Monday 28th January,200210714العددالأثنين 14 ,ذو القعدة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الجرائم الإسرائيلية.. ومظلة الصمت
د. أحمد عبدالحليم الروسان

بعيداً عن الجدل الذي تثيره العمليات الفدائية الاستشهادية، فإن الصمت الذي تواجه به عمليات القتل والتدمير التي تقوم بها القوات الاسرائيلية، يطرح عدة تساؤلات: ماذا تريد المؤسسة الاسرائيلية بأعمالها التي يصمت عليها العالم مع انها تتنافى مع كل الاتفاقات والمواثيق والاعراف الدولية، وهل الشعب الفلسطيني هو الهدف الوحيد الذي يراد تحقيقه؟ واذا كان ثمة مايُكره الغرب على الصمت، فهل من مبرر للصمت العربي والاسلامي؟
إن الاجابة على هذا التساؤل تقتضي الرجوع الى ما أفرزته احداث عام 1967م من مواقف لعل ابرزها اعلان الأمة العربية رفضها التفاوض او الصلح او الاعتراف ب«اسرائيل» واصرارها على استعادة حقوقها المغتصبة، هذه الوقفة كانت بمثابة الزاد الروحي والعسكري للمقاتل الفلسطيني واعتبرت يومها ردا على ما قاله وزير الحرب العدو موشيه دايان: انني عائد الى مكتبي بانتظار ان يرن جرس الهاتف يحمل اليَّ استسلام العرب..
ولأن هذه الوقفة أفرغت انتصار العدو من مضمونه الفعلي، فقد بدأ استعداداته لحرب جديدة غايتها تحطيم الصمود العربي، وهو ماتحقق فعلا عام 1973 يوم فوجئت امتنا بيد عربية تصافح هذا الكيان رغم كل ماقيل عن الانتصار العسكري والنفسي، حيث تم له وللمرة الاولى اختراق الجبهة العربية الواحدة.
ولأن نتائج تلك الحرب لم تنه الوجود الفلسطيني المقاوم وحتى لاتظل المقاومة عقبة امام حلم بإقامة «اسرائيل الكبرى»، تحركت القوات الاسرائيلية بثقل لم تشهده جبهات القتال مع الجيوش العربية من قبل.. فكان اجتياح لبنان عام 1982 اختباراً لمدى جدية التضامن العربي والمؤسسة الاسرائيلية تحتل اول عاصمة عربية، هذا الاجتياح لم يقابل بالصمت العربي والدولي فقط بل وبالاصرار غير المبرر على الخروج الفلسطيني من لبنان وتكميم البندقية المقاتلة بترحيلها بعيدا عن خطوط المواجهة..
ومع احداث الكويت، كان مؤتمر مدريد، وكان الاصرار على ان لايتمثل الشعب الفلسطيني بوفد مستقل «بزعم اسرائيلي ان لاوجود للشعب الفلسطيني» الا ان التحرك الفلسطيني الذي تمثل بانتفاضته الاولى عام 1988 اي قبل مؤتمر مدريد فرض على الكيان الاسرائيلي الاقرار بالوجود الفلسطيني عبر اتفاقات اوسلو وما تبعها، الا ان العدو افرغ ما سمي بالحكم الذاتي «وحقيقته حكم الاداري» مما يعنيه هذا الحكم، اذ جعل منه مطية لتسريع وتيرة الاستيطان.. الى ان اعلن وبلا مواربة اطماعه الآنية ان لاقدس ولا عودة للاجئين ولا عودة الى حدود الرابع من حزيران.. مستغلا الصمت الذي قوبلت به مناوراته السياسية مما فجر الانتفاضة الثانية.. ولم تكن زيارة شارون للمسجد الاقصى المبارك غير الصاعق لقنبلة الغضب الفلسطيني الذي ولد وما زال يولد كل يوم انفجارات رهيبة تكتوي المؤسسة الاسرائيلية بنارها صبح مساء..
ولكن هذا كله لايعني ان ماتقوم به اسرائيل هو ردها على نتائج العمليات الفلسطينية حتى وان كان الثمن فادحاً فدلالات العمليات الفدائية «تحت مظلة الانتفاضة» هي اشد ايلاما بالنسبة للعدو من النتائج:
1 فالعمليات الفدائية اسقطت جملة الاكاذيب التي الصقت بالشعب الفلسطيني بزعم انه الذي باع أرضه التي كانت في مرحلة سابقة سبباً في أن الشعب الفلسطيني وجد نفسه وحيدا حتى في ساحة امته.
2 ان هذه العمليات التي ارهقت العدو وأرعبته هي صرخة فلسطينية متجددة بأن الشعب الفلسطيني لم يمت ولن يسقط حقه، كما انها تمثل نورا يراه المواطن العربي والمسلم في نهاية النفق المظلم..
3 ان العمليات الفدائية التي تجسد مبدأ ما أخذ بالقوة لايسترد الا بالقوة.. تعرّي مناورات العدو الذي استمرأ العمل السياسي سبيلا لتمييع القضية الفلسطينية كقضية شعب ووطن.
4 أكدت العمليات الاستشهادية ان لا أمن للاسرائيليين طالما لايقر الاسرائيليون بحق الشعب الفلسطيني بالأمن والحرية واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وان سياسة الحصار والتجويع والقتل والتدمير قد تزيد من عذابات الشعب الفلسطيني الا انها لن ترغمه على الاستسلام.
لقد اعلن سفاح اسرائيل شارون، ومن قبله باراك، انه لن يسمح للعمل الفلسطيني ان يسقط ايا من اهدافه الصهيونية في الشرق الاوسط، ومن يطالع كتاب هذا السفاح ومن يراجع سيرته العسكرية يدرك ان اقامة اسرائيل الكبرى هي في قمة اهدافه.
من هنا يمكن لكل عربي ومسلم ان يدرك ان اهداف العمليات العسكرية والمناورات السياسية والاجراءات الاستيطانية لايراد بها الشعب الفلسطيني وحده، والاستيلاء على بيت المشرق وغيره من المؤسسات الوطنية، لايراد بها هذه المؤسسات ومحاصرتها ففلسطين كلها محتلة، كما هو الحال بالنسبة لوضع حجر الاساس قاعدة لما اسموه بالهيكل في ساحة المسجد الاقصى «وان ازاحوه مؤقتا» ولكنها خطوات اريد بها:
1 معرفة رد الفعل العربي الاسلامي، وما اذا كان باستطاعته التقدم خطوة اخرى نحو اهداف اكبر كتهويد المسجد الاقصى المبارك او اعادة احتلال اراضي تشرف عليها السلطة الفلسطينية.
2 الامعان في تمزيق مفهوم القضية الفلسطينية كقضية شعب ووطن وتحويلها الى نزاعات متفرقة كما هو امر المستوطنات والجيب الاسرائيلي في الخليل والمياه والمعابر، تنصب من حولها الجهود الرامية لتحقيق مايسمى بالسلام. واذا كان العدو قد اكره على القبول بمفاوضة السلطة الفلسطينية حتى قبل ان يتحقق شرطه بوقف المقاومة، فإن هذا لايعني ويجب ان لا يعني ان المؤسسة الاسرائيلية سواء قادها شارون او غيره، قد اسقطت اهدافها، فليس هناك مايعيق العدو عن التراجع عن مواقفه المعلنة، ولعل غايته من الموافقة في الوقت الحاضر قطع الطريق على اية محاولة يمكن ان تستهدف تدويل الصراع بفرض مراقبين دوليين حتى وان كانت مثل هذه المحاولة محكوماً عليها بالفشل بسبب «الفيتو» الامريكي الجاهز لاستخدامه عند الطلب. ان العدو يتطلع الى ما وراء اغتصاب فلسطين واخضاع الشعب الفلسطيني، وما من عربي او مسلم الا ويعرف حدود هذه التطلعات.. وعلينا ان ندرك ما وراء الاعلان الاسرائيلي بان الحفريات الاخيرة في هضبة الجولان قد اثبتت كما يزعم الصهاينة ان لليهود جذورهم العميقة في الهضبة السورية المحتلة، ولا نعتقد ان المؤسسة الاسرائيلية التي تستغل الصمت العربي والدولي، ولا تجد في مواجهتها سوى الحجر المقاوم والبندقية المقاتلة واجساد الشهداء الذين هم قنابل موقوته، يمكن ان تتوقف عند حد معين. ان التعاطف اللفظي مع الشعب الفلسطيني لم يعد يكفي في مواجهة عدو شرس يراهن، وهناك غيره من يراهن، بان الشعب الفلسطيني لن يقوى على الصمود الى مالا نهاية ولعل هذا مايفسر الرفض غير الاخلاقي لارسال مراقبين دوليين الى فلسطين.. واذا كانت المواقف الرسمية لبعض من بيدهم القرار العربي تصر على التزام الصمت لسبب او لآخر وهو مايعني ان لا فائدة من اجتماعات لا تجد القرارات الصادرة عنها سبيلا الى التنفيذ، فان الأمة العربية والاسلامية قادرة بإذن الله على ان تفرض ارادتها وتسترد حقوقها وتحمي مقدساتها.. ان هي ارادت ذلك وسعت اليه حقيقة ولن يكون امام قوى الشر إلا ان تخضع لارادة الحق، ولكن عندما يعلو صوت الحق من اصحاب الحق.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved