Wednesday 15th May,200210821العددالاربعاء 3 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

يرحمك الله.. يا أبا طه يرحمك الله.. يا أبا طه
محمد صالح البليهشي

لقد فقدناك فجأة وأنت ما تزال تصدح بأعذب الشعر وأحلى الكلمات.. لم نعلم وأنت معنا في يوم الخميس 26 من صفر الخير 1423هـ بالنادي الأدبي في طيبة الطيبة بمكتبك في قمة التألق والحيوية تنتقل بنا من روض إلى روض ومن حديقة إلى أخرى في دنيا الأدب والشعر والتراث والتاريخ.. لم نعلم أنها لحظات أخيرة نراك فيها لتودعنا في يوم الجمعة 27 صفر 1423هـ وهو اليوم التالي ليوم لقائنا بالنادي.. لم نعلم أنه لقاء مودع برفاق الدرب وأصدقاء الحرف.. لم نعلم بأن جملة «في أمان الله» التي قلتها وأنت تخرج من مكتبك الساعة الثالثة من ظهر يوم الخميس المذكور.. انها كلمة وداع لالقاء بعده. لقد حرصت على ترديدها أكثر من مرة لأكثر من واحد منا فسبحان الله أولاً وأخيراً..
إن القصائد التي صدحت بها في ندوة القدس في مساء يوم الخميس الليلة السابقة ليوم وفاتك لا تزال ترن في أذاننا ولا يزال صداها يملأ جنبات القاعة المعدة ليلتها لذلك.. كم كانت كلماتك مشحونة بنبضات قلب شاعر مسلم تشرب أمجاد أمته وآمن بفوقيتها وسموها وتطلع إلى نصرتها في كل حين.. لم تعلم يا أبا طه أن ندوة القدس هي آخر المنتديات الأدبية والثقافية التي عشت بها ولها طوال حياتك.. لم تعلم أنها المحطة الأخيرة التي تقف فيها صادحاً غريداً بأعذب وأعمق الألحان.. ولم تعلم بأن القدس الشريف أعذب لحن صدحت به واستعرضت أمجاده وهتفت بنصرته.. إنها محطة رائعة لمشوار تألقك في المنتديات الأدبية التي عشت لها أكثر من ستين عاماً.. إنها مسك الختام ويا له من ختام؟!
أما الختام الأمجد الذي لو أعطيته وأنت في ريعان الشباب لأخذت الموت به.. منذ ستين عاماً ولم يدر بخلدك أن يكون هكذا بعد عمر مديد تعدى الثمانين عاماً وأقصد بذلك الختام.. ختام حياتك وتوديعك دنيانا الفانية وأنت تؤدي صلاة الجمعة في مسجد خير البرية عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.. أديت الصلاة مع جموع المسلمين وشاركتهم في الصلاة على أموات سبقوك بلحظات وكتب الله لك نهاية حياتك في أطهر مكان وأشرف يوم وهي نهاية خير وإلى خير إن شاء الله تعالى نغبطك عليها ولا نزكي على الله أحداً..
أبا طه.. جموع غفيرة تبعت جنازتك تشيعك إلي بقيع الغرقد الذي كثيراً ما شدوت به وكثيراً ما وقفت فيه تستعرض عظماء التاريخ الذين واراهم ثراه وحظوا بشرف سكناه وهي أمنية لك طالما تمنيتها كلما أفل نجم من نجوم العلم والثقافة والأدب والتاريخ في طيبة الطيبة.. لقد حقق الله أمنيتك وكنت بها بإرادته سبحانه أحد ساكني بقيع الغرقد وحسبك ذلك والله يتولاك بعنايته ورعايته ومغفرته..
رحمك الله يا أبا طه رحمة الأبرار لقد كنت لنا أباً وأخاً وصديقاً ومعلماً في النادي الأدبي بمدينة خير البرية عليه الصلاة والسلام.. عرفنا فيك طيبة لا حدود لها وقلباً نظيفاً لا يحقد مهما كانت اختلافات وجهات النظر.. وحتى الاختلاف معك له طعم مميز لا يتعدى حدوده وينتهي دون حقد أو بغضاء أو شحناء.
عرفنا فيك الصبر والآناة وهي لا تجتمع إلا في عظماء الرجال.. مواقف كثيرة كنت فيها قمة الصبر ومواقف كثيرة كنت فيها قمة الآناة.. كنا نحترق لموقف معين نرى فيه سهولتك وعدم اكتراثك به وتمر الساعات والأيام ويتضح صواب موقفك وبعد نظرك وسعة أفقك..
عرفنا فيك السهولة الممتنعة والتواضع الذي يغري كل أحد بالركون إليك والاستكانة إلى جوارك والحديث المسهب معك إلى درجة كنا نشفق عليك مما أنت فيه..
عرفنا فيك الحب ولين الجانب وطيب المعشر ولذلك كثر أنصارك وقل أعداؤك تعبر في حبك لكل الناس عن سريرة نظيفة وقلب شفاف مرهف ينقاد مع كل المواقف الانسانية ويستجيب لكل العواطف والأحاسيس والمشاعر..
عرفنا فيك استقبال الأمور ببساطة متناهية بعيداً عن التشنج.. كنا في قمة التوهج والحماس في مناسبات النادي الكبيرة وكنا نكسر الساعات والأيام وتتركنا في حماسنا وإذا رأيت تشنجنا استعرضت المناسبة أمامنا ببساطة متناهية واستعرضت أمامنا أسوأ فرضياتها ونتائجها تيسيراً لها وامتصاصاً لحماس قد تكون نتائجه عكسية.
عرفنا فيك ترفعك عن الصغائر وعدم التدقيق فيها والتماس الأعذار لأصدقائك ومحبيك في زلاتهم وهفواتهم والمشاركة بأريحية كبيرة في كل مناسبة وطنية بالمدينة المنورة ولو كان على حساب وقتك وصحتك.. وكل مناسبة ثقافية في أرجاء البلاد من أقصاها إلى أقصاها تشارك مشاركة الطائر الغريد الذي يشدو فيطرب ويتفاعل مع كل نسمة هواء أو زذاذ مطر أو زمجرة عاصفة هدفك في كل ذلك خدمة الوطن والاشادة بأمجاده وحفر صوت النادي في المسامع والقلوب..

*عضو مجلس إدارة النادي الأدبي

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved