Culture Magazine Monday  07/07/2008 G Issue 254
عدد خاص
الأثنين 4 ,رجب 1429   العدد  254
 

إنها دعوة حب ووفاء
أحمد صالح الصالح (مسافر) *

 

 

النسيان نعمة كبيرة للإنسان في أحوال كثيرة، في خضم هذه الحياة.. فكم من الآلام والأحداث الموجعة والمفجعة تمر بالإنسان ويعيش ساعاتها جزعاً وألماً وتسخُّطاً.. وقد يعيشها صبراً واحتساباً.. ثم مع الزمن ينسى ويعيش بعدها حياة الأمل ولحظات السعادة.. ويتفاعل مع الحياة يعمل ويبدع متواصلاً مع مجتمعه، ومتفاعلاً مع تطلعاته في هذه الحياة، وكأنه لم تمر به ساعة حزن ولا مسَّةُ ضر.. ولكن هل كل نسيان نعمة؟

إن واقع الحياة يقول: لا..

فنسيان صديق حميم أو حبيب أو عالم أو مصلح أو أستاذ أو مفكّر أو مبدع في مجال العلوم والآداب يعتبر جحوداً ونكراناً..

كثيرون لا يعرفون هذه الرموز العلمية والفكرية والأدبية إلاّ زمن التواصل الذي يجمعهم فيه مجتمع أو عمل أو علاقات مادية أو عاطفية وبعدها كل من هؤلاء يلفه عالم النسيان.

تتداعى هذه الأفكار عندما اتصل بي الأستاذ الشاعر فيصل أكرم يطلب مني المشاركة في ملف عن المفكر والأديب الدكتور مصطفى محمود الذي يعيش روحاً وجسداً في حياتنا وفي دوائر الأحوال المدنية ولكن للأسف غادر ذاكرة قرائه وأصدقائه ومحبيه وعارفيه .. أو كاد أن يُنسى حتى أن بعضهم تساءل: وهل مصطفى محمود لا يزال حياً؟!

إنه عالَمٌ ظالم فاقد للذاكرة.

إن كان د. مصطفى محمود لا يكتب ولا يؤلف منذ مدة، وهو الذي ألف في الفكر وفي القصة والرواية ومشاهد الرحلات وأنجز العديد من الدراسات العلمية والأعمال التنويرية وكان وقتئذ ملء السمع والبصر لدى قطاع كبير من القراء.. من خلال هذا الرصيد والحضور في المشهد الثقافي.. ألا يحق له أن نسأل عنه وأن يتواصل معه مجتمعه العربيّ بمختلف قرائه ومحبيه وعارفيه.. ولو من خلال تناول موضوعات كتبه وأدبه وحضورها مادة للنقاش في المنتديات ووسائل النشر..؟

إن الرصيد الذي تركه في كتبه من فكر وأدب وعلم، ومن تحول في مسيرته الفكرية العقائدية من الشك إلى الإيمان، ووصوله إلى الحقيقة الإيمانية الخالصة كما هو معروف عنه.. يجعله أحوج ما يكون الآن إلى وقفة خاصة من الذين عاصروه من كتاب ومفكرين وصحفيين ومتابعين لكل كتاباته ومن مجتمعه العربي القريب منه، ومن تلاميذه وأصدقائه ولو من بعيد..

إن التواصل معه وإزالة وحشة الوحدة وجحود النسيان والعزلة التي يعيشها بفقده الذاكرة التي كانت تحقق له التفاعل مع هذا التواصل.. واجبٌ إنسانيّ قبل كل شيء، فكيف إذا كان لإنسان مثل مصطفى محمود؟

إن إشاعة الأنس والألفة في حياته بعض من الوفاء له وحق واجب له من كل من قرأ له أو تتلمذ عليه أو كان صديقاً له ولعطاءاته، وهذا الملف لفتة إنسانية وثقافية كريمة من (جزيرتنا الثقافية) ونبل من الأستاذ الشاعر فيصل أكرم الذي بادر به وسعى إليه بكل محبة ووفاء لهذا الكاتب والمفكر والعالم الدكتور مصطفى محمود.. إنها دعوة حب ووفاء وهي حق واجب لأمثال هؤلاء الرواد.. نسأل الله له الصحة وأن يؤنس وحدته..

* شاعر سعودي


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة