Wednesday 20th March,200210765العددالاربعاء 6 ,محرم 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

هل يعقل أن نساهم في إنجاح مهمة زيني؟!هل يعقل أن نساهم في إنجاح مهمة زيني؟!
د. عبدالعزيز الرنتيسي

أوضحت مستشارة الأمن القومي في الإدارة الأمريكية كونداليسا رايس، ان «الجنرال انتوني زيني يصل إلى المنطقة مع صلاحية لتطبيق مخطط تينت، وليس فقط من اجل التحرك ذهابا وايابا بين الطرفين»، وتؤمن الإدارة الأمريكية انه في هذه المرة سينجح زيني في تطبيق مخطط تينت لوقف اطلاق النار.
ولكن المعطيات على أرض الواقع تقول اننا لم نكن يوما أفضل مما نحن عليه الآن على صعيد المواجهة، وقد اسقطنا بفضل الله كل نظريات الأمن التي طالما تبجح بها الصهاينة المفسدون، واحلنا حياة الغزاة من اليهود كابوسا لا يطاق، وفي الوقت الذي لا ننكر فيه شراسة الهجمة الصهيونية وهمجيتها وما تمخص عنها من دمار وتخريب وقتل للمدنيين من أبناء شعبنا إلا ان معنوياتنا عالية إلى درجة لم تصل إليها من قبل، مما يجعلنا نقول اعطوا هذا الصراع الدائر فرصته كي يحسم المعركة لصالح المستضعفين بإذن الله.
فخلال عام ونصف من انتفاضة الأقصى انتقل الشعب الفلسطيني نقلة نوعية لم تكن تخطر ببال الذين خططوا لتركيعه، ولا ببال المفسدين من اليهود الذين استخدموا أحدث ما يملكون من ترسانة عسكرية أمريكية ضد شعبنا الأعزل، ولا ببال أمريكا التي أطلقت العنان للوحش الصهيوني كي يلغ في دماء المسلمين في فلسطين، ولا ببال الدوامة العربية التي كانت تبتهل إلى الله كي تتوقف الانتفاضة والمقاومة في فلسطين خشية ان تحرك الشعوب غضباً على صمت الأنظمة.
ففي الماضي كان إعداد الاستشهادي نفسيا ومعنويا يحتاج إلى بعض الجهد ولا عيب في ذلك، فهو مقدم على امتطاء الأهوال، ولكننا اليوم نعايش مرحلة مختلفة، حيث ان أعداد لا حصر لها من الشباب، لا أقول يطالبون ولكن يتوسلون ان تتاح لهم فرصة للشهادة، تهطل أعينهم تحرقا وشوقا لملاقاة العدو، هذا الذي أقول ليس من نسج الخيال، وليس فيه شيء من المبالغة بغية التلاعب في العواطف، ولكنها الحقيقة التي تشكل عبئاً على الجهاز العسكري الذي لا يملك تجهيز هذه الأعداد الكبيرة من طلاب الشهادة.
وكنا نفخر بالأم الفلسطينية وهي تحتسب ولدها بعد استشهاده، تخفي حزنها وألمها لفراق فلذة كبدها فتكشف العبرات سرها، فإذا بنا اليوم أمام صورة جديدة عميقة التأثير، فهذه أم نضال تودع ولدها، تقبله وتطلب منه ألا يعود إلا شهيداً، وكنا نظنها فريدة في هذا الموقف الذي هزنا من الأعماق، فإذا بأم نبيل جارتها تقوم أيضاً بوداع فلذة كبدها قبل الرحيل الطوعي، إذاً هي ظاهرة جديدة، روح جديدة تسري في أوصال هذا الشعب العظيم، انها العقيدة التي لا تقبل إلا الصدق، الصدق في النية، والصدق في الجهاد، والصدق في الوطنية، عقيدة لا تعرف الترقيع، ولا أنصاف المواقف.
ولقد كانت العمليات الاستشهادية مقصورة على الرجال، فإذا بنا اليوم أمام ظاهرة تمثل تيارا جارفا من طالبات الشهادة، ما زاد في التبعة على الجهاز العسكري الذي لا يستطيع تجاهل الأمر طويلاً، فهناك إلحاح من الشابات لا يمكن لأحد ان يغض الطرف عنه، إنها العقيدة التي صقلت هذا الشعب بكل فئاته، شيباً وشبانا واشبالاً، رجالا ونساء.
ومما أذهل الأعداء ان الحصار والدمار والمذابح وكل أشكال الارهاب التي مارسها المفسدون من اليهود لم تزد شعبنا إلا صلابة، وحبا في التضحية، وتفانيا في المواجهة، تصقله التجربة، ويبدع في أساليب المواجهة، فيخترق الأجهزة الأمنية للعدو، ويصنع الصاروخ، ويدمر الدبابة، ويقتحم المغتصبات الصهيونية وقد اخترق الجدر الأمنية الالكترونية، لا يعرف الوهن، ولا يستسلم للضعف المادي، ويحيل اختلال ميزان القوة لصالح عدوه إلى اختلال في ميزان الردع لصالحه.
وعلى النقيض تماما نرى المعتدين من اليهود في حالة من الانهيار التام، الخوف يسكنهم، والفرار قبلتهم، محاصرون بالرعب الذي أحال حياتهم إلى جحيم، لقد أعطوا شارون كل ثقتهم كي يوفر لهم الأمن، واليوم يكفرون به، انهم اليوم أمام حقيقة طالما فروا منها مع انهم يدركونها، تقول هذه الحقيقة انه لا مقام لهم في فلسطين، وان نهاية كيانهم قد اوشكت، فهاهما مودي كريتمان وعوزي ديان يكتبان في صحيفة «يديعوت احرونوت» بتاريخ 17/3/2002 مقالا تحت عنوان «وداعاً ايتها البلاد الرائعة» جاء فيه «عام ونصف من الوضع الأمني الصعب الذي يترافق مع انعدام الاستقرار الاقتصادي تمخضا هنا عن ظاهرة آخذة في التعمق مع ازدياد حدة الوضع، إسرائيليون كثيرون قرروا نقل أموالهم للخارج وشراء بيوت هناك كاستثمار أو كمكان يلجؤون إليه وقت الطوارئ، كما قرر آخرون نقل مشاريعهم التجارية أيضاً، عدد غير قليل من المواطنين ينتقلون بأنفسهم» وأضافا قائلين: «لا شك ان أعداداً متزايدة من الإسرائيليين قد قرروا الرحيل أو التفكير بالرحيل على الأقل، هناك من يدفعهم شعورهم بوجود تهديد وجودي إلى فحص الخيارات، والإمكانات في الخارج، وهناك من كانوا قد فكروا بالأمر قبل التدهور الأمني، إلا ان هذا الوضع أصبح لهم بمثابة حافز».
هذه المعادلة إذاً تمثل اختلالا في ميزان الرعب لصالح شعبنا المرابط، وإذا أدركنا ان مخطط تينت يتطلب من الجانب الفلسطيني ان يقوم باعتقال المجاهدين، ووقف التحريض، ومصادرة الأسلحة، واستئناف التعاون الأمني، أي القضاء على الانتفاضة، وشل المقاومة، وضرب هذا الشعب المجاهد في أعز ما يملك وهي وحدته الوطنية التي عمقت جذورها المقاومة والانتفاضة، وانقاذ شارون والكيان الصهيوني الغاصب من مأزق حقيقي لم يعد يخفى على المراقبين، إذا أدركنا ذلك فهل يعقل ان نساهم في إنجاح مهمة زيني؟.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير إدارة المعلومات
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved