الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 12th September,2005 العدد : 122

الأثنين 8 ,شعبان 1426

المعلقات العشر وشعراؤها
ماجد بن حسين الفيفي*

الدكتور عبدالعزيز بن محمد الفيصل من كبار النقاد السعوديين كرَّس عمله في الشعر الجاهلي، بدايةً بالتحقيق والتدقيق والتمحيص وبجمع شعر القبائل العربية فقد حقق ديوان الصمة بن عبدالله القشيري وجمع شعر بني عقيل، وشعر بني قشير، وبني عبس وحققه ودرسه، ووقف على كثير من القضايا الأدبية في كتابه قضايا ودراسات نقدية وفي كتاب وقفات على الاتجاه الإسلامي في الشعر العربي وفي كتاب مع التجديد والتقليد في الشعر العربي وقد جمع الألفاظ الفصيحة التي قد درجت بالعامية في قلب الجزيرة العربية في كتابه من غريب الألفاظ، وإلى غير ذلك من المؤلفات العديدة التي أثرى بها المكتبة السعودية والعربية.
كتاب المعلقات العشر شرح الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن محمد الفيصل، ويقع هذا الكتاب في مجلدين، ووصل عدد صفحاته إلى 1076 صفحة من القطع الكبير وهذا الكتاب يحتوي على العديد من جوانب التجديد والإضافة البديعة التي تتشكل في الكتب الحديثة فأغلب الشروح الحديثة للمعلقات تنقصها الدقة ومؤلفوها لم يكونوا على المستوى العلمي لكي يحققوا التحقيق الصحيح والمطلوب لإثبات المعلقات العشر.
فقد عكف المؤلف على دراسة هذه المعلقات حوالي عقد من الزمان فخرج بنتائج بحثية رائعة ومفيدة، تتضح لنا فيها النتائج الحقيقية للبحث العلمي.
ففي هذا الكتاب يذكر المؤلف أسماء جميع الأماكن التي وردت في القصائد والنصوص ولا يقول عن الكلمة (اسمع موضع) كما يفعل بقية الشراح الآخرون الذين هم من خارج أرض الجزيرة العربية، أما مؤلفنا الجهبذ فهو من عرب الجزيرة، وقد كانت له دراية واسعة بالأماكن التاريخية ويشهد لنا بذلك ما يذكره في مقالاته وفي بطون كتبه من التدقيق البارع في ذكر الأماكن، وبالإضافة الى ذلك فإنه يشير الى المصادر والمراجع التي حددت الأماكن، فهذا الشرح هو أول شرحٍ وافٍ للمعلقات يذكر فيه المؤلف التحديد الدقيق للأماكن الواردة في المعلقات مما يسهل على القارئ فهم البيت واستيعابه فهناك عدد من الأمور يجب أن يستحضرها الباحث أثناء شرح أبيات المعلقات وقد توافرت كلها عند مؤلفنا الكبير الدكتور الفيصل، فتحديد الأماكن والتعريف بها ومعرفة مساكن القبائل العربية كلها من الأمور اللازمة في الشرح.
وقد أورد الدكتور في مقدمة كتابه بيتاً لعمر بن كلثوم يقول فيه:
يكون شغالها شرقي نجد
ولهوتها قضاعة أجمعينا
وقد ذكر عقب هذا البيت ما نصه: (يلزم لشرحه معرفة شرقي نجد، ومساكن قبيلة قضاعة، وشرح البيت يأتي متمماً المعنى. بعد اطلاع القارئ على معاني الألفاظ وتحديد الأماكن).
فالمؤلف من خبراء الشعر الجاهلي فقد جمع شعر قبيلة بني عبس، وبني قشير وبني عقيل في مؤلفات ضخمة فجاءت حصيلة البحوث السابقة في هذا الكتاب المتميز. والقارئ العادي في هذا الزمان يجد العديد من العقبات التي تتصدى طريقه في قراءة أبيات الشعر الجاهلي وشعر الملعقات بالتحديد، ولكن في هذا الشرح قد عني المؤلف بوضع الحركات والسكنات بشكل دقيق وواضح على أبيات القصيدة الشيء الذي سهل ويسر على القارئ قراءة البيت بالشكل الصحيح، ومن ثم فهمه على ضوء الشرح الموجود في الكتاب.
والأهم أن الأسلوب الذي عالج به النصوص في هذا الكتاب أسلوب عصري، سهل ممتنع يجعل القارئ يندفع في قراءة الشرح دون أن يحس بالوقت، ويكون بعد أن فرغ من قراءة الأبيات وشرحها قد خرج بنتيجة إيجابية وهي فهم الأبيات وحقائبها التاريخية الممتلئة بالأخبار والسير.
وأبيات المعلقات فيها من التشعب والغموض الشيء الكثير ولهذا فإن البيت قد يأتي بأكثر من معنى وهذه المعاني قد أثبتها الشراح في كتبهم. والمؤلف هنا قد يثبت الشرحين والثلاثة على حسب ما ورد عن البيت ومع الإشارة الى شارح البيت من العلماء.
وقد اعتمد المؤلف في إثبات الشعر على ما ثبت في الشروح الكبار مثل شرح ابن كيسان، وشرح ابن الانباري وشرح النحاس، وشرح التبريزي، واعتمد على دواوين الشعراء وأشعار الشعراء الستة الجاهليين وجمهرة أشعار العرب والعديد من الكتب الأخرى وقد ذكرها المؤلف في قائمة المصادر والمراجع.
ويشير المؤلف في مقدمة كتابه إلى أهمية الكتاب قائلاً: (فلا يستطيع مهتم بالعربية أن يقول بعدم أهمية شرح المعلقات وقدمتها لأنها خدمت من قبل فالموضوع مهم وبحاجة إلى الخدمة المتجددة ومن هنا أحسست بواجبي تجاه خدمة هذه المعلقات بالإضافة إلى الرغبة التي يبديها لي كثير من طلبة الدراسات العليا، فاتجاهي إلى خدمة هذه المعلقات منطلق من واجبي نحو تراثنا الشعري ثم من أجل خدمة طالب العلم في أي مكان، فمن يقرأ العربية له حق علي وعلى غيري من أساتذة الجامعة فعملي في هذا الشرح خدمة للعربية وقرائها).
ويحدد المؤلف منهجه في هذا الكتاب قائلاً: وعملي في هذا الكتاب يبدأ بمدخل يلج منه القارئ الى الشعر على المعلقات فهو يحتوي على معنى المعلقات وجمعها وكتابتها وتعليقها وأسمائها، وعددها وترتيبها وتعيين قصائدها، فبعض أصحاب المعلقات أثبت أكثر من قصيدة، كما يحتوي على أسماء أصحاب المعلقات وعلى شروح المعلقات.
ويورد المؤلف في توثيق المعلقة المصادر التي اعتمد عليها في إثبات المعلقة ويذكر عدد الأبيات في المصادر التي اعتمد عليها بالترتيب، ففي معلقة طرفة ابن العبد يقول المؤلف: (وقد جعلت شرح ابن الأخباري أصلاً لإثبات معلقة طرفة، ثم عرضت معلقة طرفة في المصادر الستة على شرح ابن الأنباري فإذا وجدت اختلافاً في الرواية أو في ترتيب الأبيات أو زيادة أو نقص في الأبيات نبهت عليه في الحاشية، وإذا تبين لي أن رواية النحاس أو الزوزني أو التبريزي أفضل أثبتها وأشرت إلى رواية ابن الأنباري.
ومن خلال مقابلة المصادر المذكورة وجدتها متقاربة في الرواية وفي الترتيب أما عدد الأبيات فيتفق فيه كل من: شرح ابن الأنباري والزوزني، والديوان ويقترب شرح النحاس من شرح ابن الأنباري في عدد الأبيات وهذا هو عدد الأبيات في المصادر السبعة...)
ويورد بعد ذلك المؤلف المصادر السبعة بالترتيب وعدد الأبيات في كل مصدر من هذه المصادر.
وهذه الطريقة في إثبات المعلقة لا نجدها في أي من الشروحات السابقة فهي توفر على القارئ الجهد الذي يبذله، وخاصة عندما يكون باحثاً في الموازنة بين المصادر المختلفة لمعرفة الزيادة والنقص في الأبيات في الشروحات المتقدمة.
وقد رتب المؤلف الشعراء في كتابه على منازلهم التي أنزلهم العرب عليها بداية بامرئ القيس بن حجر ثم معلقة طرافة ابن العبد، ثم زهير بن ابي سلمى، ثم لبيد بن ربيعة العامري، ثم عنترة بن شداد العبسي، ثم عمر بن كلثوم التغلبي ثم الحارث بن حلزة اليشكري ويليه الأعشى وبعده النابغة الذبياني وأخيراً معلقة عبيد بن الأبرص الأسدي. ومن منازل الشعراء ما ورد في كتب الشعراء قال أبو عبيدة: (مر لبيد بمجلس لنهد بالكوفة وهو يتوكأ على عصا فلما جاوز امرؤ فتى منهم أن يلحقه فيسأله: من أشعر العرب، فقال له لبيد: الملك الضليل، يعني امرئ القيس فرجع فأخبرهم، قالوا: ألا سألته: ثم من؟ فرجع فسأله فقال: ابن العشرين يعني طرفة، فلما رجع قالوا: ليتك كنت سألته ثم من؟ فرجع فسأله فقال: صاحب المحجن، يعني نفسه).
وبعد أن يفرغ القارئ من التمهيد والمقدمة، يبدأ في قراءة المعلقات، فالمؤلف قد عالج المعلقات بطريقة جيدة ترتب الأفكار، وترسم الخطوط العريضة في ذهن القارئ دون تشعب أو تشتت فيبدأ بالتعريف بنسب الشاعر، وسرد أهم الأحداث التي دارت حول حياة الشاعر وذلك بتوثيقها طبعاً، ثم يذكر جميع المصادر القديمة التي اعتمد عليها في إثبات المعلقة.
بعد ذلك يذكر صفة إثبات المعلقة بالتفصيل ويشرح الأبيات بتبيين المعاني الغريبة في البيت أولاً، وذكر الأماكن بالتحديد الدقيق بعيداً عن العمومية أو الإبهام كما يفعل بعض المؤلفين بأن يضع (اسم موضع) إذا عجز عن الاستقصاء والبحث.
وكان شرح الأبيات بأسلوب سهل ميسر، بسيط، بحيث يتمكن كل من قرأ الكتاب بأن يفهم المعلقات فهماً جيداً. وإذا كان للبيت أكثر من معنى وثبتت هذه المعاني عند كتب الأقدمين فإن المؤلف يذكر شرحه مع ذكر الشرح القديم للبيت وتوثيقه.
ويحتوي هذا الكتاب على فهرس للأمثال وفهرس للقوافي، وفهرس للأعلام والقبائل، وفهرس للأماكن وفهرس للغة ومن ثم ثبت المصادر والمراجع وفهرس الموضوعات.
ومن خلال ما سبق تتضح لنا قيمة هذا الكتاب العالية فهو يجمع أطرافاً كثيرة بين دفتيه وأستطيع أن أعتبره أوفى شرح صدر للمعلقات في هذا العصر يستوفي جميع جوانبها بلا استثناء وهذا ليس غريباً فالمؤلف من أرباب الأدب العربي وخاصة القديم منه.
ويأتي تكميل المجلدين السابقين بكتاب آخر خاص بشعراء المعلقات العشر للدكتور الفيصل ويقع هذا الكتاب في 171 صفحة من القطع الكبير وينصب فيه المؤلف على سبب تأليفه قائلاً: (ولم يغب عني خدمة هؤلاء الشعراء ممن سبقني، ولكنني رأيت نقصاً فأتممته، بالإضافة إلى استمرار خدمة هؤلاء الشعراء في كل عصر بل في كل عقد، وبما أنني من المنتسبين للأدب فواجبي تجاههم القيام بالتعريف بهم وها أنا أقوم بهذا الواجب فأهمية هذا الموضوع مقترنة بأهمية الرعيل الأول من الشعراء وسبب اختياره قناعة بتعميم فضل هؤلاء على قراء العربية وهم امرؤ القيس، وطرفة بن العبد، وزهير بن أبي سلمى، ولبيد بن ربيعة، وعنترة بن شداد، وعمر بن كلثوم والحارث بن حلزة، والأعشى، والنابغة الذبياني وعبيد الأبرص الأسدي...).
ومن يقرأ هذا الكتاب فإنه سوف يلم بكل صغيرة وكبيرة وردت عن شعراء المعلقات العشر فالمؤلف في هذا الكتاب عكف على البحث والدراسة سنين طوال لكي يلم بجميع الأخبار التي وردت عن هؤلاء الشعراء في كتب التراث، فهو يتتبع حياة الشاعر من بدايتها وحتى نهايتها ويذكر الأحداث الكبيرة والصغيرة التي وقعت فيها ويذكر نسب الشاعر ونشأته وبلاده التي عاش فيها، ونهايته، وشاعريته وشعره وديوانه، والجديد في هذا الكتاب أن المؤلف اعتمد على التوثيق الدقيق بجميع الأخبار التي تخص الشعراء حتى ان المؤلف يذكر نسب الشاعر من ناحية أبيه ومن ناحية أمه، والتفصيل حياته، هل عاش هذا الشاعر في المدينة؟ أم في القرية؟ أم في البادية وكل ذلك طبعاً سوف يؤثر على شاعريته من قريب أو من بعيد، والتعريف الدقيق ببلاد الشاعر التي عاش فيها فالمؤلف قد وقف بنفسه على مساكن أولئك الشعراء وحددها تحديداً دقيقاً ومنها ما قد كتب عنه مقالات في الصحف.
أما شعر أولئك الشعراء فكان الاهتمام بالتفصيل في رواية هذا الشعر ومن رواه؟ حتى يصل إلى تدوين هذه الأشعار ويذكر المؤلف طبعات الديوان لكل شاعر منذ بدايتها حتى صدور هذا الكتاب وهذا ليس بالأمر السهل أبداً، ويتعسر على كثير من المحققين فالمؤلف لم يبخل بالوقت والجهد والتعب الذي بذله حتى أتم هذه الكتب بالإضافة الى تقريب هؤلاء الأعلام إلى القارئ العربي الحديث وكما يقول المؤلف في نهاية مقدمة كتابه: (فالأمة التي لا تستند إلى ماضيها يضيع حاضرها).
وهذه عبارة عن قراءة سريعة ومختصرة لهذه الكتب القيمة التي أضافت إلى التراث ما فيه الفائدة والمتعة بأسلوبها الرائع المتميز وبما فيها من الدقة في التوثيق والتحقيق.. ومن ذلك ما كان يتطلب البحث الميداني خارج المكتبة من الوقوف على الأماكن التراثية في قلب الجزيرة من مساكن هؤلاء الشعراء وقبائلهم وتوصيفها التوصيف الدقيق للقارئ.. فللأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن محمد الفيصل جزيل الشكر والعرفان مقابل هذه المجهودات العظيمة التي أثرت المكتبة السعودية والعربية.


*ماجستير قسم الأدب

الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved