الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 6th October,2003 العدد : 31

الأثنين 10 ,شعبان 1424

في رواية (فخاخ الرائحة) يتحول الهامش إلى متن:
بسطاء.. هامشيون.. مغفلون..... لكنهم أبطال

(أخ يا توفيق، أنت غررت بك الرائحة، رائحة الشحم المشوي، فوقعت في فخ الجلابة، وباعوك في سوق شندي، ثم غررت بك الرائحة ثانية، بعد أن دوخت رأسك رائحة المخدر، فسقطت في الغيبوبة، لتستيقظ بعد أن فقدت فحولتك!! أنا أيضاً ياعم توفيق، رائحة الإبل غررت بي، فوقعت في قبضة المسافرين العابرين الحجَاج!!) مقطع من الرواية ص71.
بين تجربتين
بين روايته الأولى (لغط موتى) الصادرة من دار الجمل العام الماضي وروايته الجديدة (فخاخ الرائحة) الصادرة حديثاً من دار رياض الريس، تجربتين مختلفتين للقاص والروائي يوسف المحيميد، ففي الرواية الأولى (لغط موتى) قدم المحيميد رواية قصيرة، بأسلوب جديد في كتابة الرواية، كان يبحث من خلالها تقديم نفسه للقارئ بشكل مختلف عما هو مطروح في الساحة الثقافية، حتى أن فكرة الرواية نفسها كانت مغامرة، عن صحفي يحاول كتابة رواية، وهو ما يجعل القارئ يربط بين أحداث الرواية ومؤلفها!.
في الرواية الجديدة (فخاخ الرائحة) يغامر المحيميد مرة أخرى بالكتابة عن موضوع معقد ومتشابك وهو يجمع أبطاله من الذاكرة متجاوزاً التاريخ وجغرافية المكان بشكل يدعو للدهشة فأبطال القصة ينتمون إلى عوالم مختلفة جداً لا يربطهم إلا رابط واحد وهو أنهم أشخاص هامشيون قدموا إلى هذه الحياة وسيخرجون منها دون إن يعلم أحد عنهم شيئاً والأجمل في الرواية أنها تستدعي تاريخ المدن في الحجاز أو نجد أوحتى في الصحاري، حتى أنها لتغدو كعمل توثيقي شديد الدقة خاصة عندما يصف المؤلف بدقة متناهية وهو النجدي حياة الحجاز قديما ببيوتها ذات الهندسة الرائعة وحكايات أهلها وناسها.
رائحة.... ومصير
عنوان الرواية له مدلول حين يعني المؤلف أن أبطال الرواية محكوم عليهم بهذا الشقاء الذي يعيشونه بسبب رائحة ما، فأبطال الرواية جميعهم كانوا ضحايا روائح مختلفة الموضوع والسبب والنتيجة، وإن كانت النتيجة في نهايتها مؤلمة حولت حياتهم إلى هامش مرير.
فطراد قاطع الطريق سلبته رائحة الإبل إلى أن تقطع أذنه من قبل ذئب جائع، والعم توفيق سلبته رائحة الشحم المشوي حريته وفحولته، أما ناصر فرائحة العطر هي التي جعلت من قدومه إلى هذه الدنيا كطفل لقيط!.
ربط مصير أبطال الرواية بسبب الروائح التي جلبت لهم هذا المصير المؤلم في النهاية هي مسألة يتكرر ذكرها في الرواية كثيراً وكأن المؤلف ينبه إلى أن هذه الروائح وان اختلفت تفاصيلها إلا أنها هي في حقيقتها رائحة واحدة: رائحة الأغواء والمغامرة غير المحسوبة العواقب، وهي أيضاً الإقبال على إغراءات الدنيا دون الانتباه إلى أن وراء هذه الإغراءات مكيدة ما أو مصيبة ما لذا فإن توظيف مدلول (الرائحة) بشكل متكرر بالرواية، ووضعه عنوانا للرواية يؤكد ما سبق في أن مدلول (الرائحة) يتجاوز المفهوم الحسى لهذه الكلمة.
أبطال الرواية
أبطال الرواية: (العم توفيق) أو العبد توفيق الذي سرق وهو صغير (بسبب رائحة ما) من قريته الصغيرة في مكان ناءٍ في القارة السمراء، سرقه (الجلابون) الذين يجلبون الشبان الأصحاء الأشداء ثم يبيعونهم في أماكن مختلفة في الجزيرة العربية ثم ينتهي به الحال في العمل خادماً للقصور.
طراد: البدوي الذي تربى بالصحراء ولم يقتنع بوضعه الجديد بعد أن كان طرفاً في معادلة الغزوات يتحول إلى راع في خيمة صغيرة مع والديه وأخيه فيتحول إلى قاطع طريق بمساعدة قاطع طريق آخر حتى ينتهي به الحال (بسبب رائحة ما) إلي العمل في المدينة على وظيفة قهوجي.
ناصر (اللقيط): الذي فتح عينيه للمرة الأولى لا ليبصر وجه أمه بل ليبصر نفسه في كرتون مرمي على الأرض بإهمال وحوله القطط وحشرات الليل تنهش في جسده الضعيف (بسبب رائحة ما) أيضاً لينتهي به الحال طفلا في دار رعاية الأطفال لا يعرف من أباه ومن هي أمه التي ارتضت أن ترميه على قارعة الطريق دون ذنب ارتكبه!!.
أحداث.. قصص
غرابة الرواية أن أحداثها الأولى تبدأ في صالة المغادرين وتنتهي أيضاً أحداثها في هذه الصالة أيضاً! كأنما المؤلف أراد أن يوحي في نهاية الرواية أنه لا مفر من الهروب من الواقع الذي يعيشه أبطال الرواية وأنهم في النهاية سيظلون يتعايشون مع هذا الواقع الذي كان بالإمكان تغييره لو أنهم تعاملوا مع الروائح التي استنشقوها بطريقة أخرى!.
تبدأ أحداث الرواية مع طراد فارس البادية الذي تأقلم مع حياة الغزوات ثم بعد أن استقرت الأحوال يجد نفسه بلا عمل فعلي غير رعاية والديه في خيمة تأويهم والبحث عن أخيه المفقود الذي يزعم الناس أن (جنية) اختطفته لوسامته في ليلة مقمرة! ثم بعد ذلك يتحول بمصادفة إلى قاطع طريق حتى تقوده (رائحة الإبل) إلى وفاة صديقه ونجاته هو بعاهه في اذنه، ثم يتحول إلى المدينة ليعمل (قهوجيا) في دائرة حكومية هو ابن الحسب والنسب وفارس من الصحراء تحوله المدينة إلى مجرد هامشي! يلتقي في عمله بالعم توفيق أو العبد الذي جلب من أفريقيا ليعمل في إحدى بيوت الحجاز ثم يستقر به المقام في هذه الدائرة الحكومية بالرياض هامشياً آخر في حياة المدينة!.
ينقلك المؤلف بين أحداث الرواية بسلاسة تشعرك أنك تعيش مع أبطال الرواية، تبدأ الأحداث وتنتهي في صالة المغادرين، ويستعين المؤلف طريقة (الفلاش باك) أو العودة بالأحداث إلى الزمن الماضي عبر تذكر أبطال الرواية لسيرهم في حياتهم منذ الصغر، إلا سيرة ناصر (اللقيط) الذي يكتشف طراد سيرته مكتوبة في ملف أخضر (علاقي)وجده ملقى بجانبه في مقعد الانتظار صالة المغادرين!.
ينتقل المؤلف بك في سرد وقائع سير أبطال الرواية بين أدغال أفريقيا ثم إلى صحراء نجد ثم إلى مدينة حجازية الطراز ثم يعود بك إلى الرياض قديما بشوارعها التي كانت صغيرة جداً، ينتقل بك المؤلف في هذه الأمكنة دون أن تحس بوحشة المكان يصف لك بدقة كيف اختطف الجلابون العم توفيق، كما يصف تماما المدينة الحجازية ببيوتها وحاراتها وأهلها كأنك عشت مسبقاً في هذه الأمكنة صغيراً واستعدت صورها لحظة أن قرأتها مرة أخرى في هذه الرواية!.
تجربة جديدة
في هذه الرواية يقدم يوسف المحيميد عملاً جديداً بحدث ورؤية جديدة وهي إضافة مهمة للرواية المحلية خاصة أن أبطال الرواية هم من الناس الهامشيين الذين يعيشون بيننا ولا نشعر بهم بتاتا حتى عندما يرحلون عن هذه الدنيا لا نشعر بفقدهم لأنهم لم يكونوا يشكلون شيئاً ذا قيمة بل إنهم يمثلون عبئا متعبا، ولكن المحيميد يقدم نماذج من هؤلاء الهامشيين ليبرهن أن في حياتهم ما يستحق القراءة والتمعن في سيرهم التي تشكل تجارب انسانية أهم بكثير مما نقرأه في سير بعض أبطال الحياة الحقيقيين!.
بقيت ملاحظة أخيرة أن تجربة المحيميد الروائية الثانية ذات نفس قصير كما هو الحال في روايته الأولى، ورغم غنى وتشعب أحداث الرواية التي تجعل من الممكن أن تتجاوز صفحات الرواية حاجز المائة صفحة بمئات أخرى إلا أن المؤلف كانت له رؤية أخرى في اختصار الرواية هو اختصار جميل ولكنه كان يمكن أن يكون أجمل لو أسهب المؤلف في إضافة أحداث أخرى وخاصة أن شخصيات الرواية تستحق أن نقرأ أكثر عنها.


tmadi777@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
المحررون
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved