Thursday 7th March,200210752العددالخميس 23 ,ذو الحجة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

سلبيات التقاعد في القطاع الخاصسلبيات التقاعد في القطاع الخاص
عبد الرحمن محمد الرشيد

أولت الدولة أيدها الله رعايتها الكريمة للمواطن خلال مراحل حياته المختلفة، وحددت كل مرحلة عمرية احتياجاتها وتكفلت بما يغطي هذه الاحتياجات، وهذا خير مثال لتطبيق المبدأ الإسلامي الذي ينص على مسؤولية الراعي تجاه الرعية، ولو خضنا في تفاصيل هذه الرعاية أو حاولنا حصرها لاحتجنا الى مجلدات عديدة، وهذه الرعاية غطت معظم مناحي حياتنا.
وسأتطرق هنا لجانب مهم من هذه الرعاية التي وفرتها الدولة لمواطنيها، ولعل أهمية ما سأتطرق له نابعة من أنه يمس فئة عمرية عزيزة على مجتمعنا المسلم، وهم ما يمكن تسميتهم بكبار السن، وقد جرت العادة على تسميتهم بالمتقاعدين، أو المنتفعين بمعاشات التقاعد أو نظام التأمينات الاجتماعية، وهؤلاء منهم الآباء والأجداد والأمهات والزوجات من الأرامل والأيتام.
وقد كفلت الدولة أعزها الله لموظفيها المتقاعدين رعاية لا تنقطع عبر أنظمة التقاعد المدني والعسكري التي أعدت بعناية فائقة، وأعتقد أنها تمت مراجعتها وتطويرها عدة مرات لتضمن للمنتفعين بها حياة كريمة في هذه المرحلة من العمر، لتتيسر لهم سبل المعيشة، والضمانات الصحية، والتوازن النفسي والاجتماعي، ويستمر ذلك لورثتهم من بعدهم.
وكنظام مواز لنظام التقاعد، أنشأت الدولة ممثلة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعة التي بدورها ضمنت للعاملين بالقطاع الخاص معاشاً تقاعدياً وضمانات أخرى تضمنها نظامها مقابل اشتراك شهري يسدد للمؤسسة مستقطعاً من راتب العامل، وقد ظل هذان النظامان يسيران جنباً إلى جنب كخطين متوازيين نظر اليهما الا يلتقيا أبداً بالرغم من انعدام السبب وهو ايقاف التأمين على الرواتب التقاعدية لغير السعوديين اضافة إلى أن الدولة وحدها هي التي ترعى هاتين المنشأتين والمستفيدون منها بالدرجة الأولى هم المواطنون السعوديون، ونتج عن عدم التقاء النظامين سلبيات عديدة ألقت بظلالها على الكثير من المستفيدين من النظامين، ومن أهم هذه السلبيات أنه لا يمكن الربط بين مستحقات المتقاعد العائدة له من النظامين اذا انقسمت حياته العملية بين القطاع الحكومي والقطاع الأهلي بل يلزمه تصفية مستحقاته من القطاع الذي كان يعمل فيه وينتقل الى القطاع الآخر وكأنه موظف مبتدئ، وهذه لوحدها تركت أثراً سلبياً على فئة من السعوديين عندما بلغوا سن التقاعد وجدوا أنفسهم بعد أن قدموا شبابهم وعمرهم محرومين من الاستفادة من معاش تقاعدي يكفيهم لباقي أعمارهم بالرغم من أن انتاجهم وجهدهم ربما كان مضاعفاً. كما أن هناك فروقات ملموسة بين عائدات المنتفعين من كل من النظامين، فنظام التقاعد الحكومي يغدق على المستفيدين منه أو ورثتهم بسخاء وكرم، وفي الجانب الآخر نجد وضعاً يقل عن ذلك كثيراً وتحتويه تعقيدات وشروط كثيرة منها بلوغ الستين، العجز أو الوفاة. وكل هذه السلبيات جعلت العديد من المواطنين ينظرون الى الوظيفة الحكومية على أنها ضمان للفرد ولورثته من بعده، ويقللون من شأن الوظيفة في القطاع الأهلي بما فيها الشركات الوطنية المساهمة لأنها لا توفر لهم نفس القدر من الضمانات لفترة ما بعد الخدمة، وهذا يخلق تنافساً حاداً على الوظائف الحكومية، ويبعد كثيراً من الكوادر المؤهلة عن السعي للحصول على وظيفة بالقطاع الأهلي، ونجد الكثير من الشباب ينظرون الى الوظيفة بالقطاع الأهلي كأنها وظيفة مؤقتة يبقون فيها ريثما يحصلون على وظيفة في القطاع العام، وهذه في حد ذاتها كانت من أسباب عدم سعودة الوظائف.
وقد أدرك ولاة الأمر كل هذه السلبيات وادركوا مخاطرها، وهذا ديدنهم في كل الأمور، وبذلوا سعيهم للمساواة بين النظامين بايجاد قواعد للربط وتسهيل الانتقال بينهما، وتم تكليف لجنة وزارية لوضع هذه القواعد، وترأس هذه اللجنة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية ورئيس مجلس القوى العاملة، وكما تابعنا في الصحف وفي وسائل الاعلام المختلفة فقد قطعت هذه اللجنة شوطاً كبيراً في النظر في مجموعة من القواعد لتبادل المنافع بين أنظمة التقاعد ونظام التأمينات الاجتماعية. ولعمري فان هذا هو الاتجاه السليم لمعالجة أوضاع كثير من المستفيدين من نظام التأمينات الاجتماعية ومساواتهم باخوانهم المستفيدين من أنظمة التقاعد الحكومية بشقيها المدني والعسكري. أو على الأقل ألا تضيع سنو عمرهم الوظيفي سدى لا لذنب اقترفوه بل بسبب نظام أو أنظمة لم تستطع التنبؤ بالمشاكل والآثار التي يمكن أن تنتج من القياس الخاطئ للعدالة بالحقوق بين المواطنين.
وبالنظر الى وضع مؤسسة التأمينات الاجتماعية نجد أن المؤسسة حققت نجاحات كبيرة في توسيع مظلتها لتشمل العاملين في الغالبية العظمى من مؤسسات القطاع الأهلي، وقد حققت اشتراكات هؤلاء دخلاً كبيرا للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية التي قامت باستثمار هذه الأموال في مشاريع خدمية وانتاجية مملوكة لها كلياً أو مساهمة بها مساهمة كبيرة، وبالطبع فإن ذلك حقق دخلاً متزايداً للمؤسسة، ودعم مواردها بشكل ظاهر للعيان، وتمثل ذلك في تحقيق موظفي المؤسسة وحصولهم على مزايا تفوق غيرهم. وهذا النجاح الذي تحقق للمؤسسة انطلق من مساهمات هذا العامل باشتراكه الشهري ربما ليس بسبب جهود العاملين فيها لوحدها بل لالزامية النظام ومدخلاته العالية ومخرجاته المتدنية، ولهذا السبب يرى كثير من المستظلين بمظلة التأمينات الاجتماعية ان لهم الحق هم أيضاً في الاستفادة من أرباح هذه الاستثمارات وأنها يجب أن توظف لمصالحهم ولخدمتهم لأنها دون أدنى شك أموالهم التي دفعوها للمؤسسة. ولايبدد هذا الاحساس الا أن يتم إنصاف العامل المستظل بمظلة التأمينات الاجتماعية، أولاً بالربط بين النظامين واحتساب سنوات الخبرة التي قضاها المواطن في خدمة بلده سواء كانت حكومية أو بالقطاع الخاص، وثانياً بمنحه على أقل تقدير نفس المزايا التي تقدمها أنظمة التقاعد الحكومي أو فتح نظام التأمينات الاجتماعية للمنافسة والخصخصة.
واذا حدث ذلك فإنه في حد ذاته يكون دعماً ودافعاً لقطاعنا الأهلي ليقوم بدوره المنشود في بناء هذا الوطن، وبالمساهمة في بناء الأهداف التي انيطت بالنظام، خاصة وان عصرنا الحالي هو عصر الخصخصة والتوجه نحو تشجيع وتنمية القطاع الخاص، وقد تعهدت الدولة برعاية ودعم هذا التوجه ايماناً منها بان للقطاع الخاص دوراً كبيراً في التنمية لابد ان يلعبه.
وكوني أثق في حكمة سيدي صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز الذي يدرك هذه الأمور أكثر من غيره، وأعضاء اللجنة الكرام المكلفين من قبل مولاي خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين، وسمو النائب الثاني بمعالجة هذا الوضع سعياً لتحقيق مصلحة المواطن التي ظلت هدفاً تسعى اليه الدولة دوماً، ولضمان مصلحة الأجيال القادمة التي ترعاها حكومة مولاي خادم الحرمين الشريفين وتهتم بها، والخطوات التي اتخذت حتى الآن كفيلة بان تزرع الطمأنينة في قلوب هؤلاء المستظلين بمظلة التأمينات الاجتماعية، لتؤكد فرصتهم التي ينتظرونها منذ سنوات بفارغ الصبر.
أخيراً أود أن أطمئن الذين ينظرون إلى أن الدمج بين النظامين له تأثير على مداخيل المؤسسة واستمرارها ان هذه مع التقدير الشديد لوجهة نظرهم نظرة قصيرة جداً انطلاقاً من أن التيسير دائماً يأتي بثمار ايجابية، ويكون تفسير ذلك بما يلي:
أولاً :لا يمكن أن تقبل عدالة الدولة ان يضار أناس خدموا سنوات طويلة ثم ينتهي بهم المشوار بسبب انقسام خبراتهم بين القطاعين العام والخاص لحرمانهم من أبسط حقوقهم المتمثلة في المعاش التعاقدي الذي يكفل لهم ولأسرهم حياة كريمة مماثلاً لزملائهم، خصوصاً، وهذا مطبق لفئة من المواطنين، وبالتالي لو لم يتم فسيكون هذا على حساب الدولة وصندوق الضمان الاجتماعي.
ثانياً: بمجرد أن تتم الاستفادة من الخبرات السابقة سيبادر عدد من الموظفين للتقاعد وبالتالي ستتاح فرص جديدة لدماء شابة تجدد حركة العجلة الاقتصادية ليزداد عدد الوظائف وعدد المشتركين أيضاً وتعم الفائدة على الجميع
ثالثاً: سيلجأ هؤلاء المتقاعدون لفتح نشاطات جديدة كامتداد لخبراتهم السابقة وستحقق أيضاً فرص وظيفية جديدة واشتراكات جديدة ونشاطات جديدة.
رابعاً: سيبادر معظم من ينتمون لهذه الفئة عند دمج الخبرات السابقة باللاحقة باعادة تسديد ما استلموه من التصفية التقاعدية الأولى وهذا بحد ذاته مع فوائده يشكل رافداً مادياً جديداً للمؤسسة.
خامساً: مع التنفيذ سيكون الموظف أو العامل رقيباً على منشأته وسيحرص أشد الحرص على الاشتراك في النظام لأنه سيرتب له مصلحة واضحة (وليست فقط مصلحة عند العجز وبعد الوفاة)، وهذه احد العوامل التي تدعم موارد المؤسسة.
ومن واقع خبرتنا العملية مررنا بتجربة نضيفها هنا لندلل على أن تيسير الأمور يدفع الى النمو وليس العكس، فقد دار حديث كثير حول التأثير السلبي الذي ستتركه اضافة خدمة الجوال العائلي على مبيعات بطاقات الاتصال المدفوع، ولكن ما حدث كان العكس تماماً حيث أدى ذلك إلى احداث زيادة في مبيعات البطاقات وبالتالي زيادة في مداخيل شركات الاتصال المدفوع، وكان المستفيد الأول هو شركة الاتصالات السعودية، لأن كل راغب في الاتصال على الهاتف الجوال مهما كان نوعه لابد له أن يستخدم خدمة الصفر المحلي أو ان يشتري بطاقة اتصال مدفوع، وهكذا مع تعدد الوسائل ازدادت الحركة على الاتصالات.
وفق الله ولاة أمرنا لتحقيق آمالهم وآمال شعبهم وجزاهم الله خير الجزاء في سعيهم لوضع الأسس المتينة للمساواة بين المواطنين وتوفير الرعاية لهم بجميع فئاتهم.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved