Sunday 4th August,200210902العددالأحد 25 ,جمادى الاولى 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

ثم ماذا؟ ثم ماذا؟
يوميات مزكوم
بدر بن سعود

اكتب لكم هذه الزاوية بينما اخوض حربي الخاصة ضد الزكام الذي زارني بصورة مفاجئة، ولي مع هذا الضيف الثقيل قصة، فهو يلازمني لمدة طويلة على خلاف المعتاد مع اغلب الناس، ليحظى باستقبال غير عادي ويصول ويجول مثلما يحلو له، واكون عندها في حالة بين المنام واليقظة، احمل لساني فوق كتفي واجول به ارجاء المكان، كمحاولة يائسة مني لتجاوز سخونة الجسد بالكلام المبعثر، بعدما افقد القدرة على التركيز وتسلسل الافكار بشكل منطقي.. لقد تعمدت التقديم هنا لمسألة الزكام حتى لا يؤخذ ما اقوله من باب المسلمات أو الأمور اليقينية، وانما أرجو التعامل معها كهلوسات أو حمى مرضية لا تقدم أو تؤخر، وهي تجربة قد تكون مسلية ومفيدة اذا ما خضناها معاً، ولنختر لها أولاً عنواناً رومنطيقياً جذاباً، كي نستدل عليها ونعرف ابواب الخروج منها والدخول إليها، وبحيث يتناغم العنوان وما سيطرح كفكرة، وبما انكم بعيدون وإقحام رأيكم مستحيل، سأقول لكم بأني أرى في (يوميات مزكوم) أفضل اقتراح موفق لتلك التهويمة البعيدة تماماً عن موضوعات الساعة والقضايا الجادة، طبعاً لا أحد يملك الاعتراض؟، ودعوني اخبركم من موقعي كمزكوم مقدار البهجة الذي يجتاحني الآن عند اتخاذ قرار دون مناقشة أو صداع، ما يدعونني لأن اسجل رسالة شكر عابرة للقارات باسم كل المركزيين والانتهازيين وارباب الدكتاتورية عبر التاريخ، فهؤلاء اكتشفوا اسرار الجاذبية المندسة خلف التوحد بالذات وإلغاء الآخر، فأصبحوا مسلوبي الإرادة امام السحر المركز لتلك الجاذبية، يتصرفون بأمرها ويستمتعون بعزفها في ليالي السمر، إلا انهم وهو ما سيجعل الشكر منقوصاً ، احتفظوا بها لأنفسهم ولم يعلنوها ملكاً مشاعاً، ضمن قائمة الخدمات العامة المقدمة للمواطنين دون مقابل، فإذا كنا نجد المبرر لتمسكهم باتخاذ القرارات على نحو استفرادي، يشبه استفراد المفترس بالفريسة، فإننا نعجز تماماً ونلوذ بالصمت المطبق عندما تنتشر العدوى نحو لذة محببة ومرغوبة بصراحة ما لهم حق .. المزكوم ايضاً وباعتباري انقل الصورة من قلب الحدث كأحد أطرافه الرئيسية، يهنأ بالنوم العميق إلى أن يشفى،ولا يهتم بتقييم خدمة محلية أو متابعة وقائع عالمية أو غيرها، مكتفياً عنها بالاحلام المطعمة ببعض الكوابيس الخفيفة، التي لا تعدو شيئاً يذكر متى قورنت بما يحمله الواقع المنحاز للأسود في معظم مقارباته، ما يعني انه يوفر للحكومات جهداً مضاعفاً، تبذله بالايام والليالي للاقناع والتعويم والمخاتلة، وقد فاتها ان اتاحة فيروس الزكام مجاناً، في شكل كبسولات أو حقن أو فوار، يكفيها عناء الانفاق المالي فوق حاجز الستة اصفار ويدعم الموازنة والتنمية، بل ويقلص ارقام البطالة ما لم يلغها تماماً، فالعاطلون سيتحولون الى موظفين لدى حكومة الزكام، وكلما استمر الزكام زادت فترة شغل الوظيفة برواتب تتراوح ما بين زجاجة أو كرتونة، بل وسيؤدي توقف حاسة الشم عن اداء وظائفها المعتادة بفعل الزكام، الى تمتع البلديات براحة البال وممارسة اعمالها في هدوء سلحفائي..ولكن هناك قطاعات ستتضرر كالاتصالات مثلاً ومحطات البنزين وخطوط الطيران والقنوات المشفرة وشركات الإنترنت، على حساب ازدهار صناعة الدواء والاسرّة والمخدات والبطانيات، ولابد أن نقبل بها كآثار سلبية محتملة، لأنها الوجه الآخر لعولمة الزكام كثقافة جديدة ومطلوبة بشدة، وربما ادى انتشار الزكام وزيادة اعداد المصابين به، الى استحداث وزارة تعنى بشؤون الزكام والمزكومين، بوصفهم فئة مهمة تحتاج لتنظيم يبين حقوقها وواجباتها، فلا يجوز بنظر ما سيكون، استهلاك اكثر من علبتي مناديل للشخص الواحد يومياً ، كي لا نعاني شح المناديل مستقبلاً، ونخوض حروباً كبيرة للحصول عليها، فالحرب العالمية الثالثة ستندلع لا محالة بسبب احتكار المناديل، ما يستدعي بالتالي اقرار خطة وطنية شاملة يتم بموجبها وضع آليات سريعة للتخزين كحل استراتيجي مفروض، يجنب المجتمعات ويلات كثيرة وكارثية.. ولا ننسى اضافة لما سبق ان ارتفاع الطلب على البطانيات والمخدات والاسرة سيصاحبه زيادة في اسعارها، قد لا تتناسب ومكافآت صندوق رعاية المزكومين التابع لوزارة شؤون الزكام والمزكومين، الذي اعتقد انه سيأتي كتحصيل حاصل لتلبية الاحتياجات السريرية البسيطة لشريحة ستشكل حضوراً قوياً، ما سيترتب عليه تدخل الدولة عبر تقديم دعم مناسب، يتيح السلع المذكورة بأسعار معقولة، خصوصاً وأن الأسرة ومتعلقاتها ستحل محل المكاتب في الوزارة المقترحة وسيتلقى موظفوها رواتبهم بنفس طريقة المزكومين، استلهاما لمبدأ العدالة والمساواة والمعاملة بالمثل، وسعياً لتكريس المصلحة العامة فوق كل اعتبار.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved