Sunday 30th June,200210867العددالأحد 19 ,ربيع الثاني 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

ثم ماذا ثم ماذا
الثقافة أيها المثقفون لا تهم
بدر بن سعود

الرياضة وأعني كرة القدم بالذات، منطقة حرة تقبل كل احتمالات الحوار مع المسؤول والآخر، بل وتضمن كذلك استجابة سريعة لما تتقدم به من مطالب، ما لم يسعى القائمون عليها إلى تقديم اعترافات تؤكد سلامة مواقفهم، وتعد بتوفير أقصى الحلول الممكنة لتجاوز ظروف الخلل وإحباطات الخسائر، فعلى الصعيد المحلي مثلا قامت لجنة برئاسة الأمير عبدالمجيد وعضوية موظفين حكوميين وممثلين عن القطاع الخاص، لدراسة الوضع الرياضي الكروي المتردي بعد النتائج السعودية في كأس العالم الحالية، وهي كما يعلم الجميع كانت دون المتوقع بكثير.. هذه الخطوة جاءت منسجمة تماماً مع حالة الامتعاض الإعلامي والجماهيري، لتظهر أقصى درجات التفاعل ما بين القمة والقاعدة، في شأن يشغل مساحة واسعة ضمن اهتمامات الشارع السعودي، إلا أنه يحرك أيضاً فئة أخرى ترى ان حقوقها مهملة أو لنقل مؤجلة، رغم ارتباط بعضها العضوي بالنوادي الرياضية، واتصالها الإداري المباشر بالرئاسة العامة لرعاية الشباب، وأقصد هنا الأنشطة الرياضية باستثناء كرة القدم، والدور الاجتماعي والثقافي للأندية، إلى جانب النوادي الأدبية صاحبة الوجود الهامشي والفاعلية شبه المفقودة، فقد سمعنا منذ زمن ومازلنا نسمع حتى الآن، عبارات لا تمل التكرار كالشللية، المحسوبية، هضم الحقوق، الميزانيات الثقافية المهدرة لخدمة الموالين وشركاء المساء والسهرة مهما كانت رداءة انتاجهم وضحالة رؤاهم التطويرية، ولا مجال للتعميم فالحالة تقبل استثناءات محدودة ومعروفة.. يصاحبها غياب الأصوات العالية والمسموعة لتوصيل الصوت الخافت صاحب القدرات المتواضعة والفعل الخجول، وهؤلاء يتحملون أشد أنواع القمع المعنوي والتهميش غير المرئي، ولو بدت أفكارهم عادلة وموضوعية، والسبب ببساطة اعتمادهم المجهود الشخصي والمؤازرة الفئوية، التي لا تحظى للأسف بمباركة شعبية، فما قيمة الشيء عندما لا يجد مستهلكاً يراقب مساره ويسعى إليه، إذ لا تجوز مقارنة بيكام وباتيستوتا ورونالدينيو وبالاك ونواف التمياط تجاوزا، بهيجل وموتزارت وكانط وفوكوياما وعبده خال، ليس لأن الكرويين أفضل حالا، وإنما لأننا مجتمعات هجرت القراءة المتعبة في سبيل التسلية السهلة، وتم ذلك بطوعها واختيارها، دون وجود مؤامرة مدبرة للتخدير وتعويم البعد السياسي خلال فترات الاستعمار المجازي والحقيقي أو تداعيات الحرب ضد الإرهاب، كما يعتقد المبررون وهواة التسطيح، والدليل خوض الدول الأوروبية ودول أمريكا الجنوبية لحروب داخلية وخارجية، واحتفاظها رغم الملمات بحاستها الكروية وولائها الرياضي إلى حد ارتكاب أعمال غير مسؤولة مثلما فعل الانجليز والبرازيليون وأخيراً الروس، ولا ننسى ما فعلته الفيفا لإرضاء الايطاليين جراء هزيمة الكوريين لهم، ولكن الفارق يبدو في طبيعة المواءمة التلقائية لدى تلك المجتمعات ما بين الرياضي والثقافي والاجتماعي والسياسي، وأداة قياسها المؤتمرات والفعاليات الشعبية والحكومية وأرقام مبيعات الكتب الثقافية والأدبية هناك.. ثم لنراقب الحضور الحقيقي للملتقيات والاصدارات الثقافية والأنشطة الاجتماعية الممنهجة في الذاكرة المحلية، مقابل الرياضة والفن والمناسبات الشبيهة الأخرى!، كي نستطيع تشخيص الوضع بعين محايدة لا تراعي مصالحها الذاتية وأفكارها المنتقاة.. وأستدرك بأن ما ذكر لا يلغي واقع الفوضى وازدواجية المعايير المشاهدة والملموسة، والذي يحتاج وبصورة ملحة لتنظيم يخاطب احتياجات فئة مهمة، تمثل المجتمع وتتكلم نيابة عنه، وتلك مفارقة أشبه بالنكتة، فهؤلاء اهتموا بعرض الحاجات الاجتماعية الضرورية ونقد قصور الخدمات وحاربوا الفساد بالكلمة رغبة في التغيير للأفضل، بينما لم يمروا على معاناتهم كأشخاص ومجموعات إلا مروراً إعلامياً عابراً، وكأنها محاذير لاينبغي التعرض لها إلا أثناء لحظات البوح القصيرة، أو عند الحديث المجالسي الحميم!.. شيء آخر ينبغي مراعاته قبل توزيع الاتهامات بالمجان، وأقصد توفير بيئة صحية تستقبل طموحات النهوض، وتجعل المستهدف بالفعاليات الثقافية والاجتماعية يقبل عليها ولا يرفضها، وبعدها تكون المطالبة بإيجاد أشكال إدارية، أو مناقشة أسباب قبول الإبداع خارج الوطن بعد محاربته داخليا، وبحث السبل الكفيلة بما يخفف صلاحيات مصدري الأحكام الجاهزة المفسرة لعدم دعمها المادي والمعنوي للمبدعين السعوديين بالشروط الرقابية واستيفائها، وشماعة الصالح العام والهوية والخصوصية، فالمنتج الاجتماعي والثقافي كالسلعة، يلزمها دعاية وإعلان لتفوز بالمستهلك وتكسب رضاه، مايعني أننا بحاجة لخطة وطنية مرحلية تتبناها الحكومة والقطاع الخاص لتقريب القراءة والفعاليات الاجتماعية الحرة والتعريف بأهميتها للمستقبل، وإيضاح علاقتها الوثيقة بالتنمية، وليكن بإقامة مهرجانات ثقافية اجتماعية يتولى مسؤولية تخطيطها وترويجها مثقفون واجتماعيون، وتعنى بتأهيل الصغار عبر مسابقات وجوائز مدروسة بعناية.. ما سيوفر جمهورا مؤثرا يملك القدرة على تفعيل الغايات وتحقيق الأهداف النبيلة، ووقتها فقط تكون المطالبة بالانتباه للشأن الثقافي ومعه الاجتماعي منطقية ومعقولة؟!

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved