Friday 24th May,200210830العددالجمعة 12 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

بعد أن تصمت المدافع بعد أن تصمت المدافع
د، فهد سعود اليحيا

جهل ما يجري!
«فظيعٌ جهل ما يجري، ،
وأفظعُ منه أن تدري
غُزاةٌ لا أشاهدهم، ،
وسيف الغزو في صدري»«*»
عندما تظهر هذه المقالة إلى النور قد يكون شارون قد حقق أهدافه كاملةً وشرع في الانسحاب، أو التفت إلى قطاع غزة ليكمل تنظيف السمكة الفلسطينية من الحسك والقشور،
وربما شرع في غارات جراحية على أهداف في لبنان أو سوريا وربما إيران بل في أي مكان معلناً استتباب ليل الذل الطويل،
وعندما تصمت المدافع سيشرع الفلسطينيون في إعداد قوائم الخسائر الطويلة في الأرواح والعدة والعتاد والجرحى والثكلى والأيتام والدور المهدمة والبنى التحتية المهشمة وسيمارس العرب عادتهم الجليلة في لعق جراح كرامتهم في صمت، وبعضهم- وأنا منهم- سيتلبسهم خوف غامض من المستقبل في هذا الزمن الرديء الضربة القادمة: أيّان موعدها؟ وأين موقعها؟ وكيف شكلها؟ وما نوعها؟
وأعترف مقدماً بأني متشائم، بل مغرق في التشاؤم بيد أني لست يائساً! ذلك أن فرقاً كبيراً بين الأمرين،
وأعترف أيضاً أني لم أواجه صعوبةً في الكتابة قط إلا عند كتابة هذه المقالة وما سيتبعها لأن الموضوع يبدو بسيطاً من جانب ومعقداً ومشتبكاً على مستوى آخر، وبقدر ما تتضح الصورة في ذهني بهذه البساطة بقدر ما أجد الصعوبة في تفصيلها، والموقف شبيه في أحد جوانبه بالصعوبة المعروفة في العلاج النفسي الدينامي، إذ من المفترض أن يكوّن المعالجِ تصوراً أو صيغة«formulation» ولكن إيصال ذلك إلى المعالَج«بفتح اللام» بفعالية يحتاج وقتاً وتفصيلاً وانتقالاً- يبدو عشوائياً في ظاهره- بين الحاضر والماضي،
وسأحول هنا بسط رؤيتي، بل تلخيصها- ولأدعوها«مشروعاً»- على أن أعود إلى التوضيح بالتفصيل الممل لاحقاً تحاشياً لسوء الفهم وتوسلاً لاستيعاب سليم:
1) داؤنا الملازم:
مشكلتنا تكمن في أمرين: الأول، أننا نعتمد دائماً ردود الفعل الآنية، ونفتقر إلى طول النفس والخطط الطويلة ناهيكم عن المبادرة، ويخبو حماسنا سريعاً بعد الأحداث، والثاني، أننا لا نقرأ التاريخ وينتج عن ذلك التيه في الحاضر، والتخبط في المستقبل، ببساطة نحن لا نملك أدوات استشراف المستقبل، حتى على المستوى الفردي يتصرف المرء وكأنه يسير على خط مرسوم وضعته يدٌ سحرية دون أن يتوقف ويتساءل لماذا، ويمضي ولسان حاله يقول: أتعلَّم لأدخل الجامعة، وإذا تخرَّجت في الجامعة سأشتغل، وإذا اشتغلت أتمسك بالوظيفة حتى لو كان لي عمل ثانٍ بعد الظهر، وهذا العمل الثاني ليس البديل عن الوظيفة، بل هو يفعل ذلك لأنه يزعم أنهما ضروريان له،
2) الهم المقيم:
إسرائيل شوكة في حلوقنا، بل شوكة في عيوننا«**»، وقد غُرست بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ، لا حباً في عيون اليهود، ولا تعاطفاً معهم، ولكن لتكون مسمار جحا الاستعمار وعصاه، ومع أن الاستعمار القديم قد اضمحل وانتهى إلا أن دورها لم ينته، بل على العكس أصبح أكثر أهمية لورثة الاستعمار القديم، وهي العصا الطويلة أو الغليظة لأمريكا، ولا غرو أن ظهرت تحليلات سياسية كثيرة تشير إلى أن إطلاق يد شارون كان تعبيراً عن غضب أمريكا من موقف الدول العربية من مشاريع التغيير العسكري الخارجي في العراق،
علينا أن نعرف وضع إسرائيل الصحيح ونفهم دورها وأبعاده لنعرف كيفية التعامل الفعّال مع وجودها، وأزعم أن إسرائيل ستتهاوى تلقائياً إذا استنفدت الأغراض منها ولا يعلم إلا الله تعالى متى سيحدث هذا، وفي النهاية فإن إسرائيل مثلها مثل الدولة الصليبية في فلسطين: كلتاهما مجرد غطاء أيدلوجي ديني/ عنصري لمصالح استعمارية،
3) سيدة العالم:
أمريكا في الحقيقة هي الخصم والحكم«وصديق ما من صداقته بد»، ولأنها سيدة العالم بلا منازع في الوقت الحاضر وحتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، وكذلك، لأننا لا نملك من أدوات الضغط- ناهيكم عن المواجهة- شيئاً فمن الهبل والسخرية بعقولنا الدعوة لمناطحتها فنغدو مثل ناطح صخرة ليوهنها، بيد أن قولي هذا لا يعني أننا لا نملك حيالهما- أي هي وإسرائيل- شيئاً، بل أنا على ثقة بأن في أيدينا الكثير، وعلى الرغم من أن هذا الكثير لا يغني شيئاً في الوقت الحاضر والمستقبل المنظور أمام جبروت أمريكا وسيطرتها على مقدرات العالم،
ومع يقيني أن الدول الكبرى تقوم على إستراتيجيات ومؤسسات ولا تعتمد كثيراً على شخص الرئيس- أو شخوص الإدارة- إلا إنني لا أرى أمريكا كلاً واحداً، كما أني أؤمن بحركة التاريخ،
4) الإصلاح في الداخل:
في الظروف السياسية العالمية الحالية لا تملك الحكومات- في العالم بأسره- إلا مساحة محدودة للحركة، فأمريكا سادنة النظام العالمي الجديد لن تألو جهداً في توصيف دولةً ما برعاية الإرهاب أو بالعمل ضد مصالح أمريكا الإستراتيجية أو الحيوية وتلوح بالجزرة والعصا لتقود حملة عالمية ضد تلك الدولة، ولا حل للحكومات العربية إلا مد الجسور مع شعوبها، والتخلي عن الريبة والشك غير المحسوبين اللذين يلونان علاقات الحكومات مع شعوبها،
وأرى أن الشروع في بناء أسس المجتمع المدني وتدعيمه وتأصيله ضمانة حقيقة للمستقبل، وأزعم أن الاستقرار يكون بمدى التفاف الشعوب حول حكوماتها، لا بالتمترس وراء أدوات السلطة،
وأرى أن الخطر الحقيقي الذي قد يتربص بعدد من الدول العربية في المستقبل هو التفتيت إلى كيانات أشبه بدول الطوائف في الأندلس، فأنا لا أخشى على أي دولة عربية من غزو خارجي ولكن أحذِّر من مخطط تمزيق وتقسيم قابع في الأدراج، وأرى أن دعم الوحدة الوطنية وتكريس مؤسسات المجتمع المدني يشكلان أسس الوقاية والأمل،
5) الحلفاء في الخارج:
تمثل المؤسسات الانسانية والمنظمات الشعبية العالمية حليفاً قوياً لكل القضايا الإنسانية، فتلك المنظمات هي التي أيقظت العالم على المذابح الرهيبة في البوسنة والهرسك، وهي التي تقوم الآن بإدانة الممارسات الإسرائيلية، وعندما نرى صور المظاهرات في الخارج نرى الكثيرين من غير العرب والمسلمين،
وتوثيق الصلات مع تلك المجموعات يقع على عاتق الأفراد والمجموعات المشابهة، إذ إن تلك الجمعيات والمنظمات لا تقيم صلات مع الحكومات،
6) الدور المنشود للمثقفين:
في يقيني واعتقادي أن على المثقفين من مختلف ألوان الطيف، مسؤولية كبيرة إن لم تكن المسؤولية الأولى، في بناء المجتمع المدني، وتحقيق الأهداف الوطنية، ومع أني أزعم أن جزءاً من مصائبنا هو في مثقفينا- مثلما كانت المصيبة الأكبر في«العسكريتاريا»- إلا إنني لا أعني أحداً بعينه ولا فئة بذاتها، وفي الوقت نفسه أعني الجميع وأنا منهم إن سوَّلت لي نفسي أن أزعم أني في زمرة المثقفين،
7) إرث الحرب الباردة:
انتهت الحرب الباردة منذ أكثر من عقد من الزمن، وجرت في النهر مياه كثيرة فتبدلت الجغرافيا، وتغيَّر وجه السياسة في العالم، ولكن الخطاب الثقافي العربي ما زال مثقلاً بمفاهيم الحرب الباردة ومصطلحاتها، بل إني أزعم عن سبق تعمد وإصرار أن الحكومات العربية والمثقفين كلهم ما زالوا رهينة لأجواء الحرب الباردة،
8) الوطنية والمواطنة:
من ذلك الإرث أن كثيرين لا يرون الأعمال وطنية إلا إذا كانت مصبوغة بلون سياسي، وهم بذلك لا يختلفون عن من يرون أن المواطنة هي في شق الحناجر هتافاً في تشجيع المنتخب الوطني، إني أرى في العمل على حماية البيئة- مثلاً- عملاً وطنياً من الطراز الأول، كما أرى الوطنية الحقة في الحفاظ على مصادر المياه والطاقة، وفي الإخلاص في العمل، وفي حماية المستهلك، وفي العمل التطوعي، وفي رعاية الأيتام، وفي كل عمل من شأنه إعلاء المواطن واحترامه،
وبالمقابل أرى انتهاك الوطنية في الغش، والخداع، والتزوير، واستغلال السلطة، والإعلانات التجارية الكاذبة، والتهاون في أداء الواجب الوظيفي والمهني، والسواقة الرعناء، والمشاريع التجارية الهادفة إلى استنزاف جيوب المواطنين وخزينة الدولة، وفي استغلال المواطن بأي شكل من الأشكال،
إني ببساطة أرنو إلى تربية وطنية تتجاوز تطوير المقرر الدراسي إلى ممارسة فعلية ملموسة ومقروءة ومسموعة تؤكِّد بالعمل والممارسة أن الوطن ليس قالب كيك ولا قطعة قماش،
توكلنا على الله:
وفي تسويق مشروعي هذا أعترف أيضاً بأني لست بالباحث المتمرس، ولا بالخبير المتمترس بالحنكة والتجربة، لذا ألتمس العذر مقدماً من القارئ الكريم لأني سأقصر مهما اجتهدت، وأعتذر إليه لأني سأغرف من بحور التاريخ وأجوس في«دواعيس» المعاصر وأدعوه في الوقت نفسه للتفضّل بالمساهمة بالنقد والنقاش والإضافة والتعديل فقد أسميته مشروعاً لأنه حقاً كذلك، وليس هو قالباً خالصاً جاهزاً للتطبيق،
«*»مطلع قصيدة للشاعر اليمني الراحل«عبدالله البردوني»!
«**» شوكة في عيونكم«كتاب إيديولوجي من تأليف«منير كاهنا» وسيأتي ذكره لاحقا،

فاكس:4782781 fahads@suhuf، net، sa

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved