Thursday 23rd May,200210829العددالخميس 11 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

منعطفات: منعطفات:
بعد أن تصمت المدافع: أبُ واحد وأقنعة متعددة!
د. فهد سعود اليحيا

كرس المؤتمر الصهيوني الأول «بازل 1897» الاستراتيجية والتكتيك لإنشاء دولة لليهود.
وبالرغم من قرار المؤتمر بأن فلسطين هي الخيار الأوحد، إلا أن أفكاراً طرحت لاختيار أوغندا أو الأرجنتين «!» وكان هناك انقسام في الرأي بين الزعماء الصهاينة بشأن موقع دولتهم المنتظرة إلا أن رجحان كفة فلسطين لم يكن يتأتى لولا العامل الاستعماري، فقد كانت الصهيونية تسوق نفسها على أنها حركة قومية استعمارية حليفة للدول الاستعمارية. وفلسطين مفتاح الشرق الأوسط، وعلى التماس من قناة السويس، وتتوسط الدول العربية وأي استعماري لن يحتاج إلى قدر كبير من الذكاء ليجد أن فلسطين هي أنسب مكان يتشبث به، بل إن التاريخ يؤكد لنا ذلك في الحروب الصليبية.
إضاءة على الصليبية:
كان ما ينقص الواقع العربي المتردي هو غزو السلاجقة للعراق ثم للشام ليكرس جو التشتت والفرقة والتشرذم، وفي عام 1071م انتزع السلاجقة آسيا الصغرى من البيزنطيين، وكانت آسيا حلقة الوصل التجاري بين آسيا وأوروبا وبرع أهلها في التجارة، وكانت التجارة كممارسة اقتصادية لها احترامها قد بدأت في البزوغ والتنامي في أوروبا انطلاقاً من بيزنطة، ولذا جردت أول حملة صليبية عام 1096م بدعوى تحرير بيت المقدس من أيدي العرب والمسلمين، بينما كان الهدف الحقيقي السيطرة على طرق التجارة، ونهب الثروات «راجع كتاب سطوة الذهب لمولفة برنشتاين» بالاضافة إلى الأرض الخصبة هناك، وهو ما حدث حتى عام 1187م عندما دخلت قوات صلاح الدين القدس معلنة نهاية الإمارات الصليبية، ومن الطريف أن الصليبيين كانوا يقومون بمذابح في المجتمعات اليهودية في أوروبا في طريقهم إلى فلسطين، حيث توجوا دمويتهم بمجازر للمسلمين يشهد ببشاعتها التاريخ «وفي كتاب القدس مدينة واحدة وعقائد ثلاث من تأليف كارين أرمسترونج فصل قصير، غزير المعلومات، عميق الدلالة، عن الحملات الصليبية».
أصابع الاستعمار:
بدأ الوهن يدب في جسد الامبراطورية العثمانية وشرع الاستعمار يمد أصابعه تحت دعوى حماية الكاثوليك والأرثوذكس من قبل فرنسا وروسيا والدروز والبروتستانت واليهود في سوريا وفلسطين من قبل بريطانيا، وفي عام 1839م أنشأت بريطانيا أول قنصلية غربية في القدس، وفي الوثائق الرسمية «ان مسألة حماية اليهود كانت الشغل الشاغل للقنصلية البريطانية» بالرغم من عدد اليهود في فلسطين لم يكن يتجاوز «9700 نسمة حسب ما تقرره الوثائق ذاتها «!».
الاستعمار يخطط:
فشلت جهود هيرتزل مع السلطان العثماني والقيصر اليهودي ولكنه وجد تشجيعاً كبيراً من بريطانيا لحماية قناة السويس والتحكم بالطريق إلى الهند «جوهرة التاج البريطاني» والحيلولة دون قيام دولة عربية موحدة، وقام هيرتزل بجهود جبارة في سبيل الصهيونية ووافق الاستعماري البريطاني العتيد تشمبيرلين على اقتراحه باستعمار قبرص أو سيناء مؤقتاً من قبل اليهود لتكون نقطة انطلاق إلى فلسطين ولكن عقبات سياسية واستراتيجية حالت دون ذلك، وفي ذات الوقت الذي كانت فيه بريطانيا تغدق الوعود الطيبة للعرب صدر وعد بلفور بعد إحدى عشرة سنة من وفاة هرتزل.
سايكس بيكو:
بينما كانت بريطانيا تعد القادة العرب بالاستقلال وفي خضم الحرب العالمية الثانية أبرم المندوب البريطاني مارك سايكس مع نظيره الفرنسي جورج بيكو معاهدة سرية في أوائل 1916 اقتسمت فيها الدولتان الدول العربية الموعودة بالاستقلال «!» وأذاعت الثورة البلشفية في روسيا في أكتوبر 1917 المعاهدة.
ومن المؤكد أن صدور وعد بلفور في نوفمبر 1917 له علاقة بكشف الغطاء عن تلك المعاهدة، فبالرغم من أن الجهود البريطانية المحمومة لتهدئة قلق العرب السذج من المعاهدة أثمرت، إلا أن بريطانيا - في نظري - استشعرت خطراً من المستقبل فسارعت إلى القيام بخطوات عملية لغرس إسرائيل.
ومن المضحك المبكي أن بريطانيا حاولت التنصل من المعاهدة بعد انتهاء الحرب العالمية لتلتهم الكعكة العربية بمفردها، مما أدى إلى نشوب خلاف بين الدولتين مما استدعى تدخل الرئيس الأمريكي «ويلسون» وكانت هذه أول اشارة لدخول أمريكا مسرح الأحداث في فلسطين والشرق الأوسط.
الحركة الصهيونية تعمل:
لم تتوانَ الصهيونية عن العمل الحثيث لحظة وبدأت الهجرة اليهودية الثانية إلى فلسطين عام 1905م وشرعوا في انشاء المستعمرات والمنظمات المهنية والعسكرية وأعلنوا مبدأ مقاطعة اليد العربية العاملة في فلسطين وطردوا حراس المزارع اليهودية من بدو وشركس، وشرعوا في إنشاء صناديق الاستثمار والبنوك لتمويل الهجرة والاستيطان في فلسطين. وزاد عدد اليهود في فلسين من 000 ،50 عام 1397م إلى 000 ،85 عام 1941م.
المقاومة العربية:
منذ اللحظة الأولى لقيام الهجرة اليهودية الثانية بدأت المعارضة العربية والفلسطينية لاستيطان اليهود ولكن الحماية البريطانية من جهة والولاة العثمانيين المرتشين من جهة أخرى ساندوا الهجرة وقمعوا الاحتجاجات الفلسطينية والعربية.
وبعد سلسلة متواترة من الألاعيب الصهيونية والاسعتمارية والمماطلات على مدى أكثر من ثلاثة عقود بلغ الاحتجاج الفلسطيني والعربي مداه في الثورة الفلسطينية الكبرى ما بين 1936م و1939م وزاد التعسف البريطاني الثورة التهاباً، ومارس البريطانيون وسائل دموية عنيفة ضد الفلسطينيين وقاموا بما قام به الإسرائيليون لاحقاً من نسف منازل المشتبه بهم! واستعانت بريطانيا بقوات اضافية من الجيش البريطاني من كل مكان.
كان وعد بلفور من أغرب الوثائق في التاريخ حيث منح من لا يملك أرضاً لمن لا يستحق على حساب الملاك الأصليين، لذا فليس من الغريب أن تقرر لجنة «بيل» البريطانية - التي أوفدت عام 1937 لبحث أسباب الثورة الفلسطينية - تقسيم فلسطين «مادام العرب يعتبرون اليهود غزاة ودخلاء، وما دام اليهود يرمون إلى التوسع على حساب العرب» حسب مقدمة «القرار!» وعارض العرب التقسيم بشدة وازدادت الثورة استعاراً، ولم تتوقف الثورة إلا بعد أن وعدت بريطانيا قادة الدول العربية بالغاء مشروع التقسيم ونبذه مقابل تدخلهم لوقف الثورة، ومرة ثانية صدَّق العرب الوعود البريطانية.
قرار التقسيم:
انشغل العالم بالحرب العالمية الثانية، وساهمت مذابح هتلر لليهود بتأجيج الصهيونية.
ووضعت الحرب أوزارها وبدا أن ألمانيا وبريطانيا وفرنسا قد أثخنت بالجراح التي لن تقوم لهم قائمة بعدها وظهرت أمريكا والاتحاد السوفيتي كقوتين صاعدتين لتتسيدا العالم.
وما أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، حتى نهضت بريطانيا بوزرها وقدمت مشروع تقسيم جديد، وعندما وجدت المعارضة العربية قوية وشديدة، اتجهت إلى أن يتم تقسيم فلسطين عن طريق الأمم المتحدة عام 1947م.
وفي 29/11/1947م أصدرت الجمعية العامة القرار رقم «181» الذي يقضي بالتقسيم بأغلبية «33» صوتاً مقابل «13» صوتاً مع امتناع «10» أعضاء عن التصويت، وقد بذلت الولات المتحدة والمنظمات الصهيونية وبريطانيا جهوداً محمومة بالضغط والتهديد والرشاوى وشراء الأصوات ليتحقق هذا القرار، ويروي الرئيس «ترومان» بعض الوقائع التي تمت من قبله بهذا الخصوص في مذكراته.
مفاجأة الطرف الآخر:
كانت معاهدة سايكس بيكو قد وعدت روسيا باسطنبول، وأذاع تروتسكي وقائع هذه المعاهدة معلناً أن البلاشفة ضد الاستعمار ولا يريدون أراضي الغير «وهذا ما حدث أيضاً مع فنلندا». وكان ستالين عدواً لدوداً للصهاينة واليهود بصورة عامة، وقام بتصفية كل الأقطاب اليهودية في الثورة وأستأنف حركات التطهير بعد الحرب إذ كان يرتاب في اليهود كثيراً، ونشبت معارك ضارية بينه وبين التنظيمات الصهيونية ورفض قيام يسار صهيوني، وكان رأيه أن الصهيونية أداة للاستعمار، ومع ذلك صوت الاتحاد السوفيتي لصالح قرار التقسيم بل كان ثاني دولة - بعد أمريكا - تعترف بإسرائيل!
إنشاء إسرائيل:
وحددت بريطانيا يوم 15 مايو 1948م لانسحابها من فلسطين، وقرر الحكام العرب أن لا تدخل الجيوش العربية النظامية فلسطين لئلا يصنفوا معارضين للأمم المتحدة وقراراتها وأن يكتفي بتسليح المقاومة الفلسطينية والمتطوعين العرب وإمداداتهم بالسلاح. وبدت هذه فكرة صائبة إلا أن فاروق الذي تملكه حلم طفولة بأن يكون خليفة على العرب والمسلمين أمر وزير حربه بتحريك قواته والشروع في الحرب دون الرجوع إلى البرلمان المنتخب! ودخلت الجيوش العربية المعركة.
وربما كانت جيوش كلمة فضفاضة إذ كانت القوات الصهيونية أربعة أضعاف الجيوش العربية.
وشارك في قيادة القوات الصهيونية ضباط بريطانيون وأمريكيون مثل الأمريكي «دافيدسون» والبريطاني «وينجيت» ولم يكونوا يهوداً.
وفي الجولة الأولى كان العرب قاب قوسين أو أدنى من النصر، ولكن الهدنة البريطانية فُرضت وقبلها العرب، وقفز عدد المقاتلين الصهاينة إلى 106 آلاف مقاتل بالاضافة إلى الطائرات الحربية البريطانية والأمريكية والألمانية. وفي الجولة الثانية أثخن الطرفان بالجراح أما في الجولة الثالثة فقد تأكد نصر الجيوش الصهيونية واستيلائها على ثلثي فلسطين، وفي أثناء الهدنتين كانت أنهار العتاد والجنود تتدفق على الجيش الصهيوني من دول الاستعمار القديم وأمريكا.
علامات مهمة:
- لم تكتف إسرائيل بانتصارها بل عبرت قواتها الحدود المصرية ودارت المعارك هناك في العوجة ويوم 27/12/1948م طلب حيدر باشا وزير الدفاع المصري من بريطانيا التدخل حفاظاً على ماء وجه الملك، ودارت الاتصالات بين بريطانيا وأمريكا لتطلب الأخيرة من سفيرها في إسرائيل الذهاب إلى بن جوريون الذي كان يستجم في احدى المستوطنات ويسلمه أمراً من ترومان بانسحاب القوات إلى حدود إسرائيل فأصدر أوامره بالتنفيذ على الفور.
- كان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م علامة فارقة إذ بعث بولغانين بإنذاره الشهير إلى فرنسا وبريطانيا وأمر آيزنهاور إسرائيل بالانسحاب من سيناء فصدعت بالأمر، واستوعبت إسرائيل حينها الرسالة تماماً: لقد أفل نجما بريطانيا وفرنسا والوريث الحليف هي أمريكا.
- قبل سنة ونصف تقريباً توغلت قوات شارون في إحدى المدن الفلسطينية ولكنها انسحبت بعد 24 ساعة استجابة لأمر البيت الأبيض.

فاكس: 4782781

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved