Thursday 14th February,200210731العددالخميس 2 ,ذو الحجة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

نهار جديدنهار جديد
لثقافة تغيير لا تفسير
عبدالله سعد اللحيدان

لا نكتفي من الثقافة «بعامّة» ومن الإبداع «بخاصّة» بمجرّد محاولات وصف وتفسير أو شرح وإيضاح بعض الظواهر والأحداث والأفعال والأشياء، ولا نرضى بمجرّد الحصول منها على محاولات سطحية لملامسة الوعي والمعرفة من الخارج، حتى ولو كانت هذه من خصائص بعض أجناسها، بما أنها ليست كل ما لديها من خصائص وامكانيات بعد أن تأكدت صحة نسبها إلى الثقافة والإبداع والوعي والمعرفة، وحتى ولو لجأت إلى الانكفاء على محدودية بعض خصائصها واقتصرت على بعض امكانياتها في فترة ما من حياتها وبفعل خضوعها القسري لظروف زمانية أو مكانية أجبرتها على الاقتناع المؤقت بالقيام ببعض أدوارها، والتي ما إن تنتهي هذه الظروف حتى تعود إلى موقعها لتنطلق منه في سبيل ممارسة وجودها والسعي نحو تحقيق أهدافها التي وجدت من أجلها ولتقوم بمهمتها الحقيقية والتي من أوليّاتها دعم البنية الثقافية للإنسان ومجادلة وعيه وتشكيله وتغييره، وفيما هي تتجاوز مجرد الحفظ الأرشيفي والاستعادة والوصف والتفسير والشرح والإيضاح إلى التجاوز والإضافة والإبداع والابتكار والخروج بمنتجات جديدة الشكل والمضمون، واستنباط بُنى جديدة ومعلومات وأنساقٍ وسياقات أخرى ومغايرة ولا يربطها بالسابق سوى بعض المواد الخام، وعندما تنتهي صلاحية البُنى والمعلومات السابقة أو تفقد جدواها أو تأثيرها وبعد أن تكون المنتجات السابقة قد استهلكت بما يكفي زمانها ومكانها وظروفها وتشتد الحاجة لمنتجات جديدة ومناسبة.
تأتي هذه الدعوة التجديدية كردّ فعل قوي وسريع وطبيعي على القوى التي مارست في ظرف مؤقت سابق محاولات تثبيت هذه الحركة الثقافية والإبداعية ووقفت في وجه تطورها وتحديثها، وعندما تستعيد وعيها الكامل بمسؤولياتها الإنسانية، و تزاوج بين القول والعمل والمعرفة والتجديد الواعي وتدرك بأنها سلوك يجب أن يتعايش مع الواقع ويؤثر فيه من حيث تمثيلها لكل فئات الناس وقضاياهم بما هم سواسية لا يمكن لفئة واحدة منهم «فقط» أن تدعي أنها مركز الحضارة وعقل التاريخ أو نهايته، وفي حين تُقدّم من ضمن ما تُقدم، بما هي ثقافة وإبداع إعادة قراءة للحضارة الإنسانية في مسيرة وعيها بالحرية، وتعي أنّها رائد يحاول توجيه الواقع نحو تطورات المستقبل الآتية، وفيما تمارس رداً معرفياً حياً وصادقاً وجذرياً على من يمارس الثقافة أو الإبداع على أنهما تفسير فقط، لكي يصبحا تغييراً، وحيث لا تكمن المعرفة ولا الوعي إلا في تحولاتهما، وعبر الانطلاق وفي كل مرحلة من الصفر، كنقطة بدء ميلاد ثقافي وإبداعي جديد يُنتج معرفة جديدة، ودون الاستسلام لمرجعية أطروحات استهلكت وكان الهدف منها تكريس واقع ثقافي وإبداعي ثابت يبحث عن المعرفة الخارجية خارجة مُستلباً ومرهوناً لمحاولات سطحية لا تتجاوز طموحاتها مجرد ملامسات بائسة ويائسة لوصف الأشياء وتفسيرها فقط.
الثقافة الحقيقية والجديدة الآن، وكذلك الإبداع، لديهما وعي وإدراك، إنهما في مرحلة خطرة زادت من خطورتها حدّة تداخل الثقافات، واتّسم هذا التداخل الآن بما يمكن أن يوسم «بالهيمنة» لتصبح الكلمة الأولى والأخيرة للأقوى اقتصادياً وعسكرياً وليست للأقوى ثقافياً وعمقاً معرفياً، وهو التحدي الذي يواجه الآن ثقافة وإبداع الإنسان المعاصر، مثلما يواجه القوى المحيطة التي تحاول سلبه ما تمنحه إياه إنسانيته من مكتسبات، ومثلما يواجه محاولات الخلط بين مفاهيم تتكدّس أمامه، كالخلط بين ثقافة العولمة وعولمة الثقافة، وثقافة القطب الواحد، وازدواجية المعايير والمكاييل، ومحاولات أخرى تهدف إلى جعل الثقافة الإنسانية «وبكل أجناسها» في خدمة الاقتصاد الاستهلاكي «وليس الإنتاجي»، ومحاولات صنع نموذج مفرد للإنسان الجديد وسقوفاً محددة ونهايات واضحة لتاريخه وحضارته ودعم وتنمية طبيعة الاستهلاك السريع ودفعها لتكون في مواجهة الثقافات والأفكار، والمراهنة على قدرة العلم المادي والتقنية على غزو العالم والسيطرة عليه والوصول الفائق السرعة إلى أبعد نقطة فيه، ومحاولات امتطاء العقول العملية الوصفية غير القادرة على التأمل والبحث ودون مراعاة لوجود كثير من الاختلاف بين الناس والشعوب والأمم، ثقافياً وحضارياً واقتصادياً وسياسياً وجمالياً وارتباط كل منهم بهويته.
تنطلق ثقافة الوصف والتفسير «فقط»، من الكمّ الهائل من المعلومات والتقنية المادية التي تملكها، وتستمد قوتها وشرعيتها منها، وتكتفي بما لديها من معلومات أرشيفية لا يتجاوز طموحها ولا قدراتها مجرد تفسيرها، فيما تقف الثقافات الحقيقية في مواجهتها، دفاعاً عن الجانب الحضاري الإنساني والجمالي وعن القيم الإنسانية العادلة، منطلقة من كلّ ما هو عدلٌ وخيرٌ ومدعومة بسمو مبادئها المتأصلة في جوهرها الإنساني ومستمدة التزامها من ذاتها الإنسانية وضميرها الحي وماهيتها التي تتكامل مع طبيعة الأشياء وإن تعارضت مع بعض مظاهرها الذي يفرضه الواقع المحاصر.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved