الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 1st May,2006 العدد : 151

الأثنين 3 ,ربيع الثاني 1427

الساقط في أتون حلم
*طاهر أحمد الزارعي الأحساء:
لازلت أتوق إلى تفسير حلمي.. ذاك الحلم الطاغي الذي مازال يقبع في تجاويف عقلي.. ويئن قلبي به كلما تذكر لحظة الارتعاش ولحظة الصراخ ولحظة الاستيقاظ على امتداد الفزع.. وكنت وقتها في قمة الهم واستغراب الفكر وحيرة الذاكرة!
أما وقد وافاني الاستيقاظ الهائم.
نظرت من ثقب نافذة بيتي.. تلك النافذة المتهالكة والتي تفصح عن خارطة الجمال الذي ينزف من طبيعة العالم الخارجي.. شاهدت الجبل القابع على أرض القرية صامداً في كينونته لم يزل متمسكاً بجذور التراب دون حراك... يا لهوله! ويا لروعته!
أظنه بعد حلمي قد كبر قليلاً وتنفس الأفق واعتلت حافته خطوة واحدة.. أو عدة خطوات وهناك تحت متاهات العتمة كان يسكن ذلك الحلم.. رابضاً بملء خيالاته على عتبة القلق والسقوط.
كنت ذات حلم.. أتسلق صخوراً صلبة وكبيرة تفترش السفح بحجمها اللاعتيادي وقد أصاب ظهري الحناء مقوس جراء ثقل الحقائب التي عليه! لا أعلم عنها سوى أنها حقائب محملة ثقيلة لم يتسن لي معرفة ما بداخلها.. أردت مواصلة التسلق لكن صخور الجبل القاسية وقفت في وجهي، ومنعتني من جادة السير والاتجاه.
أغنيتي الساذجة البسيطة التي كنت أرددها نسيتها.. ألوان الحقائب والثياب التي كنت أرتديها نسيتها.. مسافة التسلق التي تسلقتها نحو الجبل قد نسيتها أيضاً.. الضجيج الذي دار من حولي لم أستطع أن أميزه..
كان ذلك بعد انتهاء الحلم حيث لم أعد أتذكر تلك الأشياء الواقفة أمامي، وحاولت مراراً أن أقتطف موقفاً لأتذكره لكن بلادة ذاكرتي - ربما - لم تساعدني على إسعاف العقل بتلك الأشياء فهي محاطة بأسوار النسيان ومحبوسة داخل أسلاك التشتت! بكيت وأغمدت بقايا دموعي في أروقة صدري.. وقرر العقل أن يفسر كل ذلك.. وأن يحول قناع ذلك الحلم الذي تقمصني منذ الوهلة الأولى إلى حقيقة وحيدة هي الحقيقة الصادقة.. لم أعد أحتمل ذلك، وأصبح تفسير الحلم أمراً يجب تنفيذه ذهبت إلى أحد مفسري الأحلام كان شيخاً تظهر عليه علامات الوقار نوعاً ما.. عرضت عليه حلمي.. كان منصتاً جيداً إلى حين انتهائي.. أصابته أعجوبة متأنية ما لبث بعدها أن حرك حاجبيه ببلاهة فلم يتخيل حلماً بمثل هذا! طرح علي أسئلة مهرولة وكنت أجيبه في حدود المعقول دون مبالغة:
- كم الساعة كان حلمك؟
- الساعة الثالثة فجراً تقريباً.
- أين مكان الحلم يا فتى؟
- بالطبع في بيتي.
- قل لي بالتحديد؟
- في غرفتي المشرفة على جبل القرية.
- ما لون تلك الحقائب التي على ظهرك؟
- لا أعلم.
- هل كانت ثقيلة؟
- كانت كذلك.
- أتعلم ماذا بداخلها؟
- كلا.
- الضجيج الذي سمعته هل كان مؤذياً؟
- ماذا تقصد أيها الشيخ؟
- أقصد هل يؤذي سمعك؟
- كان شديداً على سمعي.
- إذاً!
- إذاً ماذا يا شيخ؟؟!
صمت لحظات.. قبض على لحيته المتخمة بالبياض وأدار بيده المتشققة عليها نصف دورة وأكمل:
- كانت تلك الذنوب.
- الذنوب!
- نعم.. الذنوب التي ارتكبتها.
- متى؟
- عندما كنت صغيراً.
- ولم هي ثقيلة أقصد الحقائب؟!!
- لأن ذنوبك تلك كانت كبيرة.. كبيرة جداً يا فتى!
لم أكن لأطيل معه الحديث حيث بدت على وجهه آثار ألاعيب.. ترنح بطوله الفارع كالثمل ابتسم في وجهي بسخرية وصفعني بلهجة سؤال حاد:
ماذا ستعمل لتكفر عن هذه الذنوب؟؟
لم أعره أي اهتمام.. سلمته المبلغ اعتلته ضحكة شاهقة وهجرته وبلهفة مضيت واتجهت إلى الجبل تحت وطأة الليل المتشح بالسواد تسلقت نصف الجبل بصعوبة بالغة حتى شارفت على نصف نهايته استكنت على صخرة لأزيل التعب رأيت في القمة رسومات ملونة تتحرك في آخره.. أشجار! خضراء مثمرة.. ظلالا وارفة.. وحياة مليئة بالحركة والزهو والأفراح تريد استقبالي..
أسرعت من خطواتي اللاهثة على الرغم من صلابة الصخور.. تشبثت بالكثير منها.. أسرعت أكثر إلى مكان الجذب كانت الأرض من تحتي تناديني بصيحات خفيفة.. تركتها لأفوز بالنداء الأعلى.. الأعلى فقط اتضحت الرؤية تماماً. انخفضت جميع الأصوات.. وضاق المدى.. تغير لون الأشجار أصبحت مصفرة ذابلة.. اشتعلت الأشجار بكاملها ورحلت الظلال.. واحترقت جميع الثمار.. ولم تعد تلك الحياة كما عهدتها قبيل لحظات.. أصدرت تأوهات لا حدود لها بفعل هذه الدهشة، وتابعت التحديق في المكان والأفق والأرض والمدى حيث تكمن الحقيقة الواضحة.. حملقت في القمة تطاير الشرر في الأمكنة وتلاشت جميع الشواهد وانفتحت فوهات الجبل كفم تنين أدرت عيني في داخل الأجواء أيقنت لحظتها أنني أتسلق نحو الفراغ.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved