Thursday 31th January,200210717العددالخميس 17 ,ذو القعدة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

نهار جديد
لغة الوحدة العربية
عبداللّه سعد اللحيدان

لدينا هويّة عربية واحدة، وتكمن في اللغة الفصحى الثابتة على الرغم من كثرة ما مرّ بالعرب من متغيّرات وأحداث طالت الأشكال والمضامين.
بقيت هذه اللغة أصيلة، ومع كل ما تحقّق من إضافات وتطوّرات ومثاقفة مع ما لدى الأمم الأخرى ومن تفاعلات متواصلة مع المستجدات المختلفة، وعلى الرغم أيضا من الشتات العربي «اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وفكريا» الذي أصاب بسلبياته كل شيء عدا فصاحة هذه اللغة التي هي الإطار العام للهويّة الواحدة .
هذه اللغة هي الجامعة الحقيقية والثابتة للأمة العربية، التي حضنت وحدتها وجوهرت وحافظت على كيانها العام، والتي تعدّ الشيء الوحيد الذي يتمتع بإجماع تام واتفاق لا لبس فيه، وإذا لم نلتفت للدعوات الغريبة من بعض الشعوبيين ودعاة العاميّة ودعاة الانفصال تحت غطاء العودة إلى أصول غير عربية واقليمية انعزالية ضيّقة .
أصبح الانتماء إلى هذه اللغة الفصحى من الضرورات البديهية لدى كل عربي، وكما هو موجود لدى كل الأمم السويّة، وعلى الرغم من حالات الانفصام الحاد بين معظم الشعوب العربية بفعل الخلل الفاضح في قوانين التوازن الاجتماعي الذي يجعل كل ما قيل ويقال عن روابط أخرى غير هذه اللغة يمكن أن يكون أساساً لوحدة الهويّة فجرّد أحاديث للاستهلاك الإعلامي ولدغدغة بعض العواطف الساذجة.
وتوجد أسباب أخرى لها أهمية بالغة في استبعاد ما عدا اللغة في قضية الهويّة هنا بالذات، كالعرق الذي دخل فيه كثير من الناس المتحدّرين من أعراق أخرى وعبر عصور متعدّدة وطويلة، واختلاف العرب فيما بينهم في القناعات والأفكار والتوجّهات والظروف، وكثرة هذه الاختلافات إلى درجة لا يمكن معها أن تنتظم في خيط واحد لتنوّعها وتعدّد مصادرها وأهدافها وتناقضها أيضا، ولوجود حدود جغرافية واضحة على الرغم من الاتصال الجغرافي «ظاهرياً» ، وبفعل التاريخ المشترك الذي ارتبط ويرتبط بهذه اللغة في الوقت الذي تفتقد فيه اللهجات العامية المختلفة في البلاد العربية أي شرعية تاريخية أو دينية، وكون وجود هذا الكمّ الكبير من اللهجات المختلفة والمتعددة حتى داخل القطر الواحد انعكاساً لحالة الفرقة والشتات والتمزّق ، وعدا عن كون هذه اللغة هي الشيء الوحيد الذي لا يمكن توظيفه في سبيل الصراع على المصالح والمواقع الشخصية أو الإقليمية، وكونها مما لا يمكن اتخاذه غطاء للتدليس والإيهام، وهي التي لا تمثل مبرّرا لمن يمتلكها لكي يكون صاحب الحقيقة الفكرية، ولا يمكن أن تحتاج إلى دعم دستوري لإثبات مشروعيتها ولا إلى منطلقات فكرية أحادية تفرضها أو تقنع الناس بها، ولا إلى وجاهات اجتماعية تبرّر قوّة حضورها.
بقيت اللغة العربية الفصحى في الآثار القديمة والحديثة للثقافات والفنون ، مؤكدة أنها قامت وقادرة على مواصلة القيام بدورها الذي يتخطى الحواجز المصطنعة والخصوصيات الاقليمية المؤقتة والتعدد الفكري وصولا إلى المشترك العربي العام ودعماً له وحفاظاً عليه والذي سوف تشتد الحاجة إليه في مواجهة ما يمكن أن ينجم من سلبيات عن العولمة القادمة التي قد تطال القوميات والهويات والخصوصيات. هذه اللغة الفصحى لا تدّعي انها الغاية وقائد الوعي بل الوسيلة الرائدة لتجديد الوعي وتأصيل الهويّة وممارسة المثاقفة من هذا الفضاء اللغوي المفتوح، من خلال شموليتها وامتدادها التاريخي وتعاليها على تقسيمات الظروف والبيئات وارتباطها بالبعد الحضاري ورسوخها في العاطفة والوجدان وقناعة الإنسان بعدم جدوى وجوده الحضاري بدونها .
سجل الناس انتماءهم إلى الأمكنة أو الأعراق أو المذاهب، وهذه انتماءات فرعية لا يعارضهم أحد في ممارستها، ولكن على أن لا تتعارض هذه الانتماءات الفرعية مع الانتماء الأصل إلى اللغة الهوية وإذا كان صاحب الانتماء الفرعي ما يزال معترفا بانتسابه إليها، كونها الأصل الذي يمتلك أرضية حضارية ضاربة في أعماق الإنسان وتاريخه وحضارته، وهي التي لم تخنه أو تكذبه يوما ولم تقصّر في تلبية حاجاته المادية والروحية واستطاعت مواكبة كل المستجدات واحتضنت التراث المتنوّع والصامد الوحيد أمام الانقسام والعنصرية الاقليمية ومحاولات الانسلاخ، عدا عن كونها من يملك قدرة الوعي بالثقافة وتجاوز الأزمنة والأمكنة والاختلافات الفكرية، ووسيلة التفاهم الباقية في عصر سوء التفاهم .

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved