Friday 14th June,200210851العددالجمعة 3 ,ربيع الآخر 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

في كل عدد حرف في كل عدد حرف
«ظ» الظلم
د. محمد شوقي مكي

*. ولكننا نجد الظلم يسود العالم في عصرنا الحاضر في أبشع صوره، وهل هناك أكثر ظلماً على وجه الأرض مما يتعرض له شعب بأكمله لأعمال القتل والسلب والنهب والتهجير والشجب والاستنكار كما يتعرض له الشعب الفلسطيني! ويقوم بهذا الظلم طغمة من شذاذ الآفاق على مسمع ومرأى من دول العالم ومنظماته السياسية والإنسانية والحقوقية، بل وأحياناً بدعم من بعضها.
لقد قدم الشعب الفلسطيني عشرات الآلاف من الشهداء في سبيل الدفاع عن حرمة وطنه وشعبه، ولكن هذا الظلم القهري الممارس عليه والمدعوم دولياً يجعله غير قادر على رفع هذا الظلم عنه. كما سُلبت أراضي ومساكن ومزارع هذا الشعب قهراً وهو لا يستكين ويأمل أن يستعيد يوماً ماسلب منه. ونتيجة لهذا السلب هجر ملايين الأفراد ديارهم وأوطانهم وأصبحوا يعيشون في معسكرات ومخيمات داخل أرض فلسطين وخارجها في دول تستضيفهم أثناء محنتهم لحين العودة. وقد أدى هذا الظلم إلى تشكيل خلايا فدائية للدفاع عن الوطن والحرمات والرد على بعض الجرائم التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني، وهنا ظهر الشجب والاستنكار لهذه الأعمال الفدائية، وكأنه يقال لهذا الشعب: ارض بهذا الظلم صاغراً لكي تعيش، أو أنك ستقتل وتحرم حتى من حق الحياة التي منحها الله سبحانه وتعالى لجميع خلقه.
لقد برزت في الآنة الأخيرة محاولات داخلية وخارجية للمطالبة بالرضى النهائي بالأمر الواقع والموافقة على عقد الاتفاقات لإقامة دولتين منفصلتين للكيان الصهيوني وللدولة الفلسطينية، وقد كان الأولى قبل التوقيع على هذه الاتفاقات تحديد حدود هاتين الدولتين وإجبار كل طرف على الالتزام بهذه الحدود وبجميع مواد الاتفاقية دون ترك أي مجال للأخذ والرد وما يسمى بالمفاوضات في قضية شائكة وحساسة، وعدم ترك الأمر لأهواء ورغبات الحكومات المتغيرة. إنه مصير الشعوب لابد أن يكون واضحا في جميع بنوده وطرق تطبيقه.
لقد أصاب من توقع عدم نجاح اتفاقات ما يسمى بالسلام في أوسلو ومدريد لأن كثيراً من بنود هذه الاتفاقات تركت الحل النهائي معلقاً، وهذا ما صار وما سيصير إليه من مهاترات ومداولات وحوارات فيها الشيء الكثير من الحديث المفبرك والاتهام للطرف الآخر دون الوصول إلى نتيجة واحدة تقف على قاعدة صلبة. وما هذه الحوارات والمفاوضات إلا مسكنات لقدر محتوم في المواجهة الشاملة بين العرب والصهاينة.
وما يؤكد هذا الاتجاه هو استمرار هذا الظلم دون اتخاذ خطوات فاعلة وحاسمة لحل المشكلة الواضحة وضوح الشمس، وهي ازالة الاحتلال وبالتالي ازالة العدوان على شعب لا يملك من وسائل الدفاع والحماية إلا النذر اليسير من الحجارة والأسلحة الخفيفة التي لا تساوي شيئاً أمام جبروت الآلة العسكرية الحديثة والفتاكة والمحرمة دولياً.
إن لكل فعل ردة فعل، ولو رجعنا للفعل لوجدنا من قام بالاحتلال هم اليهود بدعم من الحركة الصهيونية، ثم بدعم من العديد من دول العالم المتنفذة مثل بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، ثم بقرارات دولية من عصبة الأمم التي أصبحت فيما بعد الأمم المتحدة. والآن أصبح هذا الدعم الفاعل من قوة دولية وحيدة هي الولايات المتحدة الأمريكية التي سميت راعية للسلام في الشرق الأوسط وما هي إلا راعية لإرهاب دولة إسرائيل المزروعة قسراً في منطقة الشرق الأوسط.
وحتماً سيكون لهذا الفعل والدعم الظالم له ردة فعل من المظلوم، وكان من العدل والإنصاف وجود دعم مساو لهذا المظلوم، ولكن المطالبات الدولية والقرارات الدولية أخذت تستنكر أي ردة فعل وأي دعم لردة الفعل هذه، وتشجع علناً أو من وراء ستار أعمال الظالم لمكافحة ردود الفعل والقضاء عليها نهائياً. وفي ظل هذه الأعمال القمعية يطلب من المظلوم بالكف عن ردود أفعاله واتخاذ إجراءات محددة عاجلة وسريعة لإجبار الفدائيين بإلقاء سلاح النضال لتحرير أرضهم والعودة لمائدة المفاوضات التي لم تحقق أصلاً لهم شيئاً رغم مرور عشرات السنوات عليها، ورغم الاستفزازات التي يرتكبها الظالم المحتل الذي لا يرضى ضمناً مع ما سبق أن اتفق عليه ليسوّف ويتذرع بذرائع سفسطائية تحول دون تقدم هذه المفاوضات بل وتوقفها تماماً لتخلق أجواء جديدة تلهي الطرفين عن التقدم في هذا الاتجاه السلمي.
إن كل هذه الأعمال المراوغة تخلق الحقد وتولد الانفجار. وإن تصريحات الإدانة والاستنكار للأعمال التي تتولد من هذا القهر والانفجار تزيد من الضغوط والكراهية ليس فقط للظالم وإنما لمن يدعمه ويكرر أقواله كما تفعل الإدارة الأمريكية التي أصبحت تشكل الناطق الرسمي للكيان الصهيوني في ترديد نفس المطالبات التي يعتقد أنها ضرورية لتحقيق الأمن لكيانه قبل بدء استمرار المفاوضات. لقد كان الأولى بهذه القوى الداعمة أن تستنكر بالوضوح نفسه الأعمال التي تصدر من الطرفين، لا أن تجتر مطالبات الظالم حين يتعرض لعمليات فدائية، وتدس رأسها في الرمل حين يتعرض الشعب الفلسطيني لهمجية الآلة العسكرية الإسرائيلية. وكان الأولى أن تجتمع هذه القوى بقيادة الطرفين لمعرفة وجهات نظريهما وترعى بحيادية عمليات السلام، لا أن تستقبل أحد الطرفين وتعد له برنامجاً حافلاً للزيارة، وتتجاهل الطرف الآخر، بل وتهرب من لقائه حين شاءت ظروف وجوده معها في قاعة الاجتماعات نفسها في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، وتطلب من الآخرين عدم دعوته أو استقباله.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved