Thursday 28th March,200210773العددالخميس 14 ,محرم 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

مداد العقلمداد العقل
حوار الحضارات أم صراع المصالح؟
د. سليمان الرحيلي

تنادت الدول والمجتمعات ولا سيما بعد أحداث سبتمبر في الشرق والغرب بحوار حضاري حول مائدة واحدة وعقدت المؤتمرات والندوات واللقاءات الكثيرة على مستوى الخريطة العالمية وشهدت منطقتنا العربية العديد منها لكن تلك المجتمعات فات عليها الكثير من أدوات الحوار الحضاري وعقباته. وهنا لا بد من الوقوف عند مفاصل وحلقات هذا الحوار قبل الوصول الى معطياته وآثاره.
وأول تلك الوقفات ان كثيراً من حلقات هذا الحوار هي موجهة الى المتحاورين أنفسهم إما بلغاتهم ومن ثم يخاطب بعضهم بعضاً، او من رداءة إعلامية مجدبة لا تجاوز الخبر وربما في وقت متأخر ايضاً ويترك الجميع مضمون مطروحات تلك الحوارات الحضارية ومعطياتها وإيصالها للناس للرأي العام ليس بلغة البلد المضيف او المتحاورين فحسب وإنما بمختلف لغات العالم العشر المشهورة مثلاً ليؤتي الحوار ثماره ويعرف حقا من حضارته حوارية تحترم الآخر وتعد حكمته ضالة لها وتنادي هذا الآخر أنى ومتى وأين كان الى كلمة سواء ويعرف ايضاً من كانت حضارته أحادية تنفي الآخر احياناً لمجرد مغايرة حضارته واختلافها عنه وأحيانا أخرى لمجرد لونه او لغته ومن ثم تحول تلك المعطيات الحقة الى أعمال إعلامية وتعليمية للتأثير في الرأي العام بمختلف لغاته وبيئاته وهي أعمال تحتاج جهوداً وخططاً طويلة ومكلفة لكنها تهون وممكنة لمن يحمل حضارة حقا ويريد لها ان تعرف وتنتشر وتصمد في وجه الحضارات الموجهة والمدنيات الزائفة في عصر كل شيء فيه يصنع ويدبر ويخطط في عصر لا يؤمن ولا يفيد فيه الحماس والعواطف والانفعالات او حتى صدق المبدأ وحده او أصالة الحضارة نفسها ثم ان تلك التكاليف مهما ارتفعت فلن تفوق تكاليف طائرتين حربيتين حديثتين ربما تسقط إحداهما في حرب غير متكافئة او في تدريب طيار مستجد. كذلك من أهم العقبات في الحوار الحضاري أن المتحاورين حضارياً وهم بلا شك متحضرون او هكذا ينبغي ان يكونوا هم أبعد ما يكونون عن القرارات في مصائر الناس وحياة الشعوب من الجانبين، فأصحاب القرار ولا سيما في الجانب الغربي هم نتاج فكر مدني مادي بغاة مصالح ومنافع وبناة جسور ودوائر لها عند الآخر واعتباره واحترامه أساساً هو بحجم تلك المصالح والمنافع وإيجابياته في الوصول اليها او التمكين لها. ولما كانت تلك المصالح ذات عمر طويل كمصادر الطاقة في الجانب الآخر او كبر حجم سوقه وقوته الاستهلاكية فإن الحوار معه والاحترام له ربما يستغرق جيلاً او اكثر او حتي يتلبس بلبوس ومسوح علمية او حتى حضارية. أما الحوار مع هذا الآخر او حتى احترامه خارج حلقات ومحاور تلك المفاهيم وتلك المصالح ومشتقاتها فهو في الحضيض، ففكره هناك يقزم ورقيه الحضاري يدلس عليه وصورته تزيف وتراثه يحتقر به وكل معاني التخلف والتعصب والوحشية يوصم بها إعلاماً وتربية ماضياً وحاضراً ولا شك يوحي بأن المستقبل له هناك سيكون مختلفاً.
وهذا كله خلق مع مضي العصور وتعاقب الأجيال عدم الاعتراف بالآخر واعتباره جديراً بالحوار الحضاري لعلتين حتميتين ان يكون الاول احادي الحضارة ولأن الثاني ليس لديه حضارة أساساً وفق هذه الاحادية الحضارية المسيطرة. فالحوار مبدأ حضاري لمن يؤمن بالتعددية الحضارية التي تسع الآخر بل الآخرين أما من يبدئ من طرف المؤتمرات والندوات والموائد حلاوة وإيجابية وينحرف في الواقع المعايش هناك في شارعه ومؤسساته ويهدم ويدمر الآخرين ويعلي ويمجد نفسه في تمييز عنصري غير معلن بل ويرفع من شأن الآخرين ويعتبر أفضل من أجناس أخرى وأنهم جديرون بالتمكين على حسابهم فإن ذلك الحوار يصبح غير مجدٍ وربما لتمرير بعض المصالح وقبول بعض المواقف له عند الآخر او يبقى عند حسن ظن مقبولاً من فئة قليلة منه مغلوبة تشبع افقها الإنساني وطروحاتها العلمية المهنية لكن الواقع والميدان مختلف وبالتأكيد ليسوا هم من صناعه.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير إدارة المعلومات
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved