Saturday 29th June,200210866العددالسبت 18 ,ربيع الثاني 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

جروح الحمد.. تثير الشفقة! جروح الحمد.. تثير الشفقة!
فهد العبدالله الغريري

* جروح الذاكرة» ص285-286
*المؤلف: تركي الحمد
* مطبوعات دار الساقي الطبعة الثانية 2002م
انتهيت من قراءة الرواية اليوم فقط .. رواية تعيسة.. وتركي الحمد يستحق الشفقة!
«لطيفة الأثلة» بنت القرية النجدية التي انتقلت للرياض وأصبحت من محدثي النعمة تستشهد بمقولات«فرانسيس بيكون»و«اوديث سودرجران»!
هذا عدا استشهادها بفحول الشعر الجاهلي والاموي والعباسي والحديث في كل لحظة وكل موقف!
وتجليها مع الخيام ونظرتها الخاصة في قضية ادعاء المتنبي للنبوة! هذا عدا معرفتها لكل السمفونيات وعازفي الاوركسترا الغربيين! بل انها تستشهد بصلب المسيح وقتل الحسين!
وبعد ذلك كله لن تصاب بالدهشة إذا اطلعت على معرفتها بكل المذاهب النفسية وعلى رأسها مذهب التحليل النفسي بقيادة فرويد! كل هذا يتجسد أمامك في شخصية«لطيفة الأثلة» التي ولدت وترعرعت في قرية وصفها تركي الحمد بأنها«مجهولة الزمان ومنفية في المكان» في أزمان غابرة قبل أن يصبح العالم قرية صغيرة بل قبل أن تتعلم النساء في بلادنا القراءة والكتابة!
الله الله يا تركي الحمد ما اروع ما اخرجت لنا من شخصية اسطورية تحمل كل هذا التلاقح الثقافي الأدبي المبدع! أعتقد ان تركي الحمد أحس بالغيرة من غازي القصيبي ولذلك حاول اتباع خطاه ولكن تركي الحمد أضاع مشية السياسي ولم يجد مشية الروائي.
فرق كبير بين جروح الحمد وعصفورية القصيبي مثلا، لأن غازي القصيبي الموسوعي في ثقافته واطلاعه وغازي الأديب الذي يتنفس شعرا أتخمها باستشهادات كثيرة من شعر المتنبي ومن أقوال الفلاسفة ولكن..
الفرق أن شخصيات غازي القصيبي والاطار الذي يحتويها تتناغم مع ما أتى به من استشهادات واشارات.
أما تركي الحمد فلم يستطع توفير هذه الصفة فجاءت روايته مليئة بالثغرات والمتناقضات لاشك ان غازي القصيبي يغري تركي الحمد بكل ما اجتذب من اضواء بعد رواياته ولكن شتان بين الاثنين. افتقدت رواية تركي الحمد إلى الترابط وامتلأت بالثغرات وجاءت نسخة مشوهة نتيجة خلط مصنوع بين أفكار ومذاهب وأساليب متعددة.
وكما ركز الحمد في روايته على الاستشهاد الذي أساء للرواية ركز أيضا على الغيبيات فالاحلام والاساطير تملأ روايته محا ولا تقليد اسلوب«عبده خال» في روايته«الموت يمر هنا» الذي كان بدوره يحاكي أسلوب«جابرييل جارسيا ماركيز» الروائي. ولكن عبده خال الروائي المبدع حافظ على هويته وحافظ على تماسكه وأبدع لنا رواية تسكننا حين نقرؤها ولاتفارق خيالنا حين ننتهي منها.
اما تركي الحمد فقد«ولد فارا»!
حين نشر تركي الحمد ثلاثيته«أطياف المهجورة» دار جدل كبير حولها وانقسم الناس في مواقفهم، فهناك من أعجب بها وهناك من رفضها وفي كلا الحالتين كانت الاسباب مختلفة وغير موضوعية في احيان كثيرة فأكثر من أعجب فيها هم المراهقون لما فيها من استشراف وتعد على مثلث«التابو» في مجتمعنا: الدين والجنس والسياسة.
وان كنت لا أرى من وجهة نظر شخصية روعة في الثلاثية الا في الجزء الثالث«الكراديب» حيث كان هناك عرض لتيارات فكرية وفلسفية باسلوب جميل من خلال نقاش المساجين المتعددي المذاهب.
في الجهة المضادة رفض الكثير هذه الرواية لنفس السبب.. تعديها على التابو: الجنس، والسياسة، والدين. وفي خضم المعمعة تاهت الاصوات التي رفضت الرواية لفقرها وضعفها فنيا وروائيا!
والآن جاءت«جروح الذاكرة» لتعطي مجالا أكبر للاصوات الأخيرة التي تاهت فالهالة الساحرة التي جذبت المراهقين إلى«أطياف الأزقة المهجورة» انتفت من«جروح الذاكرة» أتعلمون لماذا؟
لأن تركي الحمد«فيلسوف السياسة» أراد أن يكتب شيئا أدبيا!
وعندها سقط القناع عنه فانصرف عنه المراهقون وبقي وحيدا أمام نقاد الأدب جدير بالذكر أن تركي الحمد سمع تلك الأصوات الضعيفة التي انتقدت«اطياف الأزقة المهجورة«وبينت ضعفها وفقرها فنيا وكان يعلم انهم أول من سيستقبل«جروح الذاكرة»
ولذلك فقد أقام متاريسه الدفاعية منذ البداية وذلك عن طريق مقطع أتى به في آخر روايته الجديدة وجاء به وكأنما هو خاص ببطلة روايته وليس له علاقة بتاتا بتركي الحمد نفسه!
«تذاكي» مكشوف من تركي الحمد يؤكد دخوله في زمرة«التعساء» الذين يستحقون الشفقة حين وصل إلى مقطع قررت فيه«لطيفة الأثلة» أن تكتب قصة حياتها على شكل رواية حيث تقول:
«نعم لماذا لا تكتب قصة حياتها على شكل رواية فحياتها اكثر دراماتيكية من أي رواية سبق ان قرأتها؟ ولكنها لا تعرف فن الرواية ولاتقنياتها فكيف تكتب رواية؟ ولكن من قال ان كاتب الرواية يجب ان يكون ملما بتقنياتها؟
كبار كتاب الرواية كتبوها نتيجة تجربة ومعاناة وليس لامتلاكهم تقنياتها.. تقنيات الرواية استخلصها النقاد من كتابات الروائيين، ولم يفلح الروائيون لأنهم التزموا بتقنيات النقاد.
الناقد بحاجة إلى الأديب، ولكن الأديب ليس بالضرورة محتاج إلى الناقد والحياة برمتها عبارة عن رواية كبيرة ونحن نعيشها دون ان نعي تقنياتها. وهي تشعر في داخلها بأن حياتها رواية تستحق الذكر والنشر، فلماذا لاتكتبها وتترك للقلم ان يتحرك على سجيته، ثم لينشغل النقاد بالبحث عن التقنيات»ا.هـ
تركي الحمد السياسي أجاد الدفاع ولكن تركي الحمد الروائي قضيته خاسرة!

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved