Thursday 9th May,200210815العددالخميس 26 ,صفر 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

كالوس كالوس
عوالم الكتابة!!
أمير الحسناوي

تبدو عوالم الكتابة للمسرح متشعبة لمن يريد الإبحار فيها بعمق ومعرفة إبداعية، وتبدو بسيطة «ممكنة» مثل سمكة داخل شبكة.. صدر اصطيادها حتمي ولا يكلف إلا رفع الشباك، وهذا هو العمى الحقيقي.
فالتجربة الابداعية تختلف في تكوينها عن التجارب الابداعية فلا تكفي الثقافة والوعي والموهبة.. وإنما تعتمد على كل تلك الأسس الابداعية وشمولية لتؤسس أطر البنائية العلمية التي تأخذ من مبتكر المسرحية الكثير.. إذ إنها البنائية لا تلغي الفلسفة الشعرية وعوالم الصور الأدبية المعبرة.. ولا تكون بدلاً عنها وإنما تؤطرها بحرفية عالية.. وهكذا سيبقى المؤلف المسرحي قديماً وحديثاً بحاجة إلى الحرفية كالصناع والبنائين وان يكون في خزائنه كل شيء كالباعة المتجولين في الأزمنة القديمة.
والإنسان هو مركز البحث في دائرة البناء المسرحي الحديثة والتي تشمل تراكم التاريخ الجمعي للحياة وحاضرها والرؤية الشمولية الفلسفية ودراسة حيثيات التركيب الذاتي لتلك الشخصية.. وبهذا وغيره الكثير يكاد يكون كتّاب المسرح الأقرب دوماً إلى «علم النفس» كما هو الأقرب في الفلسفة والتاريخ وعلم الاجتماع، ووسيلتهم تكثيف القدرة الشعرية لإنتاج صور فيها من الظلال الكثير والعمق في حين يبقى سطح الأحداث المسرحية تتجاذب فيه الشخصيات أطراف حديث يومي.. على أنها أبعد في حقيقتها من تلك النظرة.. وهذا ما ينبغي على المسرحي اكتشافه وما ينبغي على المتفرج «الطرف الآخر» اضافة علاقة معه أياً كانت.
ولا يلتقي كاتبان مسرحيان.. حتى وان انتميا إلى جيل واحد.. وتأثرا بمدرسة مسرحية معينة وفلسفة وموقف أيدلوجي محدد.. رغم كل ذلك تبقى إرادة الشخصيات المطروحة.. والإرادة زاوية مهمة من أركان الشخصية الحية.. وهي أصيلة ذات الفرد كما تحدثت عنها فلسفة «شونبهادر» وكما يقول «بيراندلوا» الكاتب المسرحي «لكل شيخ طريقة» سأقوم هنا بالاشارة القليلة الدالة على كيفية وصول كتّاب شموليين في تجاربهم إلى ذات الانسان وبطرق مختلفة إلا أن النتيجة واحدة وهؤلاء هم هنريك أبسون وتشيخوف وبوجيك أونيل.
ومن البداية علينا أن نؤكد أننا هنا لسنا في مجال البحث المصدري والاستعراض ودراسة الانتاج الابداعي لكل من هؤلاء الثلاثة إلا أننا سنشير إلى أهمية الذات الانسانية المطروحة وكيفية الوصول إليها عبر التشبيه.
وإذا قبلنا بالافتراض الفسلفي القديم الذي صار فيما بعد شعبيا متداولاً باعتبار ذات الانسان صندوقا مغلقا فهؤلاء الثلاثة يدخلون هذا العالم «الذات» ويستعرضونه بدقة انقلابية مذهلة.. ويفضحون كينونة الذات وأسرارها ليؤسسوا العمل المسرحي.
فإبسن يذهب إلى هذه الذات المفترضة «الصندوق» بواقعية شفافية.. إذ يذهب ويطرق على الصندوق بأحداث تركيبية يبتدعها للحكاية ثم تفتح له أبواب الصندوق وبذكاء مفرط يدخل إلى تلك الذات ليحدد أبعادها وكيانها بدقة متناهية.
أما تشيخوف والذي سعى ستانسلافسكي إلى تقديم روائعه والمعروف عن ستانسلافسكي رغبته الشديدة في دراسة الشخصية المسرحية.. فهذا المؤلف يذهب إلى تلك الذات ويتسلل بمهارة إلى داخل الصندوق المفترض.. دون أن نجد له أثراً ولا فعلاً استعان به لأجل تلك الغاية، بل مهارته فقط وهذا ماجعله يقدم مسرحيات تبدو السكونية على سطحها إلا أنه في داخلها براكين وانقلابات في الذات.
أما يوجين أوتيل وبوحشيته المعروفة وعناده الابداعي وهو صاحب مسرحيات القرد كثيف الشعر، ووراء الأفق، وشجرة الدردار، وغيرها فإنه يحمل عدسة ويهشم جدران الصندوق «أقنعة الذات» وبقسوته تشعر أنه يتحطم هو الآخر إلا أنه في النهاية يصل إلى نفس النتيجة الإبداعية فيما يتعلق بالذات داخل البناء الدرامي.. والكشف الابداعي يولد انسجاماً حتمياً بين الذات والموضوع عبر كل التجارب المسرحية الكلاسيكية والحديثة.
ولو تأملنا ما اشتغل عليه المبدعون العرب في مجال الكتابة المسرحية نجد أنواعاً مختلفة من البناء المسرحي.. إلا أننا نعي قضية مهمة وهي أن المؤلف الدرامي العربي.. يهتم بالحكاية أولاً ومن ثم تواجد الشخصية داخل اطار هذه الحكاية.. والهدف الذي عليه أن يتسلل إليه هو «الحدثية» داخل البناء ليؤسس عليها طقسه المسرحي وقد يذهب البعض إلى أن ذلك راجع إلى التأثر بالواقعية في البناء الدرامي المسرحي.. إلا أننا نشير بوضوح إلى أن فكرة الذات من أساسيات العمل في المدرسة الواقعية بما فيها من انقلابات تغير أطر الحدث وهذا ما يتضح بشدة في أعمال الواقعية الاشتراكية والواقعية الجديدة التي تجسدت في أدب أمريكا اللاتينية من خلال أدباء من أمثال «أهادو» وغيره.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved