Tuesday 28th May,200210834العددالثلاثاء 16 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

في كل عدد حرف في كل عدد حرف
(ب) البيئة
د. محمد شوقي مكي

يعالج المهتمون بأمور البيئة هذا الموضوع من زوايا عديدة، ولعلي هنا أركز على الخلل الذي حل بالكثير من المدن التقليدية في التوازن بين النمو الحضري والنمو الزراعي داخلها وحولها، مما أدى إلى توسع الاستخدامات الحضرية على حساب الاستخدامات الريفية، مما أدى إلى تدمير البيئة الطبيعية المحيطة بالكثير من المدن في الدول النامية، وتبع هذا التدمير تأثيرات سلبية على المقومات الاجتماعية والثقافية لكثير من المجتمعات.
لقد أغرى المردود الاقتصادي المرتفع من الاستخدامات والوظائف الحضارية إلى تحويل مساحات كبيرة من المناطق المزروعة إلى مبان وطرق وميادين أخلت بأشكال السطح وبأنواع النباتات المحلية وتعداه إلى باطن الأرض بالتأثير في المجاري الباطنية للمياه، مما أدى إلى نضوب الكثير من عيون المياه الطبيعية وزيادة حدة الجفاف في بيئة الكثير من المراكز الحضرية.
لقد كانت الخضرة تنتشر داخل وحول ا لعديد من المدن السعودية القديمة حتى لنجدها تطوق بعض المدن تطويق السوار للمعصم مما يحقق خطاً متجانساً للأفق ومريحا لعين الناظر دون نتوءات تعيق مد النظر فليس هناك فاصل بين حياة المدينة والريف وإنما يشكل المظهر العام كلا متكاملاً مكانياً واقتصادياً واجتماعياً حتى في وقت بناء الأسوار حول المدن، كما هو الحال مثلا في المدينة المنورة في غربي المملكة. إن هذه العلاقة بين المدينة والريف في كثير من الدول هي حجر الأساس في منظومة الإنماء والتطوير.
لقد تغيرت هذه المظاهر خلال الثلاثين سنة الماضية في المدينة، فبدأت تظهر كثير من المباني ا لمتباينة الارتفاع والمختلفة في التصميم المعماري مما حجب سيادة المركز الديني للمدينة على خط الأفق كما هو المعتاد في المدينة العربية الإسلامية التقليدية. وبدأ الإنسان يسوي الأرض وينسف المرتفعات ويبني مكانها المباني المتعددة الأدوار، ويبني في بطون الأودية بعد ان أقام السدود وحجب مرور المياه عن داخل المدينة مما أدى إلى فقد التناغم السابق بين البيئة الطبيعية والمظهر الحضاري العام والأهم من هذا وذاك هو إزالة المساحات الخضراء داخل المدينة القديمة وخارجها بشتى الطرق واستبدالها بالكتل العمرانية مما أدى إلى تناقص هذه المساحات بل وأصبحت مهددة بالزوال التام وينطبق الحال على العديد من المدن السعودية مما يعني فقدها لميزة فريدة استمرت لعدة قرون نتيجة عمليات التخطيط والتطوير غير المتوازنة.
هجر الأرض الزراعية لتتحول إلى أرض بور ثم يصار إلى تطويرها كمنطقة عمرانية.
والدعوة هنا خالصة ليس لإيقاف عمليات النمو والتطوير وإنما لإعادة النظر في استراتيجيات تطوير المدن السعودية بحيث تعمل مثل هذه الخطط على المحافظة على هذه المناطق الخضراء داخل المدن وخارجها وإذا كان هناك من ضرورة لتطوير مناطقها أو عدم قدرة أصحابها على تنميتها والمحافظة عليها فلابد من إنشاء صندوق أو جهاز إداري يهتم بمثل هذه المناطق ويستوعبها في عمليات إعادة التخطيط بحيث تكون متنفساً للمدينة ومكاناً للترويج لسكانها مع العمل على توجيه عمليات النمو إلى المناطق الأقل مناسبة للزراعة وما أكثرها في بلادنا.
لقد عانت كثير من الدول من النمو غير المتوازن سواء في اعتماد قوى السوق الحرة، أو التدخل الحكومي والتركيز على الجوانب الاقتصادية وإغفال راحة السكان ورفاهيتهم. إن التخطيط ا لمادي لمناطق العمران كثيراً ما ينظم استعمالات الأرض ولكنه قد يتجاوز عن احتياجات بعض السكان خاصة محدودي الدخل وقد يركز التخطيط الموجه على استعمال الموارد المالية ويهمل الاحتياجات الاجتماعية. الذي نريده هو استراتيجية متوازنة تربط بين تنمية الموارد وتلبية الاحتياجات الاجتماعية والتوزيع العادل للإنتاج بين المناطق وأفراد المجتمع مع المحافظة على البيئة وعدم الإساءة إلى خصائصها الفريدة قدر المستطاع.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved