Sunday 23rd June,200210860العددالأحد 12 ,ربيع الثاني 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

ثم ماذا ثم ماذا
هذا ما يقوله المعماري البيئي؟ 1 - 3
بدر بن سعود

اذكر الآن قصة حقيقية رويت لي على لسان صاحبها، الذي ما زال حيا يرزق بالمناسبة، وهي طريف+656ة ومؤلمة في نفس الوقت.. هذا الشخص تخرج من الجامعة بتخصص يعتبر جديداً وقتها، وأقصد قبل ما يقارب 15 عاما أو يزيد، ولأجل هذا استقدمت الدولة لأجله كادراً تعليمياً أجنبياً، كلف مبلغا محترما لاحضاره.. المذكور توجه لديوان الخدمة المدنية لتسجيل بياناته بانتظار الوظيفة، وكانت المفاجأة انه لم ينتظر طويلا حتى تلقى اتصالا يفيد بأن الشاغر موجود، فما كان منه إلا ان توجه لانهاء الاجراءات ومعرفة الجهة المعين بها، وهنا صدم بموقف يدعو للضحك، فالوظيفة المتوفرة في مسماها المجرد وهو «معماري» كانت تتلاقى والشق الأول للتخصص، وتختلف كليا عند اكمال بقية المسمى «معماري بيئي!!» ما يعني بصورة أو بأخرى عدم استيفائه للشروط، ويظهر بالنتيجة خطأ إداري واضح، يبين غياب التنسيق التخطيطي بين مؤسسات الدولة مثلما سنعرف لاحقا، فالمعماري البيئي يهتم بوضع اللمسات الفنية على المباني المزمع انشاؤها كي لا تضر بسلامة البيئة، بينما المعماري من دون إضافة، يتدخل لتصميمها وتقديم أفكار البناء الهندسية والشكل المقترح للمبنى وما يحتويه، أو هكذا فهمت، وقد توصل صاحبنا كذلك إلى جهل الخدمة المدنية بالتخصص العجيب الغريب الذي يحمله؟، واعتباره ليس مصنفا ضمن الوظائف المتعارف عليها، ولاحظ استعانة الدولة بخبرات أجنبية للقيام بالمهمة نفسها رغم توفر البديل المحلي؟!، وهذه مأساة.. إذ كيف تنفق الأموال لاستحداث أقسام دراسية متطورة وحضارية بالجامعات وتخريج كفاءات مصيرها المؤكد والتعيس الالتحاق بقوافل العاطلين، والأدهى ان الحاجة لم تكن ملحة حين ذاك لقيامها، ولو بدت موجودة حاليا بشكل محدود وضيق.. هذه الأمور وغيرها تقدم رسما تشريحياً لواقع نرفض الاعتراف به، فالاهتمام بمدن الاسمنت والوجه المشرق البهيج أمام العالم، أفقد عناوين التنمية من مضمونها المفيد للمجتمع، وجعلها أقرب للكوابيس منها للاحلام الوردية، كما تبرز الحالة المشار إليها، وأمثالها كثير مهما اختلفت تفاصيل الروايات وهموم أصحابها، مرض ادراي مستعصٍ يستدعي العلاج الفوري، ولا يحتمل التأجيل أو الانكار.. هذا المرض يخص الرؤى الإدارية للمستقبل البعيد والقريب، ومدى توافق المطلوب مع المخطط له، فقد أظهرت خطط التنمية المتتابعة خللا يخص مخرجات التعليم مقارنة بالشواغر المتاحة لاستيعابها حسب التقديرات المتفائلة جدا، وأشارت كذلك إلى ضعف إمكانات التعليم العالي في توفير مقاعد جامعية لخريجي الثانويات، ما أقام خيار المشاركة مع القطاع الخاص كأسلوب انقاذي لحل المشكلة، رغم تمتع دول عربية لاتوازي مكانة المملكة المالية بجامعات تعادل ثلاثة أضعاف نظيراتها في السعودية، ولا ندري أيتعلق الموضوع بسياسة الانفاق أم بأشياء أخرى لا ندركها.. من دون شك لن نذهب نحو تفسير ما جرى ويجري تحت مظلة الفعل ورد الفعل، أو نفتح أبواب الفراغ والبطالة والفقر لتبرير تصرفات يرفضها المنطق، لكننا لا نستبعد بأي حال سعي الموتورين وأصحاب النوايا السيئة لاستغلال الظروف المتأزمة، متى سنحت الفرصة، فالمسألة ليست خصخصة وقطاع خاص فقط، وإنما مسؤولية وطنية تستدعي المواجهة والاعتراف بالتقصير، الذي نلمسه ونعيشه كل يوم، ولنراقب مثلا أداء المستشفيات والبلديات، إلى جانب الخدمات الأساسية المهيأة لقطاعات الحكومة ذات الاتصال المباشر بالجمهور.. هل هي فعلاً كافية وملائمة، أم يعتريها القصور وتدب في أوصالها العشوائية؟!، وأين موقع المعايير الدقيقة للمحاسبة والرقابة في سلم الأولويات الحكومية، إذ لم نسمع باخضاع مسؤول تنفيذي للتحقيق جراء سوء استغلاله لسلطات الوظيفة الموكلة إليه، باستثناء حالة أو حالتين جاءت استجابة لتجاوزات مكشوفة لا يمكن السكوت عليها؟!، بعدما وفرت تعميمات سمو ولي العهد -حفظه الله- المناخ المناسب لتفعيلها.. والمنتظر حاليا تحسين مستوى التخطيط العام فيما يخص الجوانب الملتصقة بالحياة اليومية، ومحاولة فهم ما يحتاجه رجل الشارع البسيط سعيا لتحقيقه، أو بأقل القليل الوصول به لحد أدنى يرتضيه ويشبع حاجاته الأساسية، ما سيسد الطريق على هواة الاصطياد في الماء العكر، عندما لايجدون أذنا عاقلة تستمع لمهاترتهم، ويجعل المرضى بمطامحهم الشخصية يغادرون إلى غير رجعة؟!.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved