شهدت المدن السعودية خلال الثلاثين سنة الماضية نمواً وتطوراً في جميع المجالات، ومن ذلك التمدد العمراني الذي ضاعف من مساحة الكثير من هذه المدن أضعافاً مضاعفة، وفي كثير من الأحيان لم يكن هذا التمدد مستمراً وإنما نلاحظ جيوباً شاغرة غير مطورة داخل هذه المدن تبقى لسنوات بهدف المضاربة في الأرض وانتظار السعر الأعلى لبيعها، وقد أتى نظام النطاق العمراني الذي طبق في سنة 1409هـ ليحدد نمو المدن ضمن نطاقات عمرانية تخضع لمراحل زمنية بهدف ضبط النمو الأفقي المتسارع لهذه المدن.. ولكننا لا نزال نجد حتى الوقت الحاضر استمرار وجود هذه الجيوب غير المطورة داخل النطاقات العمرانية للمدينة.. ولا شك أن هذه الجيوب المتناثرة في المدن تشكل عوائق للنمو الحضري المتوازن ، فهي تعكس بثوراً في أجمل شوارع مدننا، وخصوصاً المدن الكبيرة مثل الرياض وجدة، هذه البثور تخدش خط الأفق بكثرة الفجوات التي تبتر جماليات هذه الشوارع، حيث قد تصبح هذه الفجوات مستقراً للنفايات والردميات.
وهناك جانب آخر لهذه الإشكالية يمس ميزانيات أمانات المدن وبلدياتها، والأجهزة الخدمية الأخرى في فرض تكاليف إضافية لمد الخدمات أفقياً لمسافات طويلة داخل المدن دون الاستفادة من بعض هذه التمديدات للتنمية مثل خدمات الماء والصرف الصحي والهاتف والكهرباء، كما أن هذا التوسع المتناثر للبنية العمرانية يزيد من صعوبات وتكاليف الانتقال بين أجزاء المدينة الواحدة، مما يشكل إجهاداً للسكان والعربات التي تنقلهم بين الأجزاء المتناثرة للمدينة.
ولعل الرأي هنا يدور حول منع إنشاء مخططات جديدة على أطراف المدن إلا بعد استكمال البناء في المخططات المرخص لها من قبل، مع العمل على التحكم في أسعار الأرض والبناء في هذه المخططات حتى لا يؤدي المنع إلى المغالاة في الأسعار، وكذلك عدم السماح بالبناء في أي مخطط إلا بعد التأكد من وصول الخدمات الأساسية له، وخصوصاً مياه الشرب وخطوط الهاتف. لقد عالجت بعض الدول مثل الباكستان اتجاهات المضاربة في الأرض وتركها دون استغلال داخل حدود المدن بفرض ضرائب على أصحاب هذه الأراضي، وتتزايد هذه الضرائب مع طول مدة عدم الاستغلال. ولعل هذه الاجراءات تقلل من التسارع المجنون في النمو غير المتوازن لبعض المدن، وتقلل من الشكاوي التي نسمعها بين الحين والآخر على صفحات الجرائد من عدم وصول الخدمات إلى مساكن المواطنين الواقعة في مناطق متطرفة وأحياناً نائية عن النطاق العمراني للمدينة.
| 
