نزيف الإبداع على رصيف الواقع فاروق جويدة يصاب بأزمة قلبية وعصفور وسلماوي يحافظان على التوازن
|
* القاهرة مكتب الجزيرة عتمان أنور:
ما بين الواقع الحياتي المعاش والتحليق في الخيال ثمة أوتار مشدودة يجيد الأديب والمبدع العزف عليها ويحافظ على اتزانها فإذا انزلقت قدماه في الواقع أكثر مما هو مطلوب ونسى تحليقه في دنيا الإبداع والخيال يفقد جزءاً من توهجه الأدبي ويصطدم بالواقع المرير ويشعر بالإحباط من واقع لا يتغير، وإذا غاص خياله في الإبداع بعيداً عن الواقع يشعر بالعزلة والوحدة والبعد عن الناس... ولعل هذه المعادلة الوجدانية ان صح التعبير تقف وراء نزيف المبدع المستمر ولهانة نحو تحقيق التوازن فيها والاستمرار كمبدع وكمثقف له رسالة يحمل مسئولية تجاه مجتمعه وربما يقف الفشل في تحقيقها أصابت المبدعون بالعديد من الأمراض.
نزيف المبدعين
الشارع الرومانسي الرقيق فاروق جويدة الذي يصنع عالماً حالماً إلى حد كبير عبر إشعاره وقصائده ويحلق جمهوره معه في دنيا المفردات العذبة الموحية الهائمة في أفق الحب والغرام يقترب بين الحين والآخر في مقالاته غير الشاعرية التي يكتبها في صحيفة الأهرام نحو قضايا المجتمع يتناول قضية أو ظاهرة ما ويناقشها برؤية الأديب ويروعه دائما الفجوة الموجودة بين أصحاب القضية والمسئولين ويحلم كشاعر بحلها دون مشكلات ولا يؤمن بأن هناك ما يسمى بالخطوط الحمراء عند تصديه لهذه المشاكل ولكن عندما كتب عن شكاوى الشباب المتفوقين الذين استبعدوا من تعيينات الوظائف النيابية في مصر ليحل محلهم شباب أقل تفوقاً بل وفيهم راسبون خضع جويدة للتحقيق فيما كتب واتهم بتجاوز عمل النيابة والقضاء في مصر وتقدم مجلس القضاء الأعلى بطلب إلى النائب العام للتحقيق معه بتهمة سب القضاء ولم يتحمل قلب جويدة الشاعر ذلك فأصيب بأزمة قلبية نقل على أثرها المستشفى حيث أجريت له جراحة (دعامة) في القلب.
دعامة قلب جويدة تفتح ملفاً شائكاً في الأوساط الثقافية المصرية العربية وهو ملف علاقة المثقف بالسلطة من ناحية ومسئولية المثقف نحو المجتمع من ناحية أخرى والمثقف في هذا الملف يقف بين نارين حيث تزداد هذه النار توهجاً بشكل خاص عندما يتولى مثقف أو مبدع موقع المسئولية وهذا ما حدا بالأديب والكاتب الصحفي محمد سلماوي إلى التعليق على هذا الأمر بعد فوزه برئاسة اتحاد الكتاب المصري حيث قوبل باتهامات أنه مرشح من قِبل وزارة الثقافة وليس لكونه أديباً وفقط قال إن العلاقة مع وزارة الثقافة بها شقان الأول قانوني وهو معيب لأنه يمنح الوزير سلطات على اتحاد الأدباء والكتاب لا يجوز أن تكون موجودة ومنها إلغاء نتائج الانتخابات وتعيين مجلس جديد، وهذا البند القانوني كان قد وضعه وزير الثقافة الأسبق يوسف السباعي لأنه كان يريد وضع الاتحاد في قبضة السلطة وسوف نسعى في الفترة القادمة لاستقلالية الاتحاد وإلغاء هذا الأمر أما الشق الثاني هو دعم وزارة الثقافة للاتحاد ونريد تقنين هذا الأمر ما أوضحه سلماوي يؤكد العلاقة الشائكة بين الأديب والمبدع والسلطة سواء ممثلة في وزارة الثقافة أو في مؤسسات أخرى للدولة.
علاقة شائكة
أيضاً من أبرز الأمثلة على وضعية المثقف الشائكة الدكتور جابر عصفور أمين المجلس الأعلى للثقافة بمصر فهو يعد أحد النقاد البارزين في مجال الأدب وله رؤيته المتميزة في التعامل مع الاتجاهات والنظريات الأدبية والنقدية الحديثة وبجانب ذلك فهو يشغل منصباً حكومياً يقع عصفور دائماً في مرمى شباك ونيران المثقفين يتهمونه أحياناً بمحاباة الحكومة خاصة في توزيع جوائز الدولة التقديرية والتشجيعية كل عام حيث ذهبت الجوائز إلى عددٍ من الوزراء والمسئولين في السنوات السابقة غير أن جابر عصفور استطاع دائماً أن يفلت من شباك الحكومة وفخاخ المثقفين معاً فلم يكن إدارياً ملتزماً بدرجة بيروقراطية بل تعامل مع موقعه الحكومي باعتباره فرصة للتصدي إلى الخطاب السلبي الذي يصف كل المخالفين له بأنهم علمانيون، ويؤكد عصفور أنه يحاول التواصل مع فكر الرواد طه حسين ولطفي السيد وعلي عبد الرازق وترسيخ مبادئ العقلانية والحرية والمساواة كمبادئ راسخة في الفكر العربي.
وبخلاف توازن عصفور هناك من يمثل له هذا التوازن ضغوطاً رهيبة تتحول إلى أمراض جسدية ورغم صعوبة ارتباط إصابة المبدع والمثقف بأمراض عضوية نتيجة الضغوط التي تمارس عليه من كونه مسئولاً ومبدعاً في نفس الوقت إلى أنه يوجد العديد منهم وقعوا في براثن المرض منهم جمال الغيطاني الذي يترأس تحرير صحيفة أخبار الأدب التابعة لصحيفة أخبار اليوم شبه الرسمية.
وربما لمحاولاته المواءمة بين مطالب المؤسسة واستيعاب الواقع الأدبي اضطر إلى تغيير شريانين في عملية جراحية منذ فترة مضت وكذلك الأديب إبراهيم أصلان الذي ترأس في وقتٍ من الأوقات إحدى السلاسل الأدبية التي تصدرها هيئة قصور الثقافة وخضع لعملية تغيير شرايين أيضاً.
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|