Thursday 18th April,200210794العددالخميس 5 ,صفر 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

نهار جديد نهار جديد
من أين لهم هذه القوّة
عبدالله سعد اللحيدان

يواجه المفكِّر أو المبدع سلسلة طويلة وشائكة من الحواجز وكلما تجاوزها ظهرت له من حيث يدري ولا يدري سلسلة جديدة عليه اجتيازها، على الرغم من كثرة الحفر والشباك الملقاة والموضوعة في طريقه والحبال التي ترى ولا ترى وهي تلتف أو تحاول الالتفاف على قدميه، والأشواك التي تعمل عملها في جنبيه في الدروب الضيقة والواسعة والغيوم الداكنة التي تتشكل أمام عينيه في كل فضاء أو أفق يرنو اليه، وكأن اللانهايات تناديه وتفتح له ذراعيها، وكأن كل شيء هين ومستطاع أمام اللانهائي الذي قد يراه هو دون غيره، وكأن الظمأ الذي لا يرتوي والحنين الذي لا حدود له والتحرق للوصول الى ما وراء الأشياء هو ما يدفعه ويدله ويسحبه من بعيد كالمغناطيس، وبروح عنيدة واصرار كاسح ينعكسان بشكل لافت للنظر وغريب على حياته وتصرفاته، يقوده قلق عذب ومؤلم، وكأنه قد فقد كل سلطان على نفسه عدا رسالة الكلمة التي يحملها، وعلى الرغم من ان الانفعال والأسى يتملكانه حين يشعر بأن جميع السبل قد سدت امامه، ولكن سرعان ما يستيقظ في كيانه كله نداء البعيد الكامن في أعماق روح الوجود، فيجيش صدره من جديد بالاحلام العذاب ويتجدد في نفسه الإيمان بأن النداء الذي يسمعه سوف يتردد الى الأبد وعليه ان يجيبه.
ليس فيما سبق، مبالغة، لا في الابيض ولا في الأسود، ويعرف ذلك كل من سار ويسير على هذا الخط الدقيق والفاصل بين حياة الروح والجسد، بين الوجود الحقيقي والوهمي، بين ما تفوقوا ومن توقفوا، بين من نافسوا أنفسهم ومن استسلموا لها.
يقضي عمره على هذا النحو من الحياة، وفي رحلة لا نهاية لها تحمله من عالم الى عالم، ولا يعرف فيها ولا يركن الى معرفة بقدر ما يحاول ان يتعرّف، ولا يفرح بالوصول الى محطة في هذه الرحلة بقدر ما يفرح عندما ينطلق منها باتجاه المحطة القادمة، والكل يسأل: الى أين يريد الذهاب هذا المسافر أبداً والطالب اللجوج ومن اين يستمد كل هذا الجلد وهذه القوة وكيف يقوى على ذلك، ألا يسأم؟!
ألا يعود أدراجه؟!، ولكنه لا يستطيع.
(وعلى قلق كأن الريح تحته)، أو كأنه في انتظار قطار سريع التوقف والانطلاق يأتي بغته ويذهب كأن ما يحمله ريح المفاجآت، وكأن في الاستقرار لحظة واحدة نهايته او نذير انهياره، ومع ان نفسا أخرى في داخله تحدثه عن وتغريه بحياة عادية ترى فيها نفسه الثانية مللاً وتفاهة أو مكيدة، وقد يحاول الركون لدعوة السكون، ولكنه لا يستطيع.
هذه حقيقة لا يعرفها ولم يجربها إلا الذين لا يقلدون حتى انفسهم وما تمليه عليهم ويكونون نسيجاً وحدهم ولا يصغون لأحد في اهتمام وتأثر وهو يلقي تعليماته كما يفعل غيرهم ممن لا يعدو طموحهم ان يصبحوا نسخاً مكررة لهذا أو ذاك أو ينتظروا قبض الثمن منه أو يقفوا في طوابير انتظار الشكر والثناء ولا يتوقف نشاطهم بناء على ذلك ولا يفكرون بهذه الطريقة على الاطلاق.
ولكن، أليس من المفارقة، بل من البؤس والتعاسة انهم يعيشون لأجل غيرهم، وغيرهم يعيش محاولاً القضاء عليهم، حتى «بروتس».
والمفارقة الكبرى ان من يحاولون تدميرهم هم من يفهمونهم حق الفهم، ولكن فرائضهم ترتعد لهم.
ولذلك أيضاً يحسب لهم الآخرون آلاف الحسابات ويقاومونهم أو يحاولون تهميشهم وعزلهم ويستعدون العالم بأسره للوقوف في وجوههم.
يداهمهم اللصوص ويسرقون أحلامهم، ولكنهم سرعان ما يرون في الآفاق الرحيبة واسعة الأرجاء أحلاماً جديدة.
وعندما يأتي مساء الآخرين يمتطون جياد أرواحهم وينطلقون في نزهات بعيدة، يتمنون أن تكون أبعد مما يتخيلون، وسياط المغامرة تلهب فيهم كل شيء.
الصعوبات تحف بهم من كل صوب والنفوس المتوحشة تُغير على قوافلهم من كل جانب، ومع ذلك يسلكون في كل مرة طريقاً جديداً أشد خطراً يجتازون فيه أحلاماً غريبة مليئة بالأشياء العجيبة والرائعة والساحرة؛ والآخرون يطاردونهم، ولكنهم لا يلتفتون إليهم، حتى ولا في حياد ولا مبالاة، وكأنهم لا يهمهم أن يفتكوا بهم ذات منعطف فالفتك لن يقع إلا على أجسادهم فقط.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير إدارة المعلومات
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved