنية في المعرض قَدْر ما هو كشف وإبداء للعيان والمشاهدين exposure للفكرة والمعرفة. كما أن اللون بديناميكيته ودوره الشعوري لا يقف عند هذا الحد أو هذه الوظيفة بقدر ما يكون قوة تعبيرية مستقلة . لعل وجود نظريات THEOREMS وقواعد للألوان في المساحات يكشف عن تأثير اللون في فنون مجاورة تشارك في تصميم المعارض كفنون المعمار والزخرفة والتشكيل. إن أدق لحظات العرض وأكثرها دقة وحساسية هي لحظة إبداع التناسق والانسجام بين ألوان المعروضات «وكل قطعة ذات لون على حدة» وبين تكثيف اللون العام في المعرض.
ويلعب اللون كحقيقة تركيبية مع المساحة والنور الدور الثاني في تصميم المعارض، ليكشف ويمس أهداف المعرض الأساسية . وعلى هذا تتجسد المعروضات للناظر عبر عناصر ثلاثة، النور وتنظيم الألوان وما ينتج عنهما من قوة التكثيف.
المعروضات المتحركة
أحيانا ما تستعمل معارض الفن التشكيلي في العصر الحديث القطع الفنية المتحركة التي تدور أمام الناظر لاستكشافها من كل الجوانب «قطع النحت والمطروقات الحديدية»، تعتمد هذه الطريقة على الحركية الهدفية ذات المقصد، وتؤدي الى عكسية الموقف، بمعنى أنها تستبدل حركية المتفرج في المعرض لتحيلها الى القطعة الفنية المتحركة. صحيح أن دوران القطعة الفنية يوفر للناظر معلومات أكثر ورؤية أوسع مدى، لكن هذه الحركية البطيئة في غالب الأحيان تعطل من أحاسيس المشاهد الخاصة به أمام ميكانيكية العرض لأنها تقطع عليه الزمن للفحص والتدقيق. في أحد المعارض السويسرية جاءت كل المعروضات على ماكينات متحركة. فماذا كانت النتيحة؟ هَدَفَ المعرض عرض الأخطار على المجتمع السويسري . معروضات من الحديد المطروق تلف وتدور. المعروضات تصلصل مُحدثة قعقعة وأصواتاً، تتحرك في جلبة وضوضاء، وتُحدث تأثيرات ميكانيكية ولا أكثر، بعيدة بعيدة عن الأهداف الاجتماعية التي أقيم المعرض من أجلها.
أصوات تصاحب المعارض
ظهور كلمات حية وبروزها في معرض من المعارض ليس من الأهمية بمكان، وهو ما تلجأ اليه بعض معارض الفن التشكيلي للإيضاح. من إحقاق القول أن نذكر أنها تقرّب من المعنى اللفظي وهدف القطعة الفنية، لكن الكلمة هنا ووسط عرض الفن التشكيلي تكون عاملا مساعدا لا أكثر يأتي في مرتبة متأخرة.
تأثيرات موسيقية، ومؤثرات صوتية
تمثل المصاحبة الموسيقية جزءا هاما في المعارض الفنية. وهو تقليد قديم في تاريخ المعارض في العالم. ولعل فن السينما باستعماله للموسيقى التصويرية يشبه المعارض في هذا المجال، مع الفارق الكبير في أن إشراك الموسيقى عند الفيلم في المشاهد الذي تبحر أحاسيسه في تركيز على موضوع الفيلم عادة ما يُولّد تأثيرا معينا. ويصبح الأمر بالعكس في حالة معارض الفن التشكيلي، فإن طبيعة وخصيصة المعرض CHARACTER المكوّنة من أقسام وأجزاء ذات منابع وأصول ومصادر متعددة تحول دون التأثير الموسيقي في المعرض التشكيلي.
أما المؤثرات الصوتية فتأثيرها ترابطي ASSOCIATIVE بمعنى تعلّق التأثير بتداعي المعاني أو الخواطر . فصوت آلة كاتبة يوحي ترابطيا بمؤلف يكتب قصة أو رواية. مثل هذه القرقعات والطقطقات المتوالية CLICKS تقود الى إيقاع موسيقي قد يفيد في تعبيرات محددة. دخول مشاهدي المعرض وسط مؤثر صوتي لتغريد طيور تتحرك كما يتحرك المشاهدون واقعيا . لكن تغريد الطيور صورة حركية في الشعور، كثيرا ما تتقابل مع مشاعر زوار المعرض لتؤدي الى تطابق وانسجام في المشاعر.
الرسم البياني
إن رسما بيانياً في بداية مدخل المعرض يفيد في توجيه حركة المشاهدين. صحيح أنه يكون بمثابة الدليل الى الطريق في أول لحظات المشاهد. لكن ما يحققه هذا الرسم أكثر بكثير من دلالة الطريق. كيف؟ إنه بداية عملية اتصال المشاعر بين المُشاهد والمساحة في مكان المعرض. وهو المُعِدُّ لاتجاه حركة المشاهد، ولتجهيز أحاسيسه تجاه أولويات المعروضات، وبكل ما يتصل ويتعلق بأفكاره.
وتطّرد عملية الاتصال الشعوري هذه لتتلاقى مع ما تلمسه قدما المشاهد المتحرك في المساحة والفضاء. نوع المشّايات التي يسير عليها. هل هي خشنة؟ أم ناعمة ملساء مريحة؟ الصوت الناتج عن خطوته ومشيته؟ هل هو لا يسمع؟ أم صوت أجش منغّر؟ هذه وتلك مُحركات شعورية لها دلالاتها في النشاطات العقلية تحت عتبة الوعي مباشرة SUBCONSCIOUS . فالحركة للمشاهدين على سجاجيد في طرقات المعرض وممراته، غير الحركة على أرض من الرخام، غير الحركة على أرض خشبية، وتأثيرات كل منها مختلفة بطبيعة الحال.
الخبرة البصرية
طبيعي أن لكل مشاهد في المعرض التشكيلي رغبة في الاتصال الحسي والمعرفي. ويتم تحقيق هذه الرغبة عبر الاطلاع ورؤية الأعمال الفنية المعروضة، وهي الحقيقة الموضوعية الماثلة في المعرض، وهي هي نفسها المثير والحافز والمنبه STIMULUS لحب الاستطلاع، وهي التي من خلالها يمكن تحقيق خطة وأهداف المعرض. لذا فإن علاقة وسيلية تكتيكية من الواجب إنشائها بين الخبرة البصرية، والاتصال بمعنى الاحتكاك والتلامس «اتصال بين مُوصّلينْ يجري خلالهما تيار ما». ومن المنطقي بعد ذلك أن نقول أن لكل انسان القدرة على بدء الاتصال مع اعترافنا بتفاوت القدرات الشخصية ولكن المهم أيضا هو العثور على الطريق الأمثل للعملية الاتصالية ونتائجها. يبدأ الاتصال برغبة المشاهد لزيارة المعرض، أو برغبته في قضاء حاجات جمالية معينة تسعدُ لها النفس التواقة الى الجمال، وكلها أهداف اتصالية معرفية وثقافية ، ثم تنتهي الزيارة بتغيّرات نفسية وأخلاقية وفسيولوجية أيضا.
هذه الرحلة من البداية الى النهاية على ماذا تُدلل؟
لعلها ترفع من القيمة المثالية العالية لفن المعارض التشكيلية وأهدافها الإنسانية. فالمعرض ليس صورة فوتوغرافية «حتى وإن كان معرضا للصور الفوتوغرافية» . والمعرض ليس شريطا أو فيلما سينمائيا من الصعب معرفته معرفة واقعية. فالمعرض التشكيلي تصميم في المساحة والزمان «مكاناً وزمناً» ، وحركة ديناميكية مصاحبة يتقاسمها الفنان منظم المعرض من ناحية، والمشاهد من ناحية أخرى. ومنطقي أن يكون من الصعب جدا قياس التأثير مقدما أو التكهن بالنتائج مسبقا بحكم تشابك وتعقيدات الأشكال والألوان والمساحات والزمان.
ومن كل ما تقدم نقول، إن إعداد معرض للفن التشكيلي في العصر الحديث، ومن ثمّ نجاحه مرهون بالإعداد النظري العلمي والثقافي، فهما القناتان العصريتان لحل مشكلات المعارض، وبعيدا عن تقليديات وموروثات ، تكون الخبرة أو التجربة القديمة عاملا أساسيا في تصميم المعرض وتنفيذ خطواته الإعدادية والعرضية «صورة العرض النهائية».

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved