Thursday 27th June,200210864العددالخميس 16 ,ربيع الثاني 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

منعطفات منعطفات
المأساة !
د. فهد سعود اليحيا

نهارك أغبر إذا كان بيتك بجوار مكتب حكومي أو محل تجاري. وسيكون أسود مثل الخروب لو كان المكتب يكتظ يومياً بالمراجعين، أو كان المحل رائجاً والزبائن كُثر. سيكون الوصول إلى بيتك مناورة لا تخلو من المخاطر، وسيتحول باب المنزل إلى موقف. ولن تجد مكاناً لسيارتك.
لماذا يحدث ذلك، ببساطة لأننا مواطنون ومقيمون تعساء وأنانيون ولا نهتم بحقوق الآخرين، وكل ما يهم مصلحتي من المكتب أو الدكان.
هذه بالطبع مصيبة، ولكن المصيبة الأعظم هي في أن الطاسة ضائعة. المكتب أو المحل التجاري معني فقط بما يدور داخله، أما خارجه فأفعل ما تريد، وبالسلامة، وشرفونا مرة أخرى، بالرغم من أن وجوده سبب أصيل لذلك الازدحام المقرف. أما المرور فهو معني إذا صادف الأمر بالطرق الرئيسة، أما الشوارع الفرعية والداخلية فهي مسؤولية أخرى قد تكون مصلحة المياه أو الجمارك.
ماذا تفعل حينئذ؟ أمامك حلان إما أن تمضي وقتك بالعراك مع عديمي الأخلاق الذين يسدون الطريق حتى يحل الثقيل عنك. أو أن تحيط بيتك بحواجز وسلاسل ولافتات بلون الدم تقول «ممنوع الوقوف». ولكن حذار فهذه مخالفة لأن الشارع ملك للحكومة، وعابري السبيل.
صحيح أن فرصتك كبيرة بأن لا يسائلك أحد، لأن ما عندك أحد. ولكن لا تفاجأ ذات يوم إذا طرق باب بيتك رجل الشرطة، أو مندوب البلدية، ليجرجرك في الأروقة والدوائر لاعتدائك على حق الحكومة.
ستكون مصيبة بحق وكارثة وخيمة العواقب لو شب حريق في أحد البيوت، أو انهار أحد المنازل، أو أي من الكوارث التي تحدث بدون بحكم طبيعتها دون إنذار. لن تتمكن سيارات المطافئ من الدخول، ولن تتمكن فرق الدفاع المدني وسيارات الإسعاف من الوصول.
ومما سيزيد الطين بلة أن أولئك الذين سدوا الطرق وأعاقوا المرور بسياراتهم سيهرعون لإنقاذ سياراتهم وكل واحد منهم يقول «نفسي .. نفسي .. وسيارتي .. سيارتي!» غير عابئ بمن يُدهس ولا من يُصدم.
وعندما يتم إخلاء الطريق لفرق الدفاع المدني، ربما يكون الحريق قد وصل إلى المكتب أو المحل أو المنازل المجاورة، وسيزيد عدد الضحايا والخسائر. وسيحمل التقرير أن سبب الحريق التماس كهربائي، أو عقب سيجارة .. والله يحب الستر.
صديقي سيىء الحظ يسكن خلف مديرية الشؤون الصحية بالرياض والشوارع خلف المديرية وحول بيت صديقي التعس تتحول إلى سيرك بغيض من سيارات واقفة كيفما اتفق، وسائقين يسوقون كما البهلوانات. وسوء حظ صديقي لا يلازمه في النهار أو وقت الدوام الرسمي، ولكنه دائم طوال الأسبوع وفي الليل والنهار ذلك أن بجوار المديرية بالضبط أسواقاً كبيرة تمتلئ بالسلع معقولة الصنع، ولذا ما أن ينتهي دوام المديرية حتى يبدأ دوام المتسوّقين.
وكلما ذهبتُ لزيارة صديقي سيىء الحظ واضطررتُ إلى خوض المناورات الحية تحت قصف الألسنة وأزيز السيارات قالت لي نفسي: ماذا سيحدث لو شب حريق هنا، أو انهار منزل هناك؟.
أنا لا أقول هذا لأني نكدي ومتشائم ومتطير ولا أتفاءل بالخير. أبدا والله العظيم، فأنا عكس ذلك تماماً. ولكنني أعرف أن النار من مستصغر الشرر، وأن الكارثة عندما تقع بأمر الله فإن الخسائر تزيد أو تقل بحسب ما هدانا إليه الله من تخطيط وتدبير واحتياطات. وان وقع الكوارث أكثر إيلاما وأبعد صدى في دول العالم الثالث والرابع والخامس لأن الاحتياطات لم تكن كافية، ولأن إجراءات السلامة لم يتم اتباعها.
وإذا ذهبت عزيزي القارئ إلى لندن فلا بد أنك لاحظت أن ما يقرب من ثلث المساحة على جانبي الطريق يمنع فيها وقوف السيارات. والسبب هو الاحتياط للحاجة لسيارات الإطفاء والإسعاف والدفاع المدني.
ولا يخلو حي في الرياض من بضعة أماكن شبيهة بالمكان المثال أعلاه. ولا تخلو مدينة عندنا من عشرات الأماكن بهذا الشكل. بالطبع يعنيني أن يلتزم الناس بالنظام، ويهمني أن يتحلوا بمكارم الأخلاق. ولكن عند الحديث عن الكوارث يختلف الأمر.
هل ننتظر حتى تحدث كارثة شبيهة بمدرسة مكة المتفحمة لنتحرك؟ اللهم هل بلّغت اللهم فاشهد!.

فاكس: 4782781

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved