الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 15th August,2005 العدد : 118

الأثنين 10 ,رجب 1426

باكثير... عاشقاً للجميلة
مالك ناصر درار
* بعض عشاق الجميلة عبروا عن عشقهم لها بالتغني شعراً بمحاسنها وفضائلها، وعبر بعض آخر عن عشقهم بالاهتمام بقضاياها، والتصدي لخصومها، والدفاع عنها، وبيان حيويتها وصلاحيتها لكل العلوم والفنون، وكل العصور، وعبر بعض آخر عن عشقهم لها بما قدموه من إنتاج إبداعي، شعري ونثري، يتجلى فيه جمالها وإعجازها، ويحببها إلى القلوب.
* أما عاشقها المميز الذي تطيب ذكراه هذه الأيام الاديب الشاعر والروائي والكاتب المسرحي، الحضرمي الاندونيسي المصري علي أحمد باكثير، فكان كل اولئك العشاق حيث تغنى بجمالها وجلالها شعرا ونثرا وتصدر دعاتها الغير وأبدع أدبا رفيعا بها، بل ارتاد لها آفاقا جديدة من تعبير إبداعي، تجلت فيها طاقاتها الغنية.
* فأما تغنيه بجمالها وجلالها، فيشرق كاللؤلؤ المنثور بين قصائده، كلما لاحت مناسبة، فمثلا في مهرجان الذكرى الألفية للمتنبي، شدا باكثير (للجميلة) وأشاد بدور مصر في حفظها وخدمتها، وكان مما قال:
رأيت بلاد الضاد عقدا منظما
ولكن مصرا فيه واسطة العقد
ومن غيركم أهدى إلى الضاد شاعرا
كشوقي، ومنطقياً كجباركم سعد
هي الضاد، لن يذوي على الدهر عودها
وقد خصها الذكر المقدس بالخلد
ستبدأ من حيث انتهت سائر اللغي
خطاها الى حد يجل عن الحد
وفي قصيدة أخرى، يقول وهو مفعم بالثقة
* والأمل في شبابها الدائم ومستقبلها الزاهر:
ابشري يالغة العرب غدا
ستكونين لسان الخالدين
ابشري يا لغة العرب غدا
سوف تعلين عليهم أجمعين
ثم يقول مقارنا بينها وبين غيرها من اللغات:
انها شاخت، وما أنت سوى
طفلة بعد على رقم القرون
* على أن أجلي ما عبر به عن إيمانه باللغة العربية هو قوله في قصة شعرية على لسان فتاة غربية:
قد درست التاريخ فصلا ففصلا
ثم فقه اللغات بابا فبابا
لم أجد في الشعوب كالعرب أخلاقا
وفضلا وهمة واحتسابا
لا ولافي اللغات كالضاد حسنا
وكمالا وروعة وشبابا
هي أم اللغات، لا يذكر الدهر
صباها، وماتزال كعابا
* وأما دفاعه عن اللغة العربية، فكان لمحة أساسية من ملامح حياته وفكره وفنه، تجلت في أحاديثه ومواقفه ودراساته، وتجلت أكثر في إبداعاته الادبية وتجاربه الفنية الرائدة، وفي مقدمتها إبداعه للشعر المرسل كما سماه، أو الشعر الحديث، والحر، وشعر التفعيلية، كما اشتهر فيما بعد، وكان ذلك إثباتا لقدرة اللغة العربية على التعبير الادبي المسرحي شعرا!
* على أن أخطر ما تصدى له باكثير هو قضية (الفصحى والعامية) في لغة المسرح، وكانت رؤيته (ان الكاتب المسرحي يستطيع باللغة الفصيحة السهلة أن يصور ما يشاء من الأجواء المختلفة بأن ينفخ فيها الروح المحلية الخاصة بشخوص مسرحيته، فالروح المصرية مثلا يمكن أن تترقرق في اللغة الفصيحة، كما يترقرق الماء في كأس من البلو).
* والحق أن باكثير قد قدم نماذج ملهمة من اللغة التي دعا إليها، حيث استطاع أن يقتبس من العامية خصائصها الحية المرنة البليغة، وينقلها إلى اللغة الفصيحة مبلوراً (لغة جديدة تعكس واقعنا، ولا تنفصل عن الفصحى، لغة حية متطورة تحفل بالألوان والظلال الخاصة بكل بلد عربي على حدة، ولكنها مفهومة لجميع الشعوب العربية).
* لم يكن طريقه وادعا سهلا، فبالرغم من أجواء المد القومي الذي آمن به وعاش وأبدع في ظله، ونال أرفع الجوائز والأوسمة فيه، فإنه عانى كثيرا من كيد القوى والتيارات المناوئة لفكره، ولكنه كان يقول في ذلك:
مبدئي ثابت، وقلبي شجاع
ويراعي حر، وفكري طليق
لا أقول الذي اعتقادي سواه
وبمثل أوهامهم لا تليق
وأطيق احتمال كل أذى في
الحق، لكن لكتمه لا أطيق
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved