Saturday 15th June,200210852العددالسبت 4 ,ربيع الثاني 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

في كل عدد حرف في كل عدد حرف
«ف» الفراغ:
د. محمد شوقي مكي

يعرف المتخصصون بالترفيه الفراغ بأنه الوقت الحر لدى الإنسان الذي لا يمارس فيه عملاً أو واجباً رسمياً للآخرين. ولكن هذه الحرية لابد أن تكون مضبوطة بحيث يمكن للإنسان ممارسة نشاطات يرغبها دون إضرار لنفسه أو للآخرين. وكثيراً ما يفشل بعض الأفراد في الاستفادة من هذا الوقت الفائدة الملائمة خاصة مع تزايد حجم هذا الوقت في عصرنا الحاضر نظراً لتعدد الإجازات والعطل الرسمية، وخاصة العطل الصيفية للطلاب والمشتغلين بمهنة التعليم. ولهذا كثيراً ما نسمع ونقرأ عن مشكلة قتل وقت الفراغ، وكأن هذا الوقت عدو نريد التخلص منه، مع أنه نعمة أنعمها الله على عباده ويمكن أن تستغل بأوجه عديدة.
ولاشك أن قيمة هذا الوقت عظيمة جداً ولذلك كان أحد الأمور التي يسأل الإنسان عنها يوم الحساب، حيث يسأل عن عمره فيما أفناه، فإذا كان في الخير وفي حفظ حقوق الله وحقوق العباد كانت سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، وإن كان غير ذلك فنسأل الله لمن هذا حاله الرحمة والغفران. جاء في سنن الترمذي والدارمي عن أبي برزة الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن عمله ما فعل به، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه».
وفي الحقيقة إني أعجب لبعض من يشكو من الملل من وقت فراغه وعدم معرفته كيف يقضي هذا الوقت، مع أن هناك آخرين ينهكهم العمل الدنيوي أو ما ينفعهم في آخرتهم ولا يجدون الوقت الكافي لممارسة ما يكلفون به أو ما يتطلعون إليه. ولا أجد تفسيراً لذلك إلا الخواء الفكري للمجموعة الأولى، والتخطيط والتنظيم للمجموعة الثانية.
ولعلي أذكر هنا بمجالين مهمين لقضاء وقت الفراغ كثيراً ما يعزف عنها من يعانون مما يدعونه مشكلة الفراغ، ولو بذلوا فيها بعض الجهد لتحقق لهم الكثير من الرضا والعافية. وأول هذين المجالين الإكثار من ذكر الله وقضاء الوقت في طاعة الله والإكثار من النوافل وارتياد بيوت الله وخاصة الحرمين الشريفين للتزود من نفحات الإيمان في هذه البقاع الطاهرة. وكما جاء في مسند الإمام أحمد عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«ما عمل آدمي عملاً قط أنجى له من عذاب الله من ذكر الله...».
والمجال الثاني هو القراءة في مجال تخصص الفرد أو فيما يدخل في باب الثقافة العامة التي حتماً تعتبر رياضة لفكر الإنسان ومنطقه، وهي تفضل وسائل الاتصال الحديثة من فضائيات وبرمجيات توفر المعلومة السريعة التي قد لا ترسخ في الذهن، أما القراءة فتمكن الإنسان من المراجعة في أي وقت شاء ومع أي مجال أراد.
ولا شك أن هناك العديد من المجالات الأخرى النافعة لقضاء وقت الفراغ، ولكن ما يحتاجه الفرد هو تنظيم وقته وبرنامجه اليومي أو الأسبوعي أو الفصلي لإعطاء كل مجال حقه. وحتماً مع هذا التنظيم سوف لن يجد هذا الفرد أي وقت ضائع. أما التركيز على نشاط واحد والانجراف والغلو في تشجيع هذا النشاط مثل لعب كرة القدم أو مشاهدة الفضائيات حتماً سيؤدي إلى ملل الإنسان، ولأنه لم يفكر في وضع برنامج لبدائل تمكنه من التنقل اللزمني بين العديد من النشاطات النافعة فقد يواجه الفرد مشاكل نفسية قد تتحول إلى مرض لا سمح الله، وقد تؤدي في النهاية إلى انحرافات لا تحمد عقباها ولا يستطيع هذا الفرد تعويض ما فات وتحقق له الندم المرير يوم لا ينفع الندم.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved