Saturday 21st September,200210950العددالسبت 14 ,رجب 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

السعودية ولبنان على خط القدر والتاريخ السعودية ولبنان على خط القدر والتاريخ
كريم بقرادوني (*)

يوم دخل عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود مدينة الرياض مع ستين من رجاله في العام 1901، ما كان أحد يتصور سواه أنه دخل ليؤسس مملكة واسعة تمتد بين الخليج العربي والبحر الأحمر وتشغل ثمانين في المئة من مساحة شبه الجزيرة العربية.
ويوم أعلن الملك عبدالعزيز قيام المملكة العربية السعودية في العام 1932م، ما كان أحد يتصور سواه أن هذه الدولة ستلعب دوراً محورياً في تاريخ العرب والإسلام والشرق الأوسط ولبنان.
لم تقم المملكة بالصدفة، ولا بإرادة خارجية، بل ولدت نتيجة جهد دام واحدا وثلاثين عاماً قام به قائد تحلى بالإيمان وبعد النظر، وبالحسم والحكمة والحنكة في آن.وكانت خيارات الملك عبدالعزيز بسيطة كطبيعته وطبيعة الصحراء: تطبيق شريعة الله، ضمان أمن طرق الحاج، التضامن الإسلامي، وتوطين البدو.
ومع الوقت تثبتت شريعة الله نظام حياة، وتوسع أمن طرق الحاج ليشمل أمن الخليج العربي برمته، وترقى التضامن الإسلامي إلى مرتبة المشروع الكوني، وتحول توطين البدو إلى أكبر عملية تنمية عرفها القرن العشريني بعد أن تم اكتشاف البترول في العام 1938م.
في تلك الحقبة، أعلنت فرنسا أثر الحرب العالمية الأولى دولة «لبنان الكبير» وعاصمتها بيروت بعد أن ضمت إلى جبل لبنان الأقضية الأربعة، وفي نهاية الحرب العالمية الثانية توحد اللبنانيون، مسلمين ومسيحيين، فطالبوا بانهاء الانتداب الفرنسي وأعلنوا الاستقلال في العام 1943م.
والتقى لبنان والسعودية في العام 1944 كمؤسسي جامعة الدول العربية، وبدأ اللبنانيون يتوجهون إلى المملكة بقصد العمل فيها، وقد جنى البعض منهم ثروات كبيرة عن طريق تعهد اعمار المناطق السعودية، وتعود السعوديون زيارة لبنان للراحة والاصطياف والطبابة والعلم.
وتزامن غياب المؤسس وتولي ابنه الملك سعود العرش في العام 1953 مع وصول كميل شمعون إلى سدة رئاسة الجمهورية اللبنانية في العام 1952م، واندلاع الثورة الناصرية في مصر في العام عينه.
وسرعان ما اتجه جمال عبدالناصر باتجاه الاتحاد السوفياتي، في حين اتجه كل من لبنان والسعودية باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية.. وفي عهد كميل شمعون تقاربت دولتا لبنان والسعودية فيما بينهما، وتباعدتا عن مصر، وزاد التباعد خلال أحداث لبنان في عام 1958 التي دامت بضعة أشهر وأسفرت عن انتخاب رئيس جمهورية لبنانية جديد بشخص فؤاد شهاب خلفاً لكميل شمعون.
حافظ فؤاد شهاب على علاقة طيبة بالسعودية حماية لمصالح اللبنانيين العاملين فيها، غير أنه اتبع الخط الناصري في السياسة الخارجية حفاظاً على الاستقرار الداخلي اللبناني.واتسمت العلاقات اللبنانية - السعودية بتحسن ملموس على الصعيد الاقتصادي، وتوافد على السعودية عدد من اللبنانيين الذين برزوا في مضمار المشروعات الكبرى، أما على صعيد الحركة السياسية فكان لبنان يدور في فلك الناصرية من دون أن يصطدم بالسياسة السعودية، وذلك حتى العام 1964م الذي شهد حدثين: تخلي الملك سعود عن العرش لصالح الملك فيصل، وانتخاب شارل حلو رئيساً للجمهورية خلفاً لفؤاد شهاب.
ومنذ العام 1964م راح الصراع العربي - الإسرائيلي يضغط على لبنان، وبدأت السعودية تحتل مركز الثقل في هذا الصراع، ففي ذلك العام سيطرت على مناخات الشرق الأوسط مسألة المياه حين قامت دول الطوق العربي ببعض الاشغال لتحويل روافد نهر الأردن، فتحركت إسرائيل عسكرياً وهددت باشعال حرب المياه، وجاء الرد من جمال عبدالناصر الذي بادر إلى دعوة أول قمة عربية للانعقاد بهدف توحيد الموقف العربي. لكن القمة العربية لم تنه الخلاف المصري - السعودي، وقد حاول الرئيس اللبناني أن يبقى على مسافة معقولة من هذا الخلاف بحيث لا يتضرر لبنان اقتصادياً في الوقوف ضد السعودية، ولا يهتز استقراره سياسياً وأمنياً بالابتعاد عن مصر.وخطت السعودية مع الملك فيصل خطوات جبارة على صعيدي النهوض الداخلي والحضور الخارجي بفضل شخصية الملك الفذة الذي أظهر مواهب فائقة في إدارة شؤون المملكة على مختلف المستويات. وقد وضع في أولى أولوياته تنمية الاقتصاد عن طريق التخطيط العلمي والعناية بشؤون الزراعة والصناعة. كما أظهر براعة نادرة في التعامل مع قادة العالم، ولا سيما العالمين العربي والإسلامي.وكان الملك فيصل قد تدرب طويلاً على يد والده في شؤون الحرب والسياسة والدبلوماسية، ورأس في العام 1939م وفد بلاده إلى مؤتمر المائدة المستديرة الذي استضافته بريطانيا لمناقشة القضية الفلسطينية، كما وقع باسم بلاده في العام 1945م على ميثاق الأمم المتحدة في سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية.في عهد الملك فيصل احتدم الصراع مع جمال عبدالناصر، فالرجلان قويا الشكيمة وذوا شخصية مميزة، لكن احداثاً كبيرة كانت تنتظر المنطقة ولبنان. وكان الحدث الأخطر نشوب حرب 1967م التي هزت العالم وأسفرت عن انتصار عسكري إسرائيلي ساحق، فتحرك الملك فيصل متضامناً مع مصر، ولاحت في الأفق العربي والإسلامي بدايات التقارب السعودي - المصري.
وسجل العام 1969م انعقاد أول مؤتمر إسلامي جامع برعاية الملك فيصل اثر محاولة العدو الصهيوني احراق المسجد الأقصى، ووجد لبنان نفسه مضطراً في العام عينه إلى توقيع ما عرف «باتفاقية القاهرة» بين لبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية اثر صدامات بين الجيش اللبناني والكفاح المسلح الفلسطيني في الجنوب سرعان ما امتدت إلى كل لبنان وولدت أزمة حكم حقيقية. تدخل جمال عبدالناصر لحل المشكلة اللبنانية - الفلسطينية في اجتماعات عقدها الطرفان في القاهرة، وساهم الملك فيصل في المساعي لاحتواء النزاع بين الاخوة اللبنانيين والفلسطينيين.
في هذه الفترة صعد نجم ياسر عرفات، ودعم الملك فيصل المقاومة ضد إسرائيل، غير أنه وقف في وجه تورط منظمة التحرير الفلسطينية في شؤون البلدان العربية، كما حدث في الأردن ولبنان.
وبغياب جمال عبدالناصر في العام 1970 وتسلم حافظ الأسد قيادة سوريا وانتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية في لبنان، انقلبت الموازين في العالم العربي لصالح السعودية، بعد أن بدأ أنور السادات تقارباً ملحوظاً مع الملك فيصل، ودعا حافظ الأسد إلى سياسة الانفتاح العربية، ولا سيما باتجاه المملكة.
وفي حرب 1973م التي قادتها مصر وسوريا ضد إسرائيل، وهي حرب أعادت الاعتبار إلى العرب بعد هزيمة 1967م، استخدم الملك فيصل، ولأول مرة في تاريخ الشرق الأوسط، سلاح النفط الذي صدم العالم وفرض على إسرائيل معادلة جديدة هي النفط العربي في وجه الاحتلال الإسرائيلي، ووعى العالم أن الزعامة العربية انتقلت من مصر إلى السعودية، وان «العصر السعودي» حل محل «العصر المصري».وحمل الملك فيصل لواء القضية العربية فدعم سياسياً واقتصادياً دول المواجهة مع إسرائيل، كما حمل لواء القضية الفلسطينية فسهل مثول ياسر عرفات أمام الأمم المتحدة لأول مرة، وشجع الرئيس اللبناني سليمان فرنجية على تقديم ياسر عرفات إلى العالم، وتقديم النموذج اللبناني في العيش المشترك الإسلامي - المسيحي كنموذج لحل المسألة الفلسطينية، وأخيراً حرك الملك الوجدان الإسلامي والعربي حين عبر عن أن أمنيته في الحياة هي أن يصلي في القدس قبل أن يتوفاه الله.لكنه لم يحقق أمنيته فاستشهد في 25 آذار «مارس» من عام 1975م، وفارق الحياة وهو في قمة عطائه وزخمه، وحل محله أخوه الملك خالد الذي اختار أخاه فهد بن عبدالعزيز لولاية عهده.بعد أيام من وفاة الملك فيصل اندلعت في 13 نيسان «أبريل» 1975م حرب لبنان التي ستلعب فيها السعودية دوراً بارزاً وبعد ما يقارب السنة ونيفا على تبوؤ الملك خالد كرسي العرش انتخب في العام 1976م الياس سركيس رئيساً للجمهورية اللبنانية الذي سعى جاهداً إلى وقف حرب لبنان، عن طريق وساطة سعودية بين مصر وسوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية.
وتجدر الاشارة إلى أن السعودية انتهجت حيال حرب لبنان سياسة تقوم على قاعدتين: أولاهما عدم الانحياز إلى فريق على حساب فريق آخر والوقوف على مسافة متساوية من كل الفرق، ثانيتهما عدم التورط في الصراع العسكري والتوسط فقط عندما تتضح احتمالات التسوية السياسية. واعتمدت المملكة هذه السياسة على مدار خمسة عشر عاماً، فلم تسلح أو تمول أو تدعم طرفاً في وجه الأطراف الأخرى، وكان القدر الأكبر من المساعدات يرسل إلى الشرعية اللبنانية التي كانت المملكة ترى فيها المرجع الصالح والجامع لكل اللبنانيين، من هذا المنطلق ساعدت وساندت المملكة العهود اللبنانية على اختلافها.في المقابل كانت السعودية تحجم حين تشتد وطأة الاقتتال بين اللبنانيين أو بين اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين، وكانت تتقدم حين تبرز معالم إرادة داخلية أو خارجية في ايجاد تسوية متوازنة لصالح كل المتنازعين. وقد تولت هذه المهمة ثلاث مرات: المرة الأولى في العام 1976م، والمرة الثانية في العام 1982م، والمرة الثالثة في العام 1989م.جاءت المبادرة الأولى في تشرين «أكتوبر» 1976م أثر دخول الجيش السوري إلى لبنان. فقد تمكنت الدبلوماسية السعودية، بناء على طلب من الرئيس اللبناني الياس سركيس، من عقد قمة عربية مصغرة في الرياض ضمت إلى السعودية كلاً من مصر وسوريا والكويت ولبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية، وقد لعب الملك خالد وولي العهد الأمير فهد أدواراً رئيسية في انجاح تلك القمة حين توصلا إلى مصالحة الرئيسين حافظ الأسد وأنور السادات بعد يوم من بدء أعمالها.وأعطت المصالحة ثمارها الفورية فتوافقت قمة الرياض على مضمون مشروع السلام اللبناني الذي تقدم به الياس سركيس عبر أربع نقاط أساسية: وقف القتال على أساس تطبيق اتفاقية القاهرة، عدم تدخل المنظمات الفلسطينية في شؤون لبنان الداخلية، تشكيل قوة ردع عربية بأمرة السلطات اللبنانية، تقديم مساعدة اقتصادية عاجلة لاعادة تعمير لبنان. تبنت «قمة الرياض» جوهر مشروع الياس سركيس للسلام في لبنان، وتعرف العالم على الملك خالد في أول وساطة له تجريها المملكة بعد غياب الملك فيصل.وقد كان وقوراً يفرض الاحترام ويوحي بالثقة وقادراً على الحزم والعزم عندما تصل الأمور إلى حد القرار.
وإلى جانب الملك خالد، كان الأمير فهد حاضراً ومتحركاً يضع كل خبرته السياسية الواسعة وكل اتصالاته الدبلوماسية المتنوعة لانجاح «قمة الرياض» وقد ألقت المملكة بثقلها في الميزان منعاً لأي انتكاسة ترتد عليها سلباً. وكان الملك خالد والأمير فهد مصرين على انهاء التصادم بين اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين، ووضع حد للتناقض بين المقاومة الفلسطينية والدولة اللبنانية، حفاظاً على القضية الفلسطينية وعلى سلامة لبنان على حد سواء.مع الملك فيصل في «حرب تشرين» برز «الثقل السعودي» في الصراع العربي - الإسرائيلي مع الملك خالد والأمير فهد في «قمة الرياض» برز «الثقل السعودي» في حل النزاعات العربية - العربية. وظهرت سياسة السعودية الخارجية المرتكزة إلى ثلاثة محاور: انتشار الإسلام في العالم ولا سيما في بلدان العالم الثالث، ترسيخ الاستقرار في الشرق الأوسط ولا سيما في منطقة الخليج، القيام بدور الوسيط الفعال في النزاعات بين العرب وبين المسلمين.ورمت هذه السياسة الخارجية في حينها إلى تقوية القادة المعتدلين ضد القادة الراديكاليين، وإلى التحالف مع الولايات المتحدة في وجه الاتحاد السوفياتي، وإلى التضامن بين العرب والمسلمين في الدفاع عن الإسلام.
صحيح ان «قمة الرياض» المصغرة ومن بعدها «قمة القاهرة» الموسعة التي ضمت كل الدول العربية لم تضعا حداً نهائياً لحرب لبنان، غير أنهما أوقفتاها لفترة زمنية انتهت بالزلزال الذي أحدثته زيارة أنور السادات إلى القدس. غير أن الصحيح أيضاً أن السعودية فرضت نفسها قوة اقليمية كبيرة لا يمكن تخطيها في كل التسويات الجارية في الشرق الأوسط، وحتى أبعد من الشرق الأوسط.
وجاءت المبادرة السعودية الثانية أثر اجتياح إسرائيل لبنان في العام 1982م وتحت وطأة حصار بيروت المدمر واصرار الحكومة الإسرائيلية على اخراج الفلسطينيين المسلحين من لبنان. وكان يدير المفاوضات المعقدة بين لبنان وسوريا وإسرائيل الموفد الرئاسي الأمريكي إلى الشرق الأوسط فيليب حبيب الذي كان يستعين في عدد من الأمور الحرجة بالمملكة السعودية التي آلت مقاليد العرش فيها إلى الملك فهد في 13 حزيران «يونيو» 1982م أي بعد أيام معدودة على اجتياح إسرائيل لبنان. وكأن التاريخ كان على موعد مع الملك فهد منذ أول لحظة من توليه المسؤولية الكبرى، فهو أحد الساسة المحنكين في الشؤون الدولية والعارفين بكل تعقيداتها وقواعدها، وأحد البنائين في الشؤون الداخلية والذين حققوا انجازات مشهودة لها عبر نهضة تنموية شاملة بلغت السعودية معها موقعاً مميزاً في زمن قياسي، ففي أقل من عقدين أقدم الملك فهد على اصلاحات شاملة في كل قطاعات الدولة، وتطورت خلالها أساليب الإدارة والحكم، واستفادت السعودية من التقنيات العلمية المتقدمة مع الحفاظ على تراثها وشخصيتها.ففي اليوم الأول من تسلمه العرش بايع الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولياً للعهد وعينه نائباً أولاً لرئيس مجلس الوزراء، وعين الأمير سلطان بن عبدالعزيز وزيراً للدفاع والطيران ونائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء. وكان عليه في أول مهمة له مواجهة غزو إسرائيل للبنان.
كان يدرك خفايا ملف الصراع العربي - الإسرائيلي بكل تفاصيله وتداعياته. كما كان يعرف الملف اللبناني بكل دقائقه وحساسياته. وارتأى أن تقوم السعودية بمبادرة لانقاذ الفلسطينيين والعاصمة بيروت. وأوعز الرئيس اللبناني إلى فيليب حبيب بأن تدعو السعودية بشير الجميل إلى زيارتها للتباحث معه في الحلول الممكن اتباعها لانقاذ الوضع برمته. وتصور فيليب أن هذه الدعوة كافية بحد ذاتها لحل كل المكلات، بناء عليه وجه وزير الخارجية السعودية الأمير سعود الفيصل إلى بشير الجميل دعوة لزيارة الطائف في 30 حزيران «يونيو» 1982م باسم اللجنة الوزارية العربية التي تضم كلاً من السعودية، سوريا، الجزائر، الكويت، لبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية. وقد نظم الأمريكيون سفر بشير الجميل بعناية فائقة، فنقلته طوافة من سلاح الجو الأمريكي من جونيه إلى قبرص حيث كانت تنتظره طائرة سعودية خاصة أقلته إلى الطائف.اجتمع بشير الجميل فور وصوله بالأمير سعود الفيصل، بحضور الوزير الكويتي عبدالعزيز حسين، والأمين العام لجامعة الدول العربية الشاذلي القليبي الذين استمعوا إلى وجهة نظر القائد اللبناني الشاب حول ضرورة سحب كل الجيوش والمنظمات المسلحة غير اللبنانية من لبنان، وخروج كل الفلسطينيين المسلحين من بيروت، وقيام سلطة لبنانية قوية.
على هذا أكد وزير الخارجية السعودية موقف بلاده من ضرورة ايجاد تسوية سياسية، وحذر من الخطر الإسرائيلي، الذي يهدد لبنان والفلسطينيين وكل الدول العربية، وأكد أن السعودية والعرب يعملون على اعادة السيادة اللبنانية على كل الأراضي اللبنانية وعلى حماية القضية الفلسطينية.
وساهمت هذه الزيارة بحدود معينة في اخراج الفلسطينيين من بيروت، ورفع الحصار عنها، وانتخاب بشير الجميل رئيساً للجمهورية، لكن سرعان ما أغتيل بشير في 14 أيلول «سبتمبر» من العام 1982م وحل محله شقيقه أمين الذي لم يعرف أن يحل الأزمة ولا أن يديرها، فسلم الجمهورية عند انتهاء ولايته في العام 1988م من دون انتخاب خلف له، وعين العماد ميشال عون رئيساً لحكومة مؤقتة مؤلفة من عسكريين.
وباشر العماد عون حكمه باعلان الحرب على القوات اللبنانية الحليفة له، ثم اتبعها باعلان «حرب التحرير» على سوريا، فشهدت المناطق اللبنانية، ولا سيما المسيحية منها، أسوأ حالات الدمار والهجرة، مما دفع بالسعودية الى التدخل بعد اجراء اتصالات واسعة تركزت على واشنطن ودمشق، فدعت النواب اللبنانيين للاجتماع في مدينة الطائف في 30 أيلول «سبتمبر» من العام 1989م.وطرح وزير الخارجية السعودي على المجتمعين في الطائف مشروع اتفاق يتألف من ثلاثة عناوين رئيسية: وقف الحرب، الاصلاحات السياسية، والعلاقات المميزة مع سوريا، وتبين بأن هذا المشروع جرى التداول فيه مع البطريرك الماروني ومع الفاتيكان.وبرز في الطائف رجل سيلعب دوراً مهماً في لبنان هو رفيق الحريري. كما لعب الأمير سعود الفيصل دوراً مميزاً في تذليل العقبات وتقريب وجهات النظر، وطمأنة المتخوفين والتخفيف من تعنت المتشددين، وقد عرف أن يكسب ثقة الأطراف كلها.
وبعد ثلاثة وعشرين يوماً من المداولات الصعبة وافق النواب على «وثيقة الوفاق الوطني» التي أنهت حرب لبنان وأسست لقيام الجمهورية الثانية.
وهكذا لعبت السعودية دوراً في انهاء الحرب في لبنان في سنتها الثانية فلم تنجح بصورة كاملة، لكنها لم تيأس وعادت لتنهي حرب لبنان بعد مرور أربع عشرة سنة على اندلاعها.
دور السعودية انهاء النزاعات وايجاد التسويات، واستطاع لبنان أن يخترع في كل فترة صيغة جديدة للعيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين. والتاريخ يسجل على الدوام الأدوار الكبيرة التي تلعبها السعودية، والنموذج الصعب الذي يقدمه لبنان.

رئيس حزب الكتائب اللبنانية

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved