الاقتصادية عالم الرقميمجلة الجزيرة نادي السياراتالرياضيةالجزيرة
Monday 08th January,2007 العدد : 181

الأثنين 19 ,ذو الحجة 1427

مساقات
أنابيش لهجية
د. عبد الله الفـَيْفي

نستأنف في هذا المساق تلك الأنابيش اللغويّة في لهجة جبال فَيْفاء بجنوب المملكة العربية السعودية من خلال المفردات الآتية:
(ج م م) جَمّ، يَجِمّ: حَلَقَ، يَحْلِِقُ شَعْرًا. والجَمّاء من النَّعَم: ما لا قَرْنَ له منها.
والتعبير فصيح. وَرَدَ في الحديث أنه يُقتصّ يوم القيامة من كلّ جانٍ (حتّى إن الجمّاء لتقتصّ من القرناء)، كما في (مسند أحمد بن حنبل). وقال الزبير بن عبد المطلب يرقّص طفلته أُمّ الحَكَم:
يا حبّذا أُمّ الحَكَمْ
كأنها رِيْمٌ أَجَمْ
(انظر: القالي، أبو عليّ، (356هـ = 966م)، (د. ت.)، الأمالي، عناية: محمد عبد الجواد الأصمعي (بيروت: دار الكتاب العربي)، 2: 116).
(ج م ن) الجَمَنَة: نوع من دِلال القهوة، من النحاس كبيرة.
وقد ذكر (ابن المجاور)، كما أورد (العقيلي، محمد بن أحمد، (1982)، تاريخ المخلاف السليماني، (الرياض: دار اليمامة)، 1: 190) في حديثه عن المعايير الوزنية في زَبيد أن السمن يباع بـ(الجمنة)، وهي تسعة أمنان. ولا يُدرى أهي هي أم سواها من الآنية، وإنْ كان الراجح أنها هي.
(ج ن ب) الجَنْبِية: خنجر طويل يُلبس على جانب الخصر، ومن ذلك اشتُقّ اسم (الجَنْبِية) على الأرجح.
والكلمة معروفة في الحجاز كذلك، ومنذ مئات السنين؛ إذ يذكرها مثلاً (المحبي، خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر)، في ترجمة الوزير ابن عتيق الحضرمي وحادثة انتحاره، في قصة من تاريخ الظلم نسوقها هنا لغرابتها وطرافتها وعِبْرتها:
(عبد الرحمن بن عبد الله بن عتيق الحضرمي الأصل، المكّي المولد والمنشأ، وزير الشريف حسن بن أبي نمي... تسلط على جميع المملكة، وتصرّف فيها كيف شاء، وبقي كل من يموت من أهل البلد أو من الحجاج يستأصل ماله، بحيث لا يترك لوارثه شيئًا. فإذا تكلّم الوارث أظهر له حجة أن مورّثه كان قد اقترض منه في الزمن الفلاني كذا كذا ألف دينار، ويقول هذا الذي أخذته دون حقّي، وبقي لي كذا وكذا! وطريق كتابته لهذه الحُجّة وأمثالها أن كتبة المحكمة تحت أمره وقهره، فيأمرهم بكتابة الحُجّة فيكتبونها، وعنده أكثر من مائة مهر للقضاة والنواب السابقين، فيمهرها... وكان الشريف أبو طالب بن حسن كلما سمع شيئاً من هذه الأمور تألّم غاية التألّم، فأوّل ما استقل بالشرافة أرسل من المبعوث قبل وصوله إلى مكّة رسله بمَسْك ابن عتيق. فمُسِك يوم الجمعة بعد العصر، واستمرّ في الحبس يوم السبت والأحد. فلمّا وصل الشريف أبو طالب إلى مكّة وتولّى أمر والده الشريف حسن ودفنه استدعى ابن عتيق وسأله عن أحواله، فقال: (قد فعلتُ جميع ذلك). ثم ردّه إلى الحبس. ففي ليلة الاثنين أخذ ابن عتيق (جنبيّة) العبد الوصيف، المرسم عليه، وهو نائم، فاستيقظ العبد وخلّصها منه. فأخبر سيده الشريف أبا طالب بذلك، فأعطاه (جنبيّة)، وقال له: (خذْ هذه، وقل له: لا تسرق (الجنبيّة) بالليل، وأسرع بإرسالها إلى جهنم وبئس المصير). فأخبره الوصيف بما قاله الشريف، فأخذها منه وأدخل منها في بطنه نحو إصبع، ثم أخرجها ثم أعادها، وأدخل منها ضعف الأول، ثم أدخلها جميعها ثم أخرجها، وقال: (وا مالي!). واستمرّ ذلك اليوم إلى ظُهر يوم الثلاثاء ثاني جمادى الآخرة سنة عشر وألف، فمات. وكان يتبجّح ويقول: (الشرع ما نريده)، وأَبْطَلَ في أيامه عدّة من المسائل الشرعية، كالوصايا، والعتق، والتدبير، وباع أمهات الأولاد بأولادهن. ورُمي به في درب جُدّة في حفرة صغيرة بلا غسل ولا صلاة ولا كفن، ورمت عليه العامة الحجارة، وعملت الفضلاء فيه تواريخ، فمنها قول بعضهم:
أشقَى النفوس الباغيةْ
ابن عتيق الطاغيةْ
نار الجحيم استعوذتْ
منه، وقالت: (ما ليهْ؟)
لمّا أتى تاريخه
أجبْ لظى والهاويةْ!
ذكر ذلك عبد الكريم بن محب الدين القطبي في تاريخه الذي ذكر فيه بعض وقائع مكّة).
أمّا امجِناب - الجِناب في لهجة فَيْفاء: فمن آلة الحرث، وهي الحِبال على جانبي الثور التي تشدّه إلى المِحراث. ومن كونها على جانبي الثور اشتُقّ اسمها.
(ج هـ ل) جَهْل: أطفال أو صِبْيَة، مفرده: جاهل أو جاهْلَة. والكلمة مستعملة كذلك في لهجات جنوبية مختلفة؛ كلهجة أهالي جبل رازح مثلاً وغيرها.
)see: Janet C.E. Watson، Bonnie Glover Stalls، khalid Al-Razihi & Shelagh Weir، (2006)، The language of Jabal Razih: Arabic or something else?، (peaper from the thirty-ninth meeting of the Seminar for Arabian Studies، held in London، 21-23 july 2005)، (London: Oxford)، 38).
والكلمة واضحة العلاقة بمادة (جهل)، إنْ بمعنى نَقْص العِلْم والخِبْرة، أو بمعنى طيش الطفولة والصِّبا، أو بكليهما.
(ج هـ م) جَهِيْمَ ة: شخص ضخم الجثّة غليظ.
وفي (ابن منظور، لسان العرب، (جهم)): (الجَهْمُ والجَهِيمُ من الوجوه: الغليظ المجتمع في سَماجة، وقد جَهُم جُهُومةً وجَهامةً. وجَهَمَه يَجْهَمُه: استقبله بوجه كريه، قال عمرو بن الفَضْفاض الجُهَنيُّ:
ولا تَجْهَمِينا، أُمَّ عمرو، فإِنما
بنا داءُ ظَبْيٍ لم تَخُنه عَوامِلُهْ
داءُ ظبي: أَنه إذا أَراد أَن يَثِب مكث ساعة ثم وَثَب، وقيل: أَراد أَنه ليس بنا داء كما أَن الظبي ليس به داء؛ قال أَبو عبيد: وهذا أَحَبُّ إِليَّ. وتَجَهَّمَه وتَجَهَّم له: كَجَهِمَه؛ إذا استقبله بوجه كريه. وفي حديث الدعاء: (إِلى مَنْ تَكِلُني؟ إِلى عَدُوّ يَتَجَهَّمُني؟)؛ أَي يلقاني بالغِلْظة والوجه الكريه. وفي الحديث: فتَجَهَّمَني القومُ. ورجل جَهْمُ الوجه؛ أَي كالِحُ الوجه، تقول منه: جَهَمْتُ الرجلَ وتَجَهَّمْتُه، إذا كلَحْتَ في وجهه. وقد جَهُم، بالضم، جُهُومةً إذا صار باسِرَ الوجه. ورجل جَهْمُ الوَجْه وجَهِمُهُ: غليظُه، وفيه جُهُومة. ويقال للأَسد: جَهْمُ الوَجْهِ... والجَهْمَة: القِدْر الضَّخْمة؛ قال الأَفْوَهُ:
ومَذانِبٌ ما تُسْتَعارُ، وجَهْمةٌ
سَوداءُ، عند نَشِيجِها، لا تُرْفَعُ)
وفي بني مالك، المجاورين لأهل فَيْفاء وأبناء عمّهم، يسمّون بهذه الصفة: (جَهِيمَة)، وذلك كفرحان بن جَهِيمَة، شيخ آل حبس قديمًا.
وهو استعمال عربي قديم، يُذكر منه: (أبو جُهَيْمَة الذُّهلي) الشاعر، ولكنه بصيغة التصغير، وكذا اسم جدّ كُثَيِّر عَزَّة: (جُهَيْمة بن سعد بن مُليح الخزاعي). (انظر: الكلبي، هشام بن محمد بن السائب، (1986)، جمهرة النسب، تح. ناجي حسن (بيروت: عالم الكتب - مكتبة النهضة العربية)، 29). وقد يُستعمل اسم امرأة كذلك، كـ(جُهَيْمة) التي تزوّجها الفرزدق، وهي من بني النمر بن قاسط. (انظر: الأصفهاني، أبو الفرج، (1983)، كتاب الأغاني، تح. عبد الستار أحمد فرّاج (بيروت: دار الثقافة)، 21: 314). وقد ضُبطت الجيم بالضم أيضًا. (وأَبو جَهْمَة اللَّيثيّ: معروف، حكاه ثعلب... وجُهَيْمة: امرأَة؛ قال:
فيا رَبّ عَمِّرْ لي جُهَيْمَةَ أَعْصُراً!
فمالِكُ مَوْتٍ بالفِراق دَهاني)
(ابن منظور، (م. ن.).
أمّا (جَهُومي)، في اللهجة، فبمعنى: غافل، جاهل، لا يُحسن التصرّف.
وفي الفصحى: (رجل جَهْم وجَهِمٌ وجَهُوم: عاجز ضعيف؛ قال:
وبَلْدةٍ تَجَهَّمُ الجَهُوما
زَجَرْتُ فيها عَيْهلاً رَسُوما
(تَجَهَّمُ الجَهُوما): أَي تستقبله بما يكره. والجَهْمَةُ والجُهْمَة: أَوّلُ مآخير الليل، وقيل: هي بقيةُ سَوادٍ من آخره. ابن السكيت: جَهْمَةُ الليل وجُهْمَته، بالفتح والضم، وهو أَوَّلُ مآخِير الليل، وذلك ما بين الليل إِلى قريب من وقت السَّحَر؛ وأَنشد:
قد أَغْتَدي لِفِتْيَةٍ أَنْجابِ
وجُهْمَةُ الليلِ إِلى ذَهابِ
وقال الأَسْوَدُ بن يَعْفُر:
وقَهْوَةٍ صَهْباءَ باكَرْتُها
بجُهْمةٍ، والدِّيكُ لم يَنْعَبِ
أَبو عبيد: مَضى من الليل جُهْمةٌ وجَهْمة) (م. ن.).
وفي هذا كله ما يؤصّل معنى (جَهُومي) في اللهجة.
وفي المساق الآتي لنا تواصُل.


aalfaify@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
أوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved